منن:

المن ما يوزن به، يقال من ومنان وأمنان وربما أبدل من إحدى النونين ألف فقيل منا وأمناء، ويقال لما يقدر ممنون كما يقال موزون، والمنة النعمة الثقيلة ويقال ذلك على وجهين: أحدهما: أن يكون ذلك بالفعل فيقال من فلان على فلان إذا أثقله بالنعمة وعلى ذلك قوله: ﴿لقد من الله على المؤمنين - كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم - ولقد مننا على موسى وهارون - يمن على من يشاء - ونريد أن نمن على الذين استضعفوا﴾ وذلك على الحقيقة لا يكون إلا لله تعالى.

والثاني: أن يكون ذلك بالقول وذلك مستقبح فيما بين الناس إلا عند كفران النعمة، ولقبح ذلك قيل المنة تهدم الصنيعة، ولحسن ذكرها عند الكفران قيل إذا كفرت النعمة حسنت المنة.

وقوله: ﴿يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا على إسلامكم﴾ فالمنة منهم بالقول ومنة الله عليهم بالفعل وهو هدايته إياهم كما ذكر، وقوله: ﴿فإما منا بعد وإما فداء﴾ فالمن إشارة إلى الاطلاق بلا عوض.

وقوله: ﴿هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب﴾ أي أنفقه وقوله: ﴿ولا تمنن تستكثر﴾ فقد قيل هو المنة بالقول وذلك أن يمتن به ويستكثره، وقيل معناه لا تعط مبتغيا به أكثر منه، وقوله: ﴿لهم أجر غير ممنون﴾ قيل غير معدود كما قال: ﴿بغير حساب﴾ وقيل غير مقطوع ولا منقوص.

ومنه قيل المنون للمنية لأنها تنقص العدد وتقطع المدد.

وقيل إن المنة التي بالقول هي من هذا لأنها تقطع النعمة وتقتضي قطع الشكر، وأما المن في قوله: ﴿وأنزلنا عليكم المن والسلوى﴾ فقد قيل المن شئ كالطل فيه حلاوة يسقط على الشجر، والسلوى طائر وقيل المن والسلوى كلاهما إشارة إلى ما أنعم الله به عليهم وهما بالذات شئ واحد لكن سماه منا بحيث أنه امتن به عليهم، وسماه سلوى من حيث أنه كان لهم به التسلي.

ومن عبارة عن الناطقين ولا يعبر به عن غير الناطقين إلا إذا جمع بينهم وبين غيرهم كقولك: رأيت من في الدار من الناس والبهائم، أو يكون تفصيلا لجملة يدخل فيهم الناطقون كقوله تعالى: ﴿فمنهم من يمشى﴾ الآية ولا يعبر به عن غير الناطقين إذا انفرد ولهذا قال بعض المحدثين في صفة أغنام نفى عنهم الانسانية: تخطئ إذا جئت في استفهامها بمن تنبيها أنهم حيوان أو دون الحيوان.

ويعبر به عن الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، قال: ﴿ومنهم من يستمع﴾ وفى أخرى ﴿من يستمعون إليك﴾ وقال: ﴿ومن يقنت منكن لله﴾.

ومن لابتداء الغاية وللتبعيض وللتبيين: وتكون لاستغراق الجنس في النفي والاستفهام نحو ﴿فما منكم من أحد﴾ والبدل نحو خذ هذا من ذلك أي بدله: ﴿إني أسكنت من ذريتي بواد﴾ فمن اقتضى التبعيض فإنه كان نزل فيه بعض ذريته، وقوله: ﴿من السماء من جبال فيها من برد﴾ قال: تقديره أنه ينزل من السماء جبالا، فمن الأولى ظرف والثانية في موضع المفعول والثالثة للتبيين كقولك: عنده جبال من مال.

وقيل يحتمل أن يكون قوله من جبال نصبا على الظرف على أنه ينزل منه، وقوله: ﴿من برد﴾ نصب أي ينزل من السماء من جبال فيها بردا، وقيل يصح أن يكون موضع من في قوله " من برد " رفعا، و " من جبال " نصبا على أنه مفعول به، كأنه في التقدير وينزل من السماء جبالا فيها برد ويكون الجبال على هذا تعظيما وتكثيرا لما نزل من السماء.

وقوله: ﴿فكلوا مما أمسكن عليكم﴾ قال أبو الحسن: من زائدة، والصحيح أن تلك ليست بزائدة لان بعض ما يمسكن لا يجوز أكله كالدم والغدد وما فيها من القاذورات المنهي عن تناولها.