انحرافات قوم نوح (ع) -3

رابعا: الاضطهاد والتحدي:

أمام حجج نوح (عليه السلام)، رفع طابور الكفر لافتة تتهم نوحا بالجنون.

يقول تعالى: ﴿فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ﴾(1).

قال المفسرون: في التعبير عن نوح (عليه السلام) بقوله تعالى: ﴿عَبْدَنَا﴾ تجليل لمقامه وتعظيم لأمره وإشارة إلى أن تكذيبهم له يرجع إليه تعالى، لأنه عبد لا يملك شيئا، وما له فهو لله، ولم يقتصروا على مجرد التكذيب، بل نسبوه إلى الجنون، فقالوا: هو مجنون، وازدجره الجن، فلا يتكلم إلا عن زجر وليس كلامه من الوحي السماوي في شئ، وقيل المعنى: ازدجره القوم عن الدعوة والتبليغ بأنواع الايذاء والتخويف(2).

وأمام سياسة الإرهاب هذه واجه نوح (عليه السلام) قومه بما يقصم ظهورهم وقرع باستكبارهم في التراب يقول تعالى: ﴿.. قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ / فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾(3).

قال المفسرون: لقد واجه قومه وهو واحد... تحداهم بأن يفعلوا به ما بدا لهم إن قدروا على ذلك، وأتم الحجة على مكذبيه في ذلك: ﴿إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي﴾ ونهضتي لأمر الدعوة إلى التوحيد أو منزلتي من الرسالة ﴿وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ﴾ وهو داعيكم لا محالة إلى قتلي، وإيقاع ما تقدرون عليه من الشر بي، لإراحة أنفسكم مني ﴿فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ﴾ قبال ما يهددني من تحرج صدوركم وضيق نفوسكم علي بإرجاع أمري إليه، وجعله وكيلا يتصرف في شؤوني ومن غير أن أشتغل بالتدبير ﴿فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ﴾ الذين تزعمون أنهم ينصرونكم في الشدائد، واعزموا علي بما بدا لكم، وهذا أمر تعجيزي ﴿ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً﴾ إن لم تكونوا اجتهدتم في التوسل إلى كل سبب في دفعي ﴿ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ﴾ بدفعي وقتلي ﴿وَلاَ تُنظِرُونِ﴾ ولا تمهلوني.

وفي الآية تحديه (عليه السلام) على قومه بأن يفعلوا به ما بدا لهم، وإظهار أن ربه قدير على دفعهم عنه. وإن أجمعوا عليه وانتصروا بشركائهم وآلهتهم.

وقوله ﴿فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ﴾ أي فإن توليتم وأعرضتم عن استجابة دعوتي، فلا ضير لي في ذلك فإني لا أتضرر في إعراضكم شيئا، لأني إنما كنت أتضرر بإعراضكم عني لو كنت سألتكم أجرا على ذلك يفوت بالإعراض، وما سألتكم عليه من أجر، إن أجري إلا على الله(4) وبدأ القوم يتذوقون العجز.. لم يستطيعوا القضاء على فرد واحد يقول لهم هيا اقضوا علي ولن تستطيعوا. لأني توكلت على الله ربي وربكم الذي أدعوكم إليه، وعلى الرغم من وجودهم في دائرة العجز، لم يؤمنوا وكذبوا نوحا (عليه السلام).

 1- استعجال العذاب:

رغم عجز القوم وعدم تحقيقهم أي تقدم للقضاء على نوح (عليه السلام)، إلا أن استكبارهم أغراهم للقيام بمهمة أليمة تدفع بهم إلى يوم أليم. وهذه المهمة هي اتفاق الأشراف والكبراء على طلب العذاب من نوح: ﴿قالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾(5) لقد جاءهم بالبينة ليثبت صدقه، ولكنهم أعرضوا عنها، وجاءهم بالتحدي ليثبت صدقه، فلم يقدروا عليه وكذبوه، وها هم يطالبوه بأن يأتيهم بالعذاب ليثبت صدقه، يقولون هذا وعندما سيأتيهم العذاب لن يستطيعوا حتى التنفس.

يقول المفسرون: لقد قالوا هذا بعد أن عجزوا عن دحض حجته، وأخفوا هذا العجز في ثياب الجبابرة، ومعنى قولهم والله أعلم: يا نوح قد جادلتنا. فأكثرت جدالنا، حتى سئمنا ومللنا، وما نحن لك بمؤمنين، فآتنا بما تعدنا من العذاب، أي ما أنذرتنا به في أول دعوتك من عذاب يوم أليم.

فكان رد نوح (عليه السلام) على طلبهم للعذاب: ﴿قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللّهُ إِن شَاء وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ﴾: أي أن الإتيان بالعذاب ليس إليه، فما هو إلا رسول، إنما الإتيان به إلى الله سبحانه، لأنه تعالى هو الذي يملك أمرهم، ولقد وعدهم بالعذاب بأمره تعالى، لأن إليه مرجعهم كله، ولا يرجع إلى نوح من أمر التدبير شيئا، فالله سبحانه إن يشأ يأتيهم بالعذاب، وإن لم يشأ فلا(6).

2- الدعاء المستجاب:

إن المجتمع الذي يصادر الحقائق ويستعبد العباد ويطلب العذاب، لا يمكن أن يقود قافلة إلى الهدى. لقد أعرضوا عن العبادة الحق، وقد دعاهم نوح (عليه السلام) إليها ليلا ونهارا من غير فتور ولا توان، فقابلوه بجعل أصابعهم في آذانهم وغطوا رؤوسهم ووجوههم بثيابهم لئلا يروا نوحا، واستكبروا عن قبول الدعوة استكبارا عجيبا، كما دعاهم (عليه السلام) سرا وعلانية، وطالبهم بالاستغفار، لكنهم عصوه.

وعلى امتداد الدعوة رموا نوحا عليه السلام بالضلال وبالجنون وهددوه بالرجم. فلم يخرجه ذلك عن حلمه، ولم يرد عليهم إلا بما تمليه أخلاق النبوة، ونوح (عليه السلام) لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما.

وعلى امتداد هذه المدة كان يدعوهم إلى الله، وفي النهاية لم يركب معه في السفينة كما في رواية صحيحة سوى ثمانون رجلا معهم أهلوهم.

وفي هذا إشارة إلى أنه (عليه السلام) قاسى من قومه الكثير، فالذين كان يدعوهم وهم شباب كانوا يقودون حركة الضد عن سبيل الله وهم شيوخ. وذلك لأن ثقافة التوثين كان يسهر عليها الأقوياء وهذه الثقافة حاصرت بقوتها وزينتها وزخرفها الأهواء المتعددة، فهرول كل صاحب هوى إلى هواه، مصادرا كل نداء للفطرة، وكل دعوة تدعوه للنظر والتدبر في الكون.

ونوح (عليه السلام) دعا على قومه ولكنه لم يدع عليهم إلا بعد أن تبين أنهم ركبوا طريق الكفر الذي لا عودة فيه، فعندما تبين هذا ﴿قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ / فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾(7).

قال المفسرون: هذا استفتاح منه (عليه السلام). وقدم له قوله: ﴿قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ﴾ أي تحقق منهم التكذيب المطلق. الذي لا مطمع في تصديقهم بعده.

وقوله: ﴿فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا﴾ كأنه وأتباعه والكفار من قومه قد اختلطوا في مكان واحد، فسأل ربه أن يفتح بينهم بإيجاد فسحة بينه وبين قومه، يبتعد بذلك أحد القبيلين عن الآخر وذلك كناية عن نزول العذاب، ولا يهلك إلا الفاسق الفاجر الكفار، وعندما طلب (عليه السلام) من ربه أن ينصره ويفرق بينه وبين القوم الظالمين؟ أوحى إليه ربه: ﴿وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾(8) وعندما أوحى الله تعالى بهذا إلى نوح.

دعا (عليه السلام) على قومه الدعاء القاصم.

قال المفسرون: يستفاد من قوله تعالى: ﴿أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ ..﴾ أن عذاب الاستئصال لا يضرب الكفار ما كان الإيمان مرجوا منهم، فإذا ثبتت فيهم ملكة الكفر ورجس الشرك، حق عليهم كلمة العذاب، كما يستفاد أن دعاء نوح (عليه السلام): ﴿رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا / إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا﴾(9) كان واقعا بعد وحي الله له ﴿أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ﴾ وذلك لأنه لا سبيل إلى العلم بعدم إيمان الكفار في المستقبل إلا عن طريق الوحي، فهو (عليه السلام). علم أولا من وحيه تعالى إليه أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن، وأن أحدا منهم لا يؤمن بعد ذلك ولا في نسلهم من سيؤمن بالله، ثم دعا عليهم بالعذاب، وذكر في دعائه ما أوحي إليه(10).

دعا نوح (عليه السلام) ربه بعد أن أصبح القوم لا فائدة في بقائهم. لأنهم أولا يضلون المؤمنين ولأنهم ثانيا لا فائدة فيهم لمن يلدونه من الأولاد، فهم لا يلدون إلا فاجرا كفارا، والفجور هو الفسق الشديد، والكفار هو الذي يبالغ في الكفر، واستجاب تعالى دعوته، وأمره سبحانه بصنع السفينة وأخبره أنهم مغرقون.

3- أوامر النجاة:

أوحى الله تعالى إلى نوح (عليه السلام): ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ﴾(11).

قال المفسرون والمعنى. واصنع السفينة تحت مراقبتنا الكاملة وتعليمنا إياك، ولا تسألني صرف العذاب عن هؤلاء الذين ظلموا، فإنهم مقضي عليهم الغرق، قضاء حتم لا مرد له(12).

وأوحى الله تعالى إليه: ﴿فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ﴾(13).

قال المفسرون: السياق يشهد على كون فوران التنور بالماء، أمارة نزول العذاب عليهم. وفوران الماء من التنور وهو محل النار من عجيب الأمر.

ثم أمره تعالى بأن يدخل في الفلك زوجين اثنين: ذكر وأنثى من كل نوع من الحيوان. وأهله والظاهر أنهم أهل بيته والمؤمنون به، والمراد بمن سبق عليه القول فمنهم امرأته الكافرة على ما فهم نوح (عليه السلام)، وابنه الذي أبى ركوب السفينة وقوله تعالى: ﴿وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ﴾ فكأنه قيل: أنهاك عن أصل تكليمي فيهم. فضلا عن أن تشفع لهم. فقد شملهم غضبي شمولا لا يدفعه دافع(14).

وبعد أن أوحى الله إليه بصنع السفينة وعلامة العذاب وهي فوران التنور، وبعد أن نهاه عن الشفاعة في الذين ظلموا قال تعالى: ﴿فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ / وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ﴾(15).

قال المفسرون: علمه أن يحمد الله بعد الاستواء على الفلك. على تنجيته تعالى من القوم الظالمين. وهذا بيان بعد بيان لكونهم هالكين مغرقين حتما. وأن يسأله أن ينجيه من الطوفان وينزله على الأرض إنزالا مباركا. ذا خير كثير ثابت. فإنه خير المنزلين(16).

4- يوم الغضب:

وبدأ نوح (عليه السلام) في صناعة السفينة يقول تعالى: ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ / فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ﴾(17).

قال المفسرون: لم يقل (عليه السلام) إن تسخروا مني فإني أسخر منكم، وفي هذا إشارة إلى أن أهله وأتباعه كانوا يشاركونه في صنع السفينة، وكانت السخرية تتناولهم جميعا، وإن كانوا لم يذكروا في هزئهم إلا نوحا فقط، والطبع والعادة يقضيان أن يكونوا يسخرون من أتباعه أيضا. كما كانوا يسخرون منه، فهم أهل مجتمع واحد. تربط المعاشرة بعضهم ببعض. وإن كانت سخريتهم سخرية منه في الحقيقة. لأنه هو الأصل الذي تقوم به الدعوة ولذا قيل: ﴿سَخِرُواْ مِنْهُ﴾ ولم يقل: "سخروا منه ومن المؤمنين" وعندما سخر القوم من نوح وأتباعه قال لهم (عليه السلام): إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم فنقول لكم: سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه؟ نحن أو أنتم؟ والمراد به عذاب الاستئصال في الدنيا -ويحل عليه عذاب مقيم- أي ينزل عليه عذاب ثابت لازم لا يفارق. وهو عذاب النار في الآخرة(18).

لقد قذفهم بعذابين الأول موصوف بالخزي والثاني موصوف بالإقامة(19) قذفهم بالعذاب القادم لا محالة بعد أن تتابعوا عليه جماعة بعد جماعة، يسخرون منه لأنه يصنع الفلك على وجه الأرض من غير ماء. وكان (عليه السلام) يصنع الفلك على مرأى منهم وفي ممر عام.

لقد كان الصنع بوحي من الله وكان في الصنع معجزة، ولكن القوم لم يجدوا في عالمهم وثقافتهم سوى السخرية والتحقير والانتقاص. وظلوا على هذا الحال. حتى جاء اليوم الأليم. وفار التنور. وبدأ نوح (عليه السلام) يحمل في السفينة من آمن به. وما آمن بالله مع نوح إلا قليل.

وحمل (عليه السلام) معه من كل جنس من أجناس الحيوان زوجين اثنين، وكان القوم يشاهدون حركة نوح والذين آمنوا معه في اتجاه السفينة. فلا تزيدهم الحركة إلا سخرية. فلم يكن الذين كفروا يعلمون ماذا يعني بالنسبة لهم فوران التنور. وما إن استقر الذين آمنوا مع نوح (عليه السلام) على ظهر السفينة.

حتى لاحت بوادر غضب الله على الذين كفروا. فالسماء بدأت تزمجر إعلانا ليوم الغضب. وانهمر الماء من كل مكان. يقول تعالى: ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ / وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾(20).

قال المفسرون: صبت السماء الماء صبا بلا قطر، صبا متواليا كأنه مدخر وراء باب مسدود ثم فتح هذا الباب، فانصب أشد ما يكون أما الأرض فجعلها عيونا متفجرة عن الماء. تجري جريانا متوافقا متتابعا. فالتقى ماء السماء مع ماء الأرض على أهداف محددة، تنفيذا لأمر قدره الله تعالى، من غير نقص ولا زيادة ولا عجل ولا مهل.

وفي هذا الهول قال نوح (عليه السلام): ﴿بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾(21).

قال المفسرون: قوله هذا تسمية منه (عليه السلام). يجلب به الخير والبركة لجري السفينة وإرسائها، فإن في تعليق فعل من الأفعال، أو أمر من الأمور، على اسم الله تعالى وربطه به، صيانة له من الهلاك والفساد، واتقاء من الضلال والخسران، فالله تعالى رفيع الدرجات ومن تعلق به مصون لا محالة من تطرق عارض السوء. وروي أنه كان إذا أراد أن تجري قال: بسم الله. فجرت. وإذا أراد أن ترسو قال: بسم الله فرست.

وعندما كانت السفينة تجري بهم على وجه الماء الذي جرى في كل مكان، كان الكفار يهرولون إلى كل مرتفع من الأرض طمعا في أن لا يصل الماء إليهم.

صعدوا فوق سقوف بيوتهم وفوق جذوع النخل وعلى قمم الجبال، ولكن قممهم لم تغن عنهم من الله شيئا، فالأمواج طالت مرتفعاتهم، وصفعت وجوه الظالمين وألقت بهم في أحضان العذاب الأليم، كانوا يشاهدون السفينة التي صنعت من ألواح ودسر وهي تجري في موج كالجبال وعلى متنها الذين وصفهم الأشراف يوما بالأراذل، لقد شاهدوا ما كانوا يسخرون منه. فوجدوا نوحا وأتباعه في رحاب الأمن. بينما هم في أحضان العذاب الأليم يتجرعون عذاب الخزي وهم في طريقهم إلى العذاب المقيم.

وبينما كانت السفينة تجري على وجه الماء طلت الأحداث الأليمة في اليوم الأليم يقول تعالى: ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ / قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾(22).

قال المفسرون: قيل إن هذا الابن الرابع لنوح (عليه السلام)(23) وكان هذا الابن قد عزل نفسه عن أبيه والمؤمنين في مكان لا يقرب منهم.

ولذلك قال: ﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ﴾ ولم يقل: وقال نوح لابنه. والمعنى: ونادى نوح ابنه. وكان ابنه في مكان منعزل بعيد منهم. وقال في ندائه. يا بني -بالتصغير والإضافة دلالة على الاشفاق والرحمة- اركب معنا ولا تكن مع الكافرين فتشاركهم في البلاء كما شاركتهم في الصحبة وعدم ركوب السفينة. ولم يقل (عليه السلام): ولا تكن من الكافرين. لأنه لم يكن يعلم نفاقه وأنه غير مؤمن إلا باللفظ ولذلك دعاه إلى الركوب: ﴿قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء ..﴾ أي سأنضم إلى جبل يعصمني ويقيني من الماء فلا أغرق ﴿قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ﴾ أي قال نوح: لا عاصم اليوم -وهو يوم اشتد غضب الله وقضى بالغرق لأهل الأرض، إلا من التجأ منهم إلى الله- من الله لا جبل ولا غيره.

وبعد أن قال نوح ذلك لابنه. حال بينهما الموج فكان ابنه من المغرقين. ولو لم يحل الموج بينهما ولم ينقطع الكلام بذلك. لعرف كفره وتبرأ منه(24).

إن نوحا (عليه السلام). لو كان يعلم إبطان ابنه للكفر ما كان يحزنه أمره لأنه القائل: ﴿فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾(25) وهو القائل: ﴿رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾(26) لم يكن نوح (عليه السلام) يعلم حقيقة ابنه، وعندما حال بينهما الموج توجه (عليه السلام) بوجدانه وشعوره إلى ربه جل وعلا: ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ﴾(27).

قال المفسرون: رفع صوته بالدعاء.

كما يدل عليه قوله تعالى: ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ﴾ ولم يقل: سأل أو قال أو دعا.

ورفع الصوت بالاستغاثة من المضطر الذي اشتد به الضر وهاج به الوجد أمر طبيعي. وفي نداء نوح (عليه السلام) لم يجترئ أن يسأل نجاة ابنه بالتضرع. بل أورد القول كالمستفسر عن حقيقة الأمر. وابتدر بذكر ما وعده الله من نجاة أهله حين أمره أن يجمع الناجين معه في السفينة فقال له: ﴿احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ﴾ ولذلك قال (عليه السلام): ﴿رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ﴾... فذكر وعد ربه وضم إليه أن ابنه من أهله.. فابنه كان مؤمنا به ظاهرا ولم يكن نوح يعلم ما يضمره ابنه في قلبه.

فقوله: ﴿إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي﴾ و﴿إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ﴾ ينتجان بانضمام بعضهما إلى بعض الحكم بلزوم نجاة ابنه.

ومعنى الآية: رب إن ابني من أهلي، وإن وعدك حق كل الحق، وإن ذلك يدل على أن لا تأخذه سبحانك بعذاب القوم بالغرق، ومع ذلك فالحكم الحق إليك فأنت سبحانك أحكم الحاكمين، كأنه (عليه السلام) يستوضح ما هو حقيقة الأمر، ولم يذكر نجاة ابنه. ولا زاد على هذا. وبعد استفسار نوح (عليه السلام). قال تعالى: ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾(28).

قال المفسرون: بين الله سبحانه لنوح (عليه السلام) وجه الصواب فيما ذكره. فنوح قال: ﴿إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ﴾ فقال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ فارتفع بذلك أثر حجته.

والمراد بكونه ليس من أهله -والله أعلم- أنه ليس من أهله الذين وعده الله بنجاتهم، لأن المراد بالأهل في قوله: ﴿وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾ الأهل الصالحون وهو ليس بصالح وإن كان ابنه ومن أهله ولذلك علل قوله: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ بقوله: ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ أي أن ابنك هذا ذو عمل غير صالح فليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم.

ويؤيد هذا المعنى قراءة من قرأ: ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ بالفعل الماضي. أي عمل عملا غير صالح. وقوله تعالى: ﴿فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ أي لكونه عملا غير صالح. وأنت لا سبيل لك إلى العلم بذلك. فإياك أن تبادر إلى سؤال نجاته لأنه سؤال ما ليس لك به علم، وقوله: ﴿إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ أي أني أنصح لك في القول أن لا تكون بسؤالك هذا من الجاهلين، وبعد أن نادى نوح ربه في يوم الغضب يوم العذاب الأليم.

وبعد أن أخبره ربه بالمخبوء من أمر ابنه قال نوح: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ﴾(29).

قال المفسرون. لما تبين لنوح (عليه السلام). إنه لو ساقه طبع الخطاب الذي خاطب به ربه إلى السؤال، كان سائلا ما ليس له به علم وكان من الجاهلين، وإن عناية الله حالت بينه وبين الهلكة، شكر ربه فاستعاذ بمغفرته ورحمته.

كانت هذه المشاهد وهذا النداء وإجابته في وقت كان الموج يضرب فيه بكل عنف، وروي أن الماء قد أطبق جميع الأرض. وارتفع على رؤوس الجبال بخمسة عشر ذراعا(30).

وكانت السفينة جارية على وجه الماء، سائرة بإذن الله وتحت كنفه وعنايته وحراسته، وروي أن السفينة سارت على وجه الماء بنوح وأتباعه مائة وخمسون يوما(31) وبعد أن غاب وجه الظلم تحت الماء في أعماق الطين. جاء أمر الله ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾(32).

(قيل) إن النداء نداء العظمة. والقائل هو الله. والأمر تحمله كلمة (كن) والأمر يترتب عليه من غير فصل. أن تبتلع الأرض. ما على وجهها من الماء وأن تكف السماء عن أمطارها.

وفي قوله تعالى: ﴿وَغِيضَ الْمَاء﴾ لم يذكر الأرض. وفي قوله: ﴿وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ﴾ لم يذكر السفينة. وفي قوله: ﴿بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ لم يقل بأنهم الظالمين من قوم نوح. إنها العظمة. ومن أراد أسماء النتائج فعليه بالمقدمات. وفي المقدمة قوم ظالمون وعدهم الله بالغرق. وبما أن هناك غرق ونجاة فلا بد من سفينة وماء. وعلى هذا فلو غيض الماء. فإنما تغيضه الأرض ولو استقر شئ واستوى، فإنما هي السفينة، وإذا قيل بعدا للقوم الظالمين، فإن القائل هو الله. والقوم هم المقضي عليهم بالعذاب، ولو قيل: قضي الأمر. فإنما القاضي هو الله. والأمر هو ما نهى عنه نوح في مخاطبته في الذين ظلموا.

وروي أن السفينة استقرت بهم على الجودي شهر(33) والماء من حولها يذهب شيئا فشيئا بعد أن طهر الأرض من الذين وضعوا بذرة استعباد الإنسان لأخيه الإنسان ودونوا لهذا الاستعباد فقهاء عريضا ذو ثقافة واسعة هدفها تحقير الإنسان وانتقاصه لصالح الأهداف الشيطانية.

وبعد أن غيض الماء يقول تعالى: ﴿قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾(34).

قال المفسرون: معناه والله أعلم. يا نوح انزل مع سلامة من العذاب -الطوفان- وبركات وخيرات نازلة منا عليك. أو انزل بتحية وبركات نازلة منا عليك. وعلى من معك من المؤمنين ومن سيظهر من نسلهم من الصالحين. وممن معك أمم أو هناك أمم سنمتعهم ثم نعذبهم وهم غير مأذون لهم في التصرف في أمتعة الحياة إذن كرامة وزلفى.. وهذا الخطاب الإلهي تلقاه نوح (عليه السلام) في وقت لا يوجد فيه متنفس على وجه الأرض من إنسان وحيوان. فقد أغرقوا جميعا. ولم يبق منهم إلا جماعة المؤمنين بالسفينة. وهؤلاء هم الذين قضى الله أن ينزلوا إلى الأرض فيعمرها ويعيشوا فيها إلى حين.

الخاتمة:

لقد كان الغرق شاملا وهناك أدلة تثبت أن الطوفان كان شاملا وعم الأرض كلها. ومنها أن الله تعالى أمر نوحا (عليه السلام) بأن يحمل من كل زوجين اثنين، فلو كان الطوفان في بقعة معينة. لم يكن في حاجة إلى أن يحمل في السفينة من كل جنس من أجناس الحيوان زوجين، ودعوة نوح (عليه السلام) كانت دعوة عامة، ولقد قام (عليه السلام) بالتحرك في المجتمعات البشرية قلت أو كثرت على امتداد دعوته، وعموم الدعوة يقضي بعموم العذاب، لهذا قال في دعائه: ﴿رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ فالطائفة التي نزلت عند الجودي وهو جبل قيل إنه بديار نكر من الموصل. وقيل إنه شرقي دجلة على جزيرة ابن عمر. هذه الطائفة هي البذرة الأولى للمسيرة البشرية بعد الطوفان. وإلى هذه النواة ينتهي نسل البشر اليوم.

لقد شاء الله أن يجعل اليوم الأليم فاتحة لاستقرار طائفة المؤمنين على الأرض، لترى البشرية على امتداد مسيرها أن أول لبنة في ماضيها من طين وماء، فأما الطين فباطنه عذاب خزي وعذاب أليم. وأما الماء فعلى صفحته جرت سفينة ذات ألواح ودسر وعلى ظهرها المتقين، لقد جعل الله العذاب الأليم بداية. كي تنظر الأمم في البدايات لتعتبر يقول تعالى: ﴿فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾(35).

قال المفسرون: الضمير للواقعة أو النجاة.

والعالمين الجماعات الكثيرة المختلفة من الأجيال اللاحقة بهم. فالله جعل الواقعة أو النجاة آية ليتدبر فيها جميع الأجيال قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ﴾ إن في ذلك لآية ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ﴾(36) وقال: ﴿وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ / فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾(37) إن اليوم الأليم الذي ضرب انتفاخ الاستكبار أول الزمان دعوة لكي يكون الإنسان كريما. وهو لن يكون كريما إلا إذا أصبح حرا، والعبودية لله هي الحرية الحقيقية.

وقافلة المؤمنين على السفينة الذين كان الانتفاخ الإستكباري يحتقرهم يوما ما. دعوة لكل إنسان على الصراط المستقيم. كي يمسك المؤمن عصيدته الحقة بأسنان الصبر. وأن يقبض على دينه وإن كان كالجمر، وأن يجعل قلبه بيتا للإيمان بالله، وأن يكون على يقين بأن العاقبة للمتقين حتى لو طال الليل ألف سنة إلا خمسين عاما. أو أكثر من ذلك.

وبعد أن قص الله تعالى قصة نوح (عليه السلام) في القرآن الكريم.

توجه سبحانه بالخطاب إلى نبيه الخاتم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: ﴿تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾(38).

قال المفسرون: أي إذا علمت ما آل إليه أمر نوح وقومه.

من هلاك قومه ونجاة من معه. وأن الله تعالى قد أورثهم الأرض على ما صبروا.

ونصر نوحا على أعدائه على ما صبر. فاصبر على الحق. فإن العاقبة للمتقين.

وبعد الطوفان اتسعت القافلة البشرية حول الجودي. ثم تفرقت بعد ذلك هنا وهناك. وعندما طال الأمد نشأت أجيال اجتالتهم الشياطين بعد أن ساروا بلا رصيد إيماني في دروب الحياة متبعين أهواءهم.

وهذه الأجيال هي الأجيال التي أخبر الله تعالى بها نوحا بأنه سيمتعهم ثم يعذبهم، ولقد هرولوا في طريق الانحراف والشذوذ، وعلى امتداد الطريق زودهم الشيطان بالفقه المعدل لأطروحة رفض الرسول البشر كي ينسجم الفقه مع كل عصر، كما زودهم بأكثر من فقه ينتقصون ويحتقرون به بعضهم بعضا. وعلى امتداد رحلة التحقير خسر حزب الشيطان في كل العصور. وكانت العاقبة للمتقين في كل العصور.

المصدر:

الانحرافات الكبرى: القرى الظالمة في القرآن الكريم.


1- سورة القمر / 9.

2- الميزان ج19 / ص68.

3- سورة يونس / 71-72.

4- الميزان ج10 / ص102.

5- سورة هود / 32.

6- الميزان ج10 / ص215.

7- سورة الشعراء / 17-18.

8- سورة هود / 36.

9- سورة نوح / 26-27.

10- الميزان ج10 / ص222.

11- سورة هود / ص37.

12- الميزان ج10 / ص224.

13- سورة المؤمنون / 27.

14- الميزان ج15 / ص30.

15- سورة المؤمنون / 28-29.

16- الميزان ج15 / ص30.

17- سورة هود / 38-39.

18- الميزان ج10 / ص225.

19- ابن كثير ج2 / ص445.

20- سورة القمر / 11-12.

21- سورة هود / 41.

22- سورة هود / 42-43.

23- ابن كثير ج4 / ص246.

24- الميزان ج10 / ص230.

25- سورة الشعراء / 118.

26- سورة نوح / 26.

27- سورة هود / 45.

28- سورة هود / 46.

29- سورة هود / 47.

30- ابن كثير ج2 / ص446.

31- البداية والنهاية ج1 / ص116.

32- سورة هود / 44.

33- البداية والنهاية ج1 / ص116.

34- سورة هود / 48.

35- سورة العنكبوت / 15.

36- سورة الشعراء / 120-121.

37- سورة القمر / 15-16.

38- سورة هود / 49.