سبب نزول الآيات رقم (169 ? 170 - 171) من سورة آل عمران

 

﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِين﴾.

 

النزول:

قيل نزلت في شهداء بدر وكانوا أربعة عشر رجلا ثمانية من الأنصار وستة من المهاجرين وقيل نزلت في شهداء أحد وكانوا سبعين رجلا أربعة من المهاجرين حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير وعثمان بن شماس وعبد الله بن جحش وسائرهم من الأنصار عن ابن مسعود والربيع وقتادة وقال الباقر (عليه السلام) وكثير من المفسرين أنها تتناول قتلي بدر وأحد معا وقيل نزلت في شهداء بئر معونة وكان سبب ذلك ما رواه محمد بن إسحاق بن يسار بإسناده عن أنس بن مالك وغيره قالوا قدم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنة وكان سيد بني عامر بن صعصعة على رسول الله المدينة وأهدى له هدية فأبى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يقبلها وقال يا أبا براء لا أقبل هدية مشرك فأسلم إن أردت أن أقبل هديتك وقرأ عليه القرآن فلم يسلم ولم يعد وقال يا محمد إن أمرك هذا الذي تدعو إليه حسن جميل فلو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد فدعوتهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إني أخشى عليهم أهل نجد فقال أبو براء أنا لهم جار فابعثهم فليدعوا الناس إلى أمرك فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) المنذر بن عمرو أخا بني ساعدة في سبعين رجلا من خيار المسلمين منهم الحارث بن الصمة وحرام بن ملحان وعروة بن أسماء بن صلت السلمي ونافع بن بديل بن ورقاء الخزاعي وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر وذلك في صفر سنة أربع من الهجرة على رأس أربعة أشهر من أحد فساروا حتى نزلوا بئر معونة فلما نزلوا قال بعضهم لبعض أيكم يبلغ رسالة رسول الله أهل هذه الماء فقال حرام بن ملحان أنا فخرج بكتاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى عامر بن الطفيل فلما أتاهم لم ينظر عامر في كتاب رسول الله فقال حرام يا أهل بئر معونة أني رسول رسول الله إليكم وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ف آمنوا بالله تعالى ورسوله فخرج إليه رجل من كسر البيت برمح فضرب به في جنبه حتى خرج من الشق الآخر فقال الله أكبر فزت ورب الكعبة ثم استصرخ عامر بن الطفيل بني عامر على المسلمين فأبوا أن يجيبوه إلى ما دعاهم إليه وقالوا لن نخفر أبا براء قد عقد لهم عقدا وجوارا فاستصرخ عليهم قبائل من بني سليم عصية ورعلا وذكوانا فأجابوه إلى ذلك فخرجوا حتى غشوا القوم فأحاطوا بهم في رحالهم فلما رأوهم أخذوا السيوف فقاتلوهم حتى قتلوا عن آخرهم إلا كعب بن زيد فإنهم تركوه وبه رمق فارتث بين القتلى فعاش حتى قتل يوم الخندق وكان في سرح القوم عمرو بن أمية الضمري ورجل من الأنصار أحد بني عمرو بن عوف فلم ينبئهما بمصاب أصحابهما إلا الطير يحوم حول العسكر فقالوا والله إن لهذا الطير لشأنا فأقبلا لينظرا إليه فإذا القوم في دمائهم وإذا الخيل التي أصابتهم واقفة فقال الأنصاري لعمرو بن أمية ما ذا ترى قال أرى أن نلحق برسول الله فنخبره الخبر فقال الأنصاري لكني ما كنت لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو ثم قاتل القوم حتى قتل وأخذوا عمرو بن أمية أسيرا فلما أخبرهم أنه من ضمر أطلقه عامر بن الطفيل وجز ناصيته وأعتقه عن رقبة زعم أنها كانت على أبيه فقدم عمرو بن أمية على رسول الله وأخبره الخبر فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) هذا عمل أبي براء وقد كنت لهذا كارها متخوفا فبلغ ذلك أبا براء فشق عليه إخفار عامر إياه وما أصاب رسول الله بسببه فقال حسان بن ثابت يحرض أبا براء على عامر بن الطفيل:

 

بني أم البنيـن ألم يرعكـم

وأنتم من ذوائب أهل نجـد

تهكـم عامـر بأبي بـراء

ليخفـره ومـا خطأ كعـمد

ألا أبلغ ربيـعة ذا المساعي

فما أحدثت في الحدثان بعدي

أبوك أبو الحـروب أبو براء

 

وخالك ماجد حكم بن سعد وقال كعب بن مالك:

 

لقد طارت شعاعا كل وجه

خفارة ما أجـار أبو براء

بني أم البنين أما سمعتـم

دعاء المستغيث مع النساء

وتنوية الصريخ بلى ولكن

 

عرفتم أنه صدق اللقاء فلما بلغ ربيعة بن أبي براء قول حسان وقول كعب حمل على عامر بن الطفيل وطعنه فخر عن فرسه فقال هذا عمل أبي براء إن مت فدمي لعمي ولا يتبعن سواي وإن عشت فسأرى فيه رأيي قال فأنزل الله في شهداء بئر معونة قرآنا بلغوا قومنا عنا بأنا قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه ثم نسخت ورفعت بعد ما قرأناها وأنزل الله تعالى ﴿ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله﴾ الآية.