متى:

 

متى سؤال عن الوقت، قال تعالى: ﴿متى هذا الوعد - ومتى هذا الفتح﴾ وحكى أن هذيلا تقول جعلته متى كمي أي وسط كمي وأنشدوا لأبي ذؤيب: شربن بماء البحر ثم ترفعت * متى لجج خضر لهن نئيج مثل: أصل المثول الانتصاب، والممثل المصور على مثال غيره، يقال مثل الشئ أي انتصب وتصور ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: " من أحب أن يمثل له الرجال فليتبوأ مقعده من النار " والتمثال الشئ المصور وتمثل كذا تصور، قال تعالى: ﴿فتمثل لها بشرا سويا﴾ والمثل عبارة عن قول في شئ يشبه قولا في شئ آخر بينهما مشابهة ليبين أحدهما الاخر ويصوره نحو قولهم الصيف ضيعت اللبن، فإن هذا القول يشبه قولك أهملت وقت الامكان أمرك.

 

وعلى هذا الوجه ما ضرب الله تعالى من الأمثال فقال: ﴿وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون﴾ وفى أخرى ﴿وما يعقلها إلا العالمون﴾ والمثل يقال على وجهين أحدهما: بمعنى المثل نحو شبه وشبه ونقض ونقض، قال بعضهم.

 

وقد يعبر بهما عن وصف الشئ نحو قوله ﴿مثل الجنة التي وعد المتقون﴾ والثاني: عبارة عن المشابهة لغيره في معنى من المعاني أي معنى كان وهو أعم الألفاظ الموضوعة للمشابهة وذلك أن الند يقال فيما يشارك في الجوهر فقط، والشبه يقال فيما يشارك

 

في الكيفية فقط، والمساوي يقال فيما يشاركه في الكمية فقط، والشكل يقال فيما يشاركه في القدر والمساحة فقط، والمثل عام في جميع ذلك ولهذا لما أراد الله تعالى نفى التشبيه من كل وجه خصه بالذكر فقال: ﴿ليس كمثله شئ﴾ وأما الجمع بين الكاف والمثل فقد قيل ذلك لتأكيد النفي تنبيها على أنه لا يصح استعمال المثل ولا الكاف فنفى بليس الامرين جميعا.

 

وقيل المثل ههنا هو بمعنى الصفة ومعناه ليس كصفته صفة تنبيها على أنه وإن وصف بكثير مما يوصف به البشر فليس تلك الصفات له على حسب ما يستعمل في البشر، وقوله: ﴿للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى﴾ أي لهم الصفات الذميمة وله الصفات العلى.

 

وقد منع الله تعالى عن ضرب الأمثال بقوله: ﴿فلا تضربوا لله الأمثال﴾ ثم نبه أنه قد يضرب لنفسه المثل ولا يجوز لنا أن نقتدي به فقال: ﴿إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون﴾ ثم ضرب لنفسه مثلا فقال: ﴿ضرب الله مثلا عبدا مملوكا﴾ الآية، وفى هذا تنبيه أنه لا يجوز أن نصفه بصفة مما يوصف به البشر إلا بما وصف به نفسه، وقوله ﴿مثل الذين حملوا التوراة﴾ الآية، أي هم في جهلهم بمضمون حقائق التوراة كالحمار في جهله بما على ظهره من الاسفار، وقوله: ﴿واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث﴾ فإنه شبهه بملازمته واتباعه هواه، وقلة مزايلته له بالكلب الذي لا يزايل اللهث على جميع الأحوال.

 

وقوله: ﴿مثلهم كمثل الذي استوقد نارا﴾ الآية فإنه شبه من آتاه الله تعالى ضربا من الهداية والمعاون فأضاعه ولم يتوصل به إلى ما رشح له من نعيم الأبد بمن استوقد نارا في ظلمة، فلما أضاءت له ضيعها ونكس فعاد في الظلمة، وقوله: ﴿ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء﴾ فإنه قصد تشبيه المدعو بالغنم فأجمل وراعى مقابلة المعنى دون مقابلة الألفاظ وبسط الكلام مثل راعى الذين كفروا، والذين كفروا كمثل الذي ينعق بالغنم، ومثل الغنم التي لا تسمع إلا دعاء ونداء.

 

وعلى هذا النحو قوله ﴿مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة﴾ ومثله قوله ﴿مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر﴾ وعلى هذا النحو ما جاء من أمثاله.

 

والمثال مقابلة شئ بشئ هو نظيره أو وضع شئ ما ليحتذى به فيما يفعل، والمثلة نقمة تنزل بالانسان فيجعل مثالا يرتدع به غيره وذلك كالنكال، وجمعه مثلات ومثلات، وقد قرئ ﴿من قبلهم المثلات﴾ والمثلات بإسكان الثاء على التخفيف نحو: عضد وعضد، وقد أمثل السلطان فلانا إذا نكل به، والأمثل يعبر به عن الأشبه بالأفاضل والأقرب إلى الخير، وأماثل القوم كناية عن خيارهم، وعلى هذا قوله ﴿إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما﴾ وقال ﴿ويذهبا بطريقتكم المثلى﴾ أي الأشبه بالفضيلة، وهي تأنيث الأمثل.