معنى قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ﴾

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى﴾(1) ما هي هذه الأيام التي قصدها القرآن في الآية المباركة؟ وما معنى: ﴿فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ﴾؟

 

الجواب:

1- المقصودُ من الأيَّام المعدودات في الآية المباركة هي أيامُ التشريق من ذي الحجَّة، وهي اليوم الحادي عشر إلى اليوم الثالث عشر.

 

وقد دلَّت على ذلك رواياتٌ عديدةٌ عن أهل البيت (ع).

 

منها: معتبرة منصور بن حازم، عن أبي عبد الله (ع) في قول الله عزَّ وجل: ﴿وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ﴾ قال: هي أيامُ التشريق كانوا إذا قاموا بمنى بعد النحر تفاخروا، فقال الرجلُ منهم: كان أبي يفعلُ كذا وكذا .."(2).

 

منها: معتبرة محمد بن مسلم قال: سألتُ أبا عبد الله (ع) عن قول الله عز وجل: ﴿وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ﴾؟ قال: التكبير في أيام التشريق"(3).

 

ومنها: ما رواه العياشي عن حمَّاد بن عيسى قال: سمعتُ أبا عبد الله (ع) يقول: قال عليٌّ (ع): في قول الله ﴿وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ﴾ قال: أيام التشريق"(4).

 

وروى العياشي أيضاً عن محمَّد بن مسلم قال: سألتُ أبا عبد الله (ع) عن قول الله ﴿وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ﴾ قال: التكبير في أيام التشريق في دبر الصلاة"(5).

 

كيفية التكبير أيَّام التشريق:

وأمَّا كيفية التكبير في أيَّام التشريق فهي كما أفاد الإمامُ الصادق (ع) في معتبرة منصور بن حازم قال: والتكبير: الله أكبرُ الله أكبرُ، لا إله إلا الله، والله أكبرُ الله أكبرُ، ولله الحمد، اللهُ أكبرُ على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا مِن بهيمة الأنعام"(6).

 

وفي معتبرة معاوية بن عمَّار عن أبي عبدالله (ع) قال: والتكبير أنْ تقول: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر والله أكبر على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام، والحمد لله على ما أبلانا"(7). وثمة كيفيَّات أخرى ذُكرت في بعض الروايات تختلفُ شيئاً ما عن ما ورد في الكيفيتين.

 

معنى: ﴿فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ﴾:

وأما المرادُ من قوله تعالى: ﴿فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ فأفاد المفسِّرون تبعاً للروايات الورادة عن أهل البيت (ع) أنَّ من تعجَّل فكان نفْرُه من منى بعد يومين من يوم النحر فلا إثمَ عليه، ومن تأخَّر فجعل نفْرَه من منى يوم الثالث عشر من ذي الحجَّة فلا إثم عليه، فمفادُ الآية هو أنَّ للمكلَّف الحاج أنْ ينفرَ من منى في اليوم الثاني عشر، وله أنْ ينفرَ في اليوم الثالث عشر، فهو في سعةٍ من جهة اختيار أحد اليومين للنفر، فلو اختار اليوم الثاني عشر فهو ممَّن تعجَّل ولا بأس عليه في ذلك، ولو اختار اليوم الثالث عشر فهو ممَّن تأخَّر ولا بأس عليه في ذلك.

 

فممَّا وردَ في هذا المعنى ما رواه الكليني بسندٍ معتبرٍ عن أبي أيُّوب قال: قلتُ لأبي عبد الله (ع): إنَّا نُريد أن نتعجَّل السير وكانت ليلة النفر حين سألتُه فأيُّ ساعةٍ ننفر؟ فقال لي: أما اليوم الثاني فلا تنفر حتى تزولَ الشمس وكانت ليلة النفر، وأمَّا اليوم الثالث فإذا ابيضت الشمس فانفر على بركة الله فإنَّ الله جل ثناؤه يقول: ﴿فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ فلو سكت لم يبق أحد إلا تعجَّل ولكنَّه قال: ﴿وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾(8).

 

وكذلك روى الكليني بسنده عن إسماعيل بن نجيح الرماح قال: كنَّا عند أبي عبد الله (ع) بمنى ليلةً من الليالي فقال: ما يقولُ هؤلاء في ﴿فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾؟ قلنا: ما ندري، قال: بلى يقولون: من تعجَّل من أهل البادية فلا إثم عليه ومن تأخَّر من أهل الحضر فلا إثم عليه، وليس كما يقولون قال الله جل ثناؤه: ﴿فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى﴾(9).

 

ثم إنَّ النفي في قوله تعالى ﴿فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ هل هو متعلِّق بالتعجيل والتأخير فيكون مفاد الآية أنَّه لا إثم في التعجيل ولا إثم في التأخير أو أنَّ النفي في الآية المباركة نفي لجنس الإثم عن الحاج، فيكون محصَّل المراد من قوله: ﴿فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ هو أنَّ الحاج يرجع مغفوراً له لا ذنب عليه سواءً تعجَّل في نفره أو تأخَّر فهو في كلا الحالين يرجع ولا ذنب له ولا إثم عليه وهذا المعنى هو المستفاد من بعض ما رُوي عن أهل البيت (ع).

 

فمن ذلك ما رواه الشيخ الصدوق قال: وسُئل الصادق (ع) "عن قول الله عزَّ وجل ﴿فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ قال: ليس هو على أن ذلك واسع إنْ شاء صنع ذا وإن شاء صنع ذا، لكنَّه يرجع مغفوراً له لا إثم عليه ولا ذنب له"(10).

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- سورة البقرة / 203.

2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج7 / ص459.

3- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج7 / ص458.

4- تفسير العياشي -محمد بن مسعود العياشي- ج1 / ص99.

5- تفسير العياشي -محمد بن مسعود العياشي- ج1 / ص99.

6- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج7 / ص459.

7- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 7 / ص459.

8- الكافي -الشيخ الكليني- ج4 / ص520.

9- الكافي -الشيخ الكليني- ج4 / ص523.

10- من لا يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق- ج2 / ص482.