كبر:

 

الكبير والصغير من الأسماء المتضايفة التي تقال عند اعتبار بعضها ببعض، فالشئ قد يكون صغيرا في جنب شئ وكبيرا في جنب غيره، ويستعملان في الكمية المتصلة كالأجسام وذلك كالكثير والقليل، وفى الكمية المنفصلة كالعدد، وربما يتعاقب الكثير والكبير على شئ واحد بنظرين مختلفين نحو: ﴿قل فيهما إثم كبير﴾ وكثير، قرئ بهما وأصل ذلك أن يستعمل في الأعيان ثم استعير للمعاني نحو قوله: ﴿لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها﴾ وقوله ﴿ولا أصغر من ذلك ولا أكبر﴾ وقوله ﴿يوم الحج الأكبر﴾ إنما وصفه بالأكبر تنبيها أن العمرة هي الحجة الصغرى كما قال صلى الله عليه وسلم " العمرة هي الحج الأصغر " فمن ذلك ما اعتبر فيه الزمان فيقال فلان كبير أي مسن نحو قوله: ﴿إما يبلغن عندك الكبر أحدهما﴾ وقال: ﴿وأصابه الكبر - وقد بلغني الكبر﴾ ومنه ما اعتبر فيه المنزلة والرفعة نحو ﴿قل أي شئ أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم﴾ ونحو ﴿الكبير المتعال﴾ وقوله: ﴿فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم﴾ فسماه كبيرا بحسب اعتقادهم فيه لا لقدر ورفعة له على الحقيقة، وعلى ذلك قوله: ﴿بل فعله كبيرهم هذا﴾ وقوله: ﴿وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها﴾ أي رؤساءها وقوله: ﴿إنه لكبيركم الذي علمكم السحر﴾ أي رئيسكم ومن هذا النحو يقال ورثه كابرا عن كابر، أي أبا كبير القدر عن أب مثله.

 

والكبيرة متعارفة في كل ذنب تعظم عقوبته والجمع الكبائر، قال ﴿الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم﴾ وقال: ﴿إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه﴾ قيل أريد به الشرك لقوله: ﴿إن الشرك لظلم عظيم﴾ وقيل هي الشرك وسائر المعاصي الموبقة كالزنا وقتل النفس المحرمة ولذلك قال ﴿إن قتلهم كان خطأ كبيرا﴾ وقال: ﴿قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما﴾ وتستعمل الكبيرة فيما يشق ويصعب نحو ﴿وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين﴾، وقال: ﴿كبر على المشركين ما تدعوهم إليه﴾ وقال ﴿وإن كان كبر عليك إعراضهم﴾ وقوله ﴿كبرت كلمة﴾ ففيه تنبيه على عظم ذلك من بين الذنوب وعظم عقوبته ولذلك قال ﴿كبر مقتا عند الله﴾ وقوله ﴿والذي تولى كبره﴾ إشارة إلى من أوقع حديث الإفك.

 

وتنبيها أن كل من سن سنة قبيحة يصير مقتدى به فذنبه أكبر.

 

وقوله: ﴿إلا كبر ما هم ببالغيه﴾ أي تكبر وقيل أمر كبير من السن كقوله ﴿والذي تولى كبره﴾ والكبر والتكبر والاستكبار تتقارب، فالكبر الحالة التي يتخصص بها الانسان من إعجابه بنفسه وذلك أن يرى الانسان نفسه أكبر من غيره.

 

وأعظم التكبر التكبر على الله بالامتناع من قبول الحق والاذعان له بالعبادة.

 

والاستكبار يقال على وجهين، أحدهما: أن يتحرى الانسان ويطلب أن يصير كبيرا وذلك متى كان على ما يجب وفى المكان الذي يجب وفى الوقت الذي يجب فمحمود، والثاني: أن يتشبع فيظهر من نفسه ما ليس له وهذا هو المذموم وعلى هذا ما ورد في القرآن.

 

وهو ما قال تعالى: ﴿أبى واستكبر﴾.

 

وقال تعالى ﴿أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم﴾، وقال ﴿وأصروا واستكبروا استكبارا - استكبارا في الأرض - فاستكبروا في الأرض - يستكبرون في الأرض بغير الحق﴾ وقال ﴿إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء - قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون﴾ وقوله ﴿فيقول الضعفاء للذين استكبروا﴾ قابل المستكبرين بالضعفاء تنبيها أن استكبارهم كان بما لهم من القوة من البدن والمال ﴿قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا﴾ فقابل المستكبرين بالمستضعفين ﴿فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين﴾ نبه بقوله فاستكبروا على تكبرهم وإعجابهم بأنفسهم وتعظمهم عن الاصغاء إليه، ونبه بقوله: ﴿وكانوا قوما مجرمين﴾ أن الذي حملهم على ذلك هو ما تقدم من جرمهم وأن ذلك لم يكن شيئا حدث منهم بل كان ذلك دأبهم قبل.

 

وقال تعالى: ﴿فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون﴾ وقال بعده: ﴿إنه لا يحب المستكبرين﴾ والتكبر يقال على وجهين، أحدهما: أن تكون الأفعال الحسنة كثيرة في الحقيقة وزائدة على محاسن غيره وعلى هذا وصف الله تعالى بالتكبر.

 

قال: ﴿العزيز الجبار المتكبر﴾.

 

والثاني: أن يكون متكلفا لذلك متشبعا وذلك في وصف عامة الناس نحو قوله ﴿فبئس مثوى المتكبرين﴾، وقوله: ﴿كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار﴾ ومن وصف بالتكبر على الوجه الأول فمحمود، ومن وصف به على الوجه الثاني فمذموم، ويدل على أنه قد يصح أن يوصف الانسان بذلك ولا يكون مذموما، قوله: ﴿سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق﴾ فجعل متكبرين بغير الحق، وقال ﴿على كل قلب متكبر جبار﴾ بإضافة القلب إلى المتكبر.

 

ومن قرأ بالتنوين جعل المتكبر صفة للقلب، والكبرياء الترفع عن الانقياد وذلك لا يستحقه غير الله فقال: ﴿وله الكبرياء في السماوات والأرض﴾ ولما قلنا روى عنه صلى الله عليه وسلم يقول عن الله تعالى " الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني في واحد منهما قصمته " وقال تعالى: ﴿قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض﴾، وأكبرت الشئ رأيته كبيرا، قال: ﴿فلما رأينه أكبرنه﴾ والتكبير يقال لذلك ولتعظيم الله تعالى بقولهم الله أكبر ولعبادته واستشعار تعظيمه وعلى ذلك ﴿ولتكبروا الله على ما هداكم - وكبره تكبيرا﴾، وقوله: ﴿لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ فهي إشارة إلى ما خصهما الله تعالى به من عجائب صنعه وحكمته التي لا يعلمها إلا قليل ممن وصفهم بقوله ﴿ويتفكرون في خلق السماوات والأرض﴾ فأما عظم جثتهما فأكثرهم يعلمونه.

 

وقوله ﴿يوم نبطش البطشة الكبرى﴾ فتنبيه أن كل ما ينال الكافر من العذاب قبل ذلك في الدنيا وفى البرزخ صغير في جنب عذاب ذلك اليوم.

 

والكبار أبلغ من الكبير، والكبار أبلغ من ذلك، قال: ﴿ومكروا ومكرا كبارا﴾.