سوء الظن مرض فتَّاك قاتل لروح المجتمع

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾(1).

 

إن حياة الإنسان مليئة بالأحداث وخليط من الراحة والألم، وكل إنسان يواجه في حياته مواقف كثيرة وأحداث متعددة، ولا يستطيع الإنسان أن يغير قانون الحياة، ولكنه يستطيع قطعًا أن يبحر في عالم الحياة بقلب سليم ونفس آمنة مطمئنة إذا هو التزم بالنهج الإلهي الذي يضمن له السعادة ويربي روحه ليتسامى فوق كل المحن والبلايا التي قد تعرُض له في هذه الحياة.

 

فالإنسان عندما تكون نظرته للحياة جميلة أو منطلقة من روحية جمالية، فإنَّه سيتمكن حتمًا من التكيف مع مفرداتها، بل إنه سيحول تلك المرارة والألم إلى تجربة مفيدة ودرس عملي يقوي فيه جانب الإيمان ويعمق المحبة.

 

أما من يستسلم للتشاؤم وينهار أمام أبسط المواقف، فإنه يرى الوجود سيئًا كريهًا وألمًا وشرًّا لابد من زواله، فيعيش التعاسة والألم أكثر، لأنه لا ينظر إلى الحياة إلا كونها سجلاً حافلاً بالآلام والمصائب.

 

إنَّ هؤلاء يرتبط شقاؤهم في الحياة بحوادثهم، بل إنَّ شقاءَهم مرتبط بالطريقة التي يتعاملون فيها مع مفردات الحياة وبالكيفية التي ينظرون بها إلى الحياة ويواجهون بها الحوادث.

 

إن للأفكار والأحاسيس الجميلة أثرًا عميقًا في صياغة برامج السعادة الإنسانية، فلهذا ترى رسالة الإسلام تركز على تغذية النفس والروح ببرامج عظيمة وأمثلة راقية في مجال الكمال والتكامل، لتدفع بالإنسان نحو التقدم والتوازن الروحي، فبروح الإيمان العظيمة يمكنه العيش بمحبة وسلام وألفة ووئام، ويكون صلبًا في مواجهة المصائب والهموم والآلام.

 

وكما أن النفس الإيمانية تحول المواقف الصعبة والآلام إلى دروس وعبر نراها تحول حتى المواقف الإيجابية إلى شحنات سلبية تغذي فيها التشاؤم والمرض النفسي، بل لا تقف عند حد النفس بل تتعدى ذلك لتؤثر على محيطها فتخلف حالة من الاضطراب وتطفئ مصابيح الأمل التي تنير درب الحياة. وإن الذي يعيش حالة كهذه ولا يقتصر ألمه على الروح فحسب، بل إن لم يؤثر في الجسم فيخلق له مرضًا أو يؤخر شفاء مرضٍ آخر، كما أنه يتعدى هذا المريض ليحدث مرضًا اجتماعيًا يساهم في تفكيك المجتمع.

 

ولذلك نجد الآيات الكريمة والكلمات القرآنية الشريفة تحذر المؤمنين من الوقوع في مستنقع الظنون الفاسدة لأن في ذلك إثمًا كبيرًا.فالظن يدفع بصاحبه إلى حالات من الشك في كل العلاقات، وذلك يدفعه إلى أن يعيش الهم الدائم.

 

يقول أحد المفكرين: "إن علاج من يسيء الظن بكلِّ شيء وكلِّ شخص أصعب بكثير من محاولة إنقاذ من يلقي نفسه في البحر مصمّمًا على الانتحار".

 

وسوء الظن يدفع بصاحبه إلى الانزواء؛ لأنه لا يطمئن لأي إنسان فيعيش الهم والعزلة ويفتح صدره أكثر لوساوس الشيطان، بل إن هذه الحالة قد تدفعه إلى حالة من الكآبة وبالتالي يقدم على أن ينتحر وأن يزهق نفسه ويقتلها، وهو فعل محرم قطعًا وصاحبه مستحق للإثم.

 

أو إنَّه قد يخرج على المجتمع شاهرًا سيفه ومصلتًا لسانه يفتك بهذا أو ذاك ويعرض بهذا أو ذاك .. ولو تأملنا أكثر في مسيرة المجتمعات لوجدنا أن الكثير من المشاكل وحالات البغض والكراهية التي تعصف بالمجتمعات البشرية تكون ناشئة من سوء الظن، وسوء الظن كمرض لا يمكن أن يعمر نفسًا أبدًا، كما أنه لا يمكن أن يكون في نفس إيمانية أراد لها ربها الكمال والطهارة.

 

ولا عجب لو أنك ترى بعضًا من أهل العلم والفلسفة والحكمة .. يعيشون سوء الظن ويفلسفون المواقف كلها استنادًا لظنهم السيئ، فالصبر بحاكميهّ الإيمان على النفس لا بما تحمل من علم بعيد عن القيم، فهذه النفس تشك في كل شيء وتسيء الظن في كل دعوة خير وإصلاح، وتضعها على هواها المنحرف، لتصب بعد ذلك في طريق تسميم روح المجتمع وتفرقته وتجزئته ليسهل انتهاشه من قبل الوحوش المتربصة به.ولذلك نجد أن القرآن الكريم يعدُّ سوء الظن من موارد الإثم والذنوب والمعاصي، وهو يحذر المؤمنين من سوء الظن.

 

ولقد جاء عن الرسول الأعظم (ص): "المسلم على المسلم حرام دمه وماله وأن يسيء الظن به"، وعن أمير المؤمنين (ع): "ليس من العدل القضاء على الثقة بالظن". "إيَّاك أن تسيء الظن، فإن سوء الظن يفسد العبادة، ويعظم الوزر". "سوء الظن بالمحسن شر الإثم وأقبح الظلم". "من غلب عليه سوء الظن لم يترك بينه وبين خليله صلحًا". "من لم يحسن ظنه استوحش من كل أحد".

 

--------------

1- سورة الحجرات / 12.