سبب نزول الآيات رقم (1-2-3) من سورة الإسراء

 

﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ / وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً / ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا﴾

 

النزول:

قيل نزلت الآية في إسرائه وكان ذلك بمكة صلى المغرب في المسجد الحرام ثم أسري به في ليلته ثم رجع فصلى الصبح في المسجد الحرام فأما الموضع الذي أسري إليه أين كان فإن الإسراء إلى بيت المقدس وقد نطق به القرآن ولا يدفعه مسلم وما قاله بعضهم إن ذلك كان في النوم فظاهر البطلان إذ لا معجز يكون فيه ولا برهان وقد وردت روايات كثيرة في قصة المعراج في عروج نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى السماء ورواه كثير من الصحابة مثل ابن عباس وابن مسعود وأنس وجابر بن عبد الله وحذيفة وعائشة وأم هاني وغيرهم عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وزاد بعضهم ونقص بعض وتنقسم جملتها إلى أربعة أوجه (أحدها) ما يقطع على صحته لتواتر الأخبار به وإحاطة العلم بصحته (وثانيها) ما ورد في ذلك مما تجوزه العقول ولا تأباه الأصول فنحن نجوزه ثم نقطع على أن ذلك كان في يقظته دون منامه (وثالثها) ما يكون ظاهره مخالفا لبعض الأصول إلا أنه يمكن تأويلها على وجه يوافق المعقول فالأولى أن ناوله على ما يطابق الحق والدليل (ورابعها) ما لا يصح ظاهره ولا يمكن تأويله إلا على التعسف البعيد فالأولى أن لا نقبله فأما الأول المقطوع به فهو أنه أسري به على الجملة وأما الثاني فمنه ما روي أنه طاف في السماوات ورأى قوما في الجنة يتنعمون فيها وقوما في النار يعذبون فيها فيحمل على أنه رأى صفتهم أو أسماءهم (وأما) الرابع فنحو ما روي أنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) كلم الله سبحانه جهرة ورآه وقعد معه على سريره ونحو ذلك مما يوجب ظاهره التشبيه والله سبحانه يتقدس عن ذلك وكذلك ما روي أنه شق بطنه وغسله لأنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان طاهرا مطهرا من كل سوء وعيب وكيف يطهر القلب وما فيه من الاعتقاد بالماء فمن جملة الأخبار الواردة في قصة المعراج ما روي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال أتاني جبرائيل (عليه السلام) وأنا بمكة فقال قم يا محمد فقمت معه وخرجت إلى الباب فإذا جبرائيل ومعه ميكائيل وإسرافيل فأتى جبرائيل (عليهما السلام) بالبراق وكان فوق الحمار ودون البغل خده كخد الإنسان وذنبه كذنب البقر وعرفه كعرف الفرس وقوائمه كقوائم الإبل عليه رحل من الجنة وله جناحان من فخذيه خطوة منتهى طرفه فقال اركب فركبت ومضيت حتى انتهيت إلى بيت المقدس ثم ساق الحديث إلى أن قال فلما انتهيت إلى بيت المقدس إذا ملائكة نزلت من السماء بالبشارة والكرامة من عند رب العزة وصليت في بيت المقدس وفي بعضها بشر لي إبراهيم في رهط من الأنبياء ثم وصف موسى وعيسى ثم أخذ جبرائيل (عليه السلام) بيدي إلى الصخرة فأقعدني عليها فإذا معراج إلى السماء لم أر مثلها حسنا وجمالا فصعدت إلى السماء الدنيا ورأيت عجائبها وملكوتها وملائكتها يسلمون علي ثم صعد بي جبرائيل إلى السماء الثانية فرأيت فيها عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فرأيت فيها يوسف ثم صعد بي إلى السماء الرابعة فرأيت فيها إدريس ثم صعد به إلى السماء الخامسة فرأيت فيها هارون ثم صعد بي إلى السماء السادسة فإذا فيها خلق كثير يموج بعضهم في بعض وفيها الكروبيون ثم صعد بي إلى السابعة فأبصرت فيها خلقا وملائكة وفي حديث أبي هريرة رأيت في السماء السادسة موسى ورأيت في السماء السابعة إبراهيم (عليه السلام) قال ثم جاوزناها متصاعدين إلى أعلى عليين ووصف ذلك إلى أن قال ثم كلمني ربي وكلمته ورأيت الجنة والنار ورأيت العرش وسدرة المنتهى ثم رجعت إلى مكة فلما أصبحت حدثت به بالناس فكذبني أبو جهل والمشركون وقال مطعم بن عدي أتزعم أنك سرت مسيرة شهرين في ساعة أشهد أنك كاذب قالوا ثم قالت قريش أخبرنا عما رأيت فقال مررت بعير بني فلان وقد أضلوا بعيرا لهم وهم في طلبه وفي رحلهم قعب مملوء من ماء فشربت الماء ثم غطيته كما كان فسألوهم هل وجدوا الماء في القدح قالوا هذه آية واحدة قال ومررت بعير بني فلان فنفرت بكرة فلان فانكسرت يدها فسألوهم عن ذلك فقالوا هذه آية أخرى قالوا فأخبرنا عن عيرنا قال مررت بها بالتنعيم وبين لهم إجمالها وهيئاتها وقال تقدمها جمل أورق عليه قرارتان محيطتان ويطلع عليكم عند طلوع الشمس قالوا هذه آية أخرى ثم خرجوا يشتدون نحو التيه وهم يقولون لقد قضى محمد بيننا وبينه قضاء بينا وجلسوا ينتظرون متى تطلع الشمس فيكذبوه فقال قائل والله إن الشمس قد طلعت وقال آخر والله هذه الإبل قد طلعت يقدمها بعير أورق فبهتوا ولم يؤمنوا وفي تفسير العياشي بالإسناد عن أبي بكر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لما أسري برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى السماء الدنيا لم يمر بأحد من الملائكة إلا استبشر قال ثم مر بملك حزين كئيب فلم يستبشر به فقال يا جبرائيل ما مررت بأحد من الملائكة إلا استبشر بي إلا هذا الملك فمن هذا فقال هذا مالك خازن جهنم وهكذا جعله الله قال فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يا جبرائيل اسأله أن يرينيها قال فقال جبرائيل (عليه السلام) يا مالك هذا محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وقد شكا إلي فقال ما مررت بأحد من الملائكة إلا استبشر بي إلا هذا فأخبرته أن هكذا جعله الله وقد سألني أن أسألك أن تريه جهنم قال فكشف له عن طبق من أطباقها قال فما رئي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ضاحكا حتى قبض وعن أبي بصير قال سمعته يقول إن جبرائيل احتمل رسول الله حتى انتهى به إلى مكان من السماء ثم تركه وقال له ما وطأ نبي قط مكانك.