معنى قوله تعالى: ﴿وَهَمَّ بِهَا﴾

المسألة:

في سورة يوسُف الآية رقم (24) قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾(1)، ﴿هَمَّتْ بِهِ﴾: كما هو معلوم من سياق الآية أرادت فعل الفاحشة ﴿وَهَمَّ بِهَا﴾: كما قِيل وعلى تفاسير مختلفة أراد فعل المعصية.

 

السؤال: هل من المعقول أنَّ النَّبيَّ يوسف (ع) لو لم يرَ برهان ربِّه لفعل المعصية؟ اذن أين هي العصمة؟!

 

الجواب:

الأنبياءُ نظرًا لعصمتِهم لا يقعونَ في المعصية ولا يهمُّون بها وإنْ كانوا قادرين على ارتكابِها فيكون تركُهم لها عن اختيار، فهم غيرُ مقسورين على الطَّاعة، ولذلك فهم يستحقّون المدح والثّناء على تعفُّفهم عن ارتكاب المعصية، ولو كانوا مقسورين على الطَّاعةِ وتركِ المعصية لما استحقُّوا الثَّناءَ والإطراء.

 

والآيةُ المباركة لا تُنافي ما ذكرناه من أنَّ الأنبياء لا يهمُّون بمعصيةٍ فضلاً عن ارتكابِها وذلك لأنّ معنى قوله تعالى: ﴿وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾(2)، أنّه لولا أنْ رأى برهان ربِّه لهمّ بها فهو لم يكن قد همَّ بها لأنّه رأى برهانَ ربِّه.

 

فكلمةُ لولا -كما يَذكُر النُّحاةُ- تُفيد معنى الامتناع لوجود، أيْ امتناع وقوعِ شيءٍ لوجودِ شيء، فالهمُّ بالمعصية قد امتنعَ وجودُه أي لم يتحقق منه الهمُّ بالمعصية وذلك لرُؤيتِه برهان ربِّه، فوجودُ رؤيتِه لبرهان ربِّه منع يوسُف عن أنْ يَهمَّ بالمعصية.

 

فمساقُ الآية هو مساقُ قولنا: " لولا هدايةُ الله لكُنَّا من الضَّالين"، أي أنَّ الضلال قد امتنعَ وجودُه فينا وذلك لوجود الهداية الإلهيَّة، فـ "لولا" أفادت امتناع الضَّلال لوجود الهداية الإلهيَّة.

 

وهكذا حينما يُقال: "لولا زيدٌ لغرق خالد"، فغرقُ خالدٍ لم يتحقّق وذلك لوجود زيد.

 

وهذا المعنى الذي ذكرناه للآية المباركة أفاده الإمام الرضا (ع) حينما سُئل عن معنى قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾، قال (ع): "لقد همَّت به ولولا أنْ رأى برهان ربِّه لهمَّ بها كما همَّت به لكنَّه كان معصوماً ولا يهمُّ بذنبٍ ولا يأتيه .."(3).

 

والحمد لله رب العالمين

 

من كتاب: شؤون قرآنية

الشيخ محمد صنقور


1- سورة يوسف / 24.

2- سورة يوسف / 24.

3- عيون أخبار الرضا (ع) -الشيخ الصدوق- ج2 / ص179.