الصراط المستقيم ينير البصيرة قبل البصر

﴿أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾(1).

 

معاني المفردات:

1- ﴿يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ﴾: يسير منكسا رأسه إلى الأرض يتعثر ولا يبصر الطريق.

2- ﴿يَمْشِي سَوِيًّا﴾: يسير مستويا منتصب القامة يبصر الطريق.

3- ﴿صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾: الطريق المؤدي إلى طاعة الرحمن ورضوانه.

 

تتحدث الآية المباركة عن المقارنة بين مسير وحركة كل من أهل الإيمان وأهل الكفر والنِّفاق، وكيف أن أهل الإيمان يسيرون بحركة هداية كاملة توصلهم إلى طريق النجاح والفلاح في حين أن الكافرين يسيرون على غير هدى ويتخبطون في حركتهم، وقد مثلت الآية الكريمة لكلا الطرفين بمثال حسي يكشف عن أثر الهداية والضلال على مستقبل الإنسان. فالذين كفروا في حركتهم ومسيرهم كأنهم يمشون وهم منكسة رؤوسهم إلى الأرض لا يبصرون طريقهم، وبالتالي يحصل لهم التعثر والضرر والضياع. أما أهل الإيمان فإنهم كالذي يمشي منتصب القامة باستواء واعتدال يرى طريقه ويبصر هدفه فتكون حركته واضحة وأهدافه واضحة ومحددة فيصل دونما خسائر أو ضرر، ورُبَّ سائل يسأل: لماذا يسير الكافرون وهم مُكِبُّونَ رؤوسهم إلى الأرض وعندهم كل الطاقات والقدرات التي تعينهم على السير السوي؟!

 

صحيح أنهم يمتلكون تلك القدرات والقابليات على السير باعتدال واستواء، ولكن لأنهم قطعوا صلتهم وعلاقتهم بواهب النور والعطاء والخير والحياة فإنهم قد فقدوا نور البصيرة ووصل بهم الحال إلى إدراك الحقائق المعكوسة، فهم والحال هذه يسيرون كمن يسير في طريق وعرة متعرجة كثيرة المنعطفات والمطبَّات وهو منكس الرأس ومكبٌّ وجهه على الأرض معتمدًا على يديه ورجليه للاهتداء إلى الطريق، فأنَّى له والاهتداء.

 

لذلك نجد في الآية الكريمة والتي تلي هذه الآية الإشارة الكاملة والواضحة إلى منافذ النور التي سلّح الله بها عباده لتتلقى نور الهداية، ولكن الكافرين والمنافقين لا يشكرون هذه النعمة فهم لا يستفيدون منها، فهم لا يبصرون الطريق المستقيم الذي هو الموصل لطاعة الرحمن ونيل الرضوان.

 

وقد جاء في الأحاديث المباركة الشريفة أنَّ الصراط المستقيم المذكور في هذه الآية هو الإمام علي بن أبي طالب (ع) والأئمة الهداة من وُلده (ع)، وقد جاء في الرواية عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي (الكاظم) (ع)، قال: "قلت ﴿أَفَمَن يَمْشِي ..﴾".

 

قال (ع): "إن الله ضرب مثلا من حاد عن ولاية علي (ع) كمن يمشي على وجهه لا يهتدي لأمره وجعل من تبعه سويًّا على صراط مستقيم، والصراط المستقيم أمير المؤمنين (ع)".

 

والحديث طويل، اقتصرنا فيه على موضع الحاجة للآية المباركة ولمن أراد المراجعة فيه(2).

 

---------------

1- سورة الملك / 22.

2- أصول الكافي ج1 / ص433 / الطبعة الثالثة / الناشر: دار الكتب الإسلامية.