تربويات سورة الناس

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ / مَلِكِ النَّاسِ / إِلَهِ النَّاسِ / مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ / الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ / مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ﴾

 

من الواضح أن السورة تريد تربية الجانب الروحاني والعقائدي المتمثل في العلاقة بالله تعالى من خلال اللجوء إليه، وقطع السبل عن اللجوء إلى غيره وذلك على أساس أنه تعالى هو المهيمن على كل ما يتصور أنه يمكن أن يتدخل في التأثير على واقع الأشياء والأفعال، سواءا كان من الناس، لأنهم يمثلون أول ما يتصور الإنسان تأثيره عليه وفيه، لشدة ألفته لتلك المظاهر المادية التي يتحرك الناس في أجواها، وسواءا كان من أربابهم التي يختلقونها، ويتصورون أنها هي التي يمكن أن تدبر الأمور، وسواءا كان من ملوكهم لما للملوك من سلطة ظاهرية لدى البشر، على أساس أنهم يملكون من الإمكانيات الهائلة والقوات القاهرة ما يمكن أن يؤثر في الأشياء، ويغير من الواقع، وكذلك آلهتهم التي قد يتصورون أنها هي التي ينبغي أن تعبد ويؤله إليها، ويتحير فيها، لعقيدتهم بها.

 

إن هذه السورة أي سورة الناس تربي الناس على أن يتثقفوا بثقافة أن المدبر للناس الذين نتصور أن بيدهم التدبير هو الله، وأن الملك لهم هو الله، وأن الإله لهم هو الله، الأمر الذي يعني أن مقاليد الأمور كل الأمور التي يتصور أن تؤثر إنما هي بيده، لذلك كان من المحتوم اللجوء إليه، وقطع السبل عن غيره.

 

والمهم في المسألة بشكل ملفت، هو أن الأشياء الخفية التي تمثل قوى لا يتمكن الناس بكل قدراتهم من مواجهتها ومن التغلب عليها، ينبغي لهم فيها أن يلجئوا إلى الله تعالى، فإذا كان الأمر كذلك في القوى الخارقة غير المرئية فالأمر إذن أوضح في القوى المرئية.

 

وهذا السبك بنفسه برهان على لزوم اللجوء والاعتصام بالله تعالى، لأن الاعتصام إنما يكون على أساس أن المعتصم (بالفتح) به قادر على أن يلبي حاجات المعتصم (بالكسر)، فكل ما يتصوره المعتصم من قدرات وإمكانيات لدى غير الله تعالى يمكن لها أن تعصمه عندما يستعصم بها، فإنه تعالى رب هذه الإمكانيات وأصحابها، وملكها وإلهها.