غضُّ البصر وعواقبه المحمودة

﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾(1).

 

لعل من أعظم النعم الإلهية على الإنسان أن أنعم عليه بعد إيجاده من العدم، وبعد أن سلَّحه بالعقل أنعم عليه بنعمة البصر، هذه النعمة العظيمة التي بها يبصر ما حوله فيتفاعل معها، وبها يقرأ وبها يرى جمال صنع الله في هذا الكون، ويدخل على نفسه كل ألوان السرور النابعة من رؤية المناظر المناظر الطبيعيَّة وعجائب الكون، ولكن هذه العين قد تنقلب وتتحول من مصدر أنس وعلم ومتعة للإنسان إلى مصدر للشقاء والتعاسة في آخرته إذا لم يحسن استخدامها ضمن الحدود والضوابط التي وضعها له خالقه سبحانه وتعالى، ولذلك ورد عن أمير المؤمنين (ع) قوله: "كم من نظرة جلبت حسرة"، وكذلك ورد عنه (ع) قوله: "ليس في البدن شيء أقل شكرا من العين فلا تعطوها سؤلها فتشغلكم عن ذكر الله".

 

ولخطورة انزلاق العين إلى المحارم فقد جاء الأمر الإلهي ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ أن يغضوا أبصارهم عن كل ما هو محرّم عليهم، ولا يجعلوا للشيطان فرصة بأن يتسلسل إلى قلوبهم عن طريق هذه النظرة المحرمة، فللعين اتصال بالقلب، لأنَّ كل ما تلتقطه عدسة العين يترك صورته وأثره على النفس والقلب، وتبقى هذه الآثار لتتفاعل وتنفعل داخل النفس في أوقات خاصة وأجواء معينة فتوجه السلوك الإنساني نحو الهاوية، لأنَّ العين هي أحد أبواب حصن النفس، وفتح هذا الباب يفتح المجال لدخول كل الأطياف والألوان، وتتسرب كل الصور والأفكار فتثير مشاعر الإنسان. ولذلك جاء عن أمير المؤمنين (ع) قوله: "إذا أبصرت العين الشهوة عمي القلب عن العاقبة".

 

 وجاء عن الإمام الصادق (ع) قوله لأحد الأصحاب: يا ابن جندب، إن عيسى بن مريم (ع) قال لأصحابه: "إيّاكم والنظرة فإنها تزرع في القلب الشهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة، طوبى لمن جعل بصره في قلبه ولم يجعل بصره في عينه".

 

 ولأنَّ الله تعالى أراد لعباده الخير والصلاح فقد حذَّرهم من الوقوع في هذه المزالق التي هي صورة من صور الفجور، ودفعهم نحو التزام التقوى ليذوقوا حلاوة الإيمان ويفوزوا بالجنة والرضوان، ولذلك قال ﴿ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾ فهو الأطهر لقلوبهم وبصرهم وهو أحد طرق النجاة لهم، وقد جاء عن الإمام علي (ع): "من غض طرفه أراح قلبه".

 

 وعن الإمام الصادق (ع): "ما اعتصم أحد بمثل ما اعتصم بغض البصر، فإن البصر لا يغض عن محارم الله إلا وقد سبق إلى قلبه مشاهدة العظمة والجلال".

 

1- سورة النور / 30.