سبب نزول الآيات من رقم (1) إلى رقم (23) من سورة عبس

 

﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى / أَن جَاءهُ الْأَعْمَى / وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى / أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى / أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى / فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى / وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى / وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى / وَهُوَ يَخْشَى / فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى / كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ / فَمَن شَاء ذَكَرَهُ / فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ / مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ / بِأَيْدِي سَفَرَةٍ / كِرَامٍ بَرَرَةٍ / قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ / مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ / مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ / ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ / ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ / ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ / كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ﴾

 

النزول:

قيل نزلت الآيات في عبد الله بن أم مكتوم وهو عبد الله بن شريح بن مالك بن ربيعة الفهري من بني عامر بن لؤي وذلك أنه أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب وأبيا وأمية ابني خلف يدعوهم إلى الله ويرجو إسلامهم فقال يا رسول الله أقرئني وعلمني مما علمك الله فجعل يناديه ويكرر النداء ولا يدري أنه مشتغل مقبل على غيره حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لقطعه كلامه وقال في نفسه يقول هؤلاء الصناديد إنما أتباعه العميان والعبيد فأعرض عنه وأقبل على القوم الذين يكلمهم فنزلت الآيات وكان رسول الله بعد ذلك يكرمه وإذا رآه قال مرحبا بمن عاتبني فيه ربي ويقول له هل لك من حاجة واستخلفه على المدينة مرتين في غزوتين وقال أنس بن مالك فرأيته يوم القادسية وعليه درع ومعه راية سوداء قال المرتضى علم الهدى قدس الله روحه ليس في ظاهر الآية دلالة على توجهها إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بل هو خبر محض لم يصرح بالمخبر عنه وفيها ما يدل على أن المعنى بها غيره لأن العبوس ليس من صفات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع الأعداء المباينين فضلا عن المؤمنين والمسترشدين ثم الوصف بأنه يتصدى للأغنياء ويتلهى عن الفقراء لا يشبه أخلاقه الكريمة ويؤيد هذا القول قوله سبحانه في وصفه (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنك لعلى خلق عظيم وقوله ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فالظاهر أن قوله ﴿عبس وتولى﴾ المراد به غيره وقد روي عن الصادق (عليه السلام) أنها نزلت في رجل من بني أمية كان عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فجاء ابن أم مكتوم فلما رآه تقذر منه وجمع نفسه وعبس وأعرض بوجهه عنه فحكى الله سبحانه ذلك وأنكره عليه فإن قيل فلو صح الخبر الأول هل يكون العبوس ذنبا أم لا فالجواب أن العبوس والانبساط مع الأعمى سواء إذ لا يشق عليه ذلك فلا يكون ذنبا فيجوز أن يكون عاتب الله سبحانه بذلك نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ليأخذه بأوفر محاسن الأخلاق وينبهه بذلك على عظم حال المؤمن المسترشد ويعرفه أن تأليف المؤمن ليقيم على إيمانه أولى من تأليف المشرك طمعا في إيمانه وقال الجبائي في هذا دلالة على أن الفعل يكون معصية فيما بعد لمكان النهي فأما في الماضي فلا يدل على أنه كان معصية قبل أن ينهى عنه والله سبحانه لم ينهه إلا في هذا الوقت وقيل أن ما فعله الأعمى نوعا من سوء الأدب فحسن تأديبه بالإعراض عنه إلا أنه كان يجوز أن يتوهم أنه أعرض عنه لفقره وأقبل عليهم لرياستهم تعظيما لهم فعاتبه الله سبحانه على ذلك وروي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا رأى عبد الله بن أم مكتوم قال مرحبا مرحبا لا والله لا يعاتبني الله فيك أبدا وكان يصنع به من اللطف حتى كان يكف عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مما يفعل به.