النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم -7

خامسا: الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة:

1- الدعوة في المدينة:

هاجر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة بعد أن أخرجه الذين كفروا من مكة بغير حق.

 

وفي المدينة قام ببناء مسجده بعد أن آخا بين المهاجرين والأنصار بصورة لم يشهد لها التاريخ مثيلا. فلقد قامت المؤاخاة بتذويب جميع الفوارق بين الإنسان وأخيه الإنسان.

في المدينة بدأ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يهتم ببناء الفرد الذي هو أساس المجتمع فكان على صلة دائمة بالأفراد والقبائل يسألوه ويجيب ويبين لهم وأمور دينهم.

وفي عالم المدينة لم تختلف الدعوة كثيرا عنها في مكة.

 

لأن الأسس التي وضعها الإسلام لبناء الفرد والجماعة أسس واحدة تقبلها الفطرة في كل زمان ومكان. فالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) نادى في المدينة بما نادى به في مكة وحث على طاعة الله. وحفظ اللسان ومحاسبة النفس. وحث على التفكر. وحث على الصبر والقناعة والحياة وحسن الخلق والوفاء بالوعد. وحث على التواضع والتوبة والعفو. وحث على مخالفة الهوى وعلى الإقتصاد في جميع الأمور. ونهى عن الحسد وعن الكذب وعن الشماتة وعن الغرور ونهى عن الاستحقار وعن الحرص وعن العجب وحب الجاه والزور ونهى عن قتل النفس المحرمة وعقوق الوالدين وأكل مال اليتم ظلما ونهى عن قذف المرأة المحصنة وقطيعة الرحم. ونهى عن السحر والإضرار بالآخرين. ونهى عن الزنا واللواط السحاق ونهى عن السرقة وشرب الخمر وأكل الربا وأكل السحق وأكل لحم الميتة. ونهى عن البخس في المكيال وعن حبس الحقوق من غير عذر. ونهى عن ترك الصلاة المفروضة ومنع الزكاة الواجبة.

 

ونهى عن الإضلال عن سبيل الله والحكم بغير ما أنزل الله. ونهى عن النفاق والظلم إشاعة الفواحش. ونهى عن الغيبة والنميمة والاشتغال بالملاهي. ونهى عن الفتنة وعن التجسس على المسلمين ومحاربة المؤمنين وإيذائهم ونهى عن الرياء وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من دون عذر.

 

كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقدم للنفس الدواء الشافي لها من أمراض الانحراف وكان يرفع عن الفطرة الأحمال الغليظة التي وضعها معسكر الانحراف من خلال ثقافته وتربيته.

 

وبعد أن خاطب النبي كل فرد في أعماق نفسه ودعاه إلى سعادة الحياة وطيب العيش تحت مظلة التوحيد. نادى عليه الصلاة والسلام بالوحدة واعتنى بأمر الاجتماع قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾(1) وقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾(2) لقد اهتم الإسلام من يومه الأول بالاجتماع. وجعله موضوعا مستقلا خارجا عن زاوية الاهمال وحكم التبعية. والإسلام في تعاليمه لا ينتج إلا اجتماع قوي. لأنه يبدأ بتربية الأخلاق والغرائز في الفرد الذي هو أصل وجود المجتمع ونتيجة لذلك يكون المجتمع قادرا على قهر القوى الفردية المشتتة الأهواء حتى ولو اجتمعت تحت راية واحدة. والمجتع الإسلامي الذي يقوم على القرآن وسنة رسول الله ينطلق من قاعدته الأصلية التي شيدت على اتباع الحق وابتغاء الأجر والجزاء من الله. أما غيره من مجتمعات فيقوم على الأهواء ولا أجر ولا جزاء عند الأهواء إلا هباء ضائع في خلاء.

 

2- الصد عن سبيل الله:

لم تكف أجهزة ومؤسسات الصد عن سبيل الله عن الكيد للدعوة الإسلامية بعد الهجرة. بل قامت هذه الأجهزة باستعمال أسلحة جديدة للقضاء على دعوة الحق. منها سلاح أهل الكتاب وسلاح النفاق. ولم تكف قريش يوما واحدا عن التحرش بأهل الإسلام من أجل جرهم إلى معركة حربية نظرا لما كانوا يعتقدون بأن المسلمين أمة جديدة لم يشتد ساعدها وعليهم ببتر هذا الساعد قبل أن يشتد ويطيح بخيام الانحراف التي تغذي الأهواء. وأسلحة الصد التي استخدمها معسكر الانحراف كثيرة نكتفي منها بثلاثة:

 

1- الصد بالسلاح:

بعد الهجرة بدأت أجهزة الصد في مكة ترصد كل من قال الله ربي. فإذا أوقع في أيديهم إما أن يقتل وإما أن يخرجوه من الديار. كما بدأوا يتحرشون بأهل المدينة فتارة يقطعون طرقهم وتارة يبثون عليهم ما يفتن الناس في دينهم. وبعد أن قطع جبابرة الظلام شوطا كبيرا في هذا المجال. أمر الله تعالى بالحرب. وقال لرسوله في آيات كريمة: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ / الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ﴾(3).

 

قال المفسرون: أذن -من جانب الل- للذين يقاتلهم المشركون وهم المؤمنون بسبب أنهم ظلموا -من جانب المشركين- وإن الله على نصرهم لقدير. ثم بين تعالى كونهم مظلومين. وهو أنهم أخرجوا من ديارهم وقد أخرجهم المشركون من ديارهم بمكة بغير حق يجوز لهم إخراجهم. ولم يخرجوهم بحمل وتسفير. بل آذوهم وبالغوا في إيذائهم وشددوا التعذيب والتفتين. حتى اضطروهم إلى الهجرة من مكة والتغرب عن الوطن وترك الديار والأموال. فقوم إلى الحبشة وآخرون إلى المدينة في هجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإخراجهم إياهم وألجؤهم إلى الخروج. ولقد أخرجوا بسبب أن يقولوا ربنا الله. وفي هذا إشارة إلى أن المشركين انحرفوا في فهمهم وألحدوا عن الحق. إلى حيث جعلوا قولة القائل ربنا الله. وهي كلمة الحق يبيح لهم أن يخرجوه من داره(4).

 

والحرب في الإسلام غيرها تحت أي راية أخرى ففي الإسلام الله هو الذي يأمر والله هو الذي يحدد الأهداف والله هو الذي ينصر من التزم بتعاليمه. أما الرايات الأخرى فالتاريخ يشهد أن القديم كان يحارب من أجل الأهواء والحديث يحارب من أجل الأهواء. أهواء الفرد أو القبيلة أو الحزب والجميع في خدمة أهواء بني إسرائيل الذين ينقبون في الطين عن ميراث مزعوم. والحرب في الإسلام تنطلق من قاعدة واحدة يقول تعالى: ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ﴾(5).

 

قال المفسرون: كون القتال في سبيل الله. لأن الغرض منه إقامة الدين وإعلاء كلمة التوحيد. فهو عبادة يقصد بها وجه الله تعالى دون الاستيلاء على أموال الناس وأعراضهم. فالقتال في السلام دفاع يحفظ به حق الإنسانية المشروعة عند الفطرة السليمة وقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَعْتَدُواْ﴾ الاعتداء هو الخروج عن الحد. والنهي عن الاعتداء، مطلق يراد به كل ما يصدق عليه أنه اعتدى. كالقتال قبل أن يدعى إلى الحق. والابتداء بالقتال. وقتل النساء والصبيان. وغير ذلك مما تبينه السنة النبوية(6) فحروب الإسلام لا اعتداء فيها. لأن الذين يقومون بها يقومون من أجل من الدفاع عن الفطرة. الفطرة لا تقبل الاعتداء ولأنهم يدافعون عن الفطرة طالبهم الله تعالى بأن يعدوا لأعدائهم الذين يريدون هدم الفطرة. ما استطاعوا ليرهبوا به عدو الله الذي هو عدوهم.

 

قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ﴾(7).

 

قال المفسرون وجه تعالى الخطاب إلى الناس. وذلك لأن الحكومة الإسلامية حكومة إنسانية. يحفظ فيها حقوق كل فرد ويراعي فيها مصلحة الضعيف والقوي والغني والفقير والحر والعبد والرجل والمرأة والفرد والجماعة والبعض والكل على حد سواء. ولما كانت المنافع التي يهددها عدوهم هي منافع كل فرد.

 

فعلى كل فرد أن يقوم بالذب عنها ويعد ما استطاع من قوة لحفظها من الضيعة. والإعداد وإن كان منه ما لا يقوم بأمره إلا الحكومات بما لها من الاستطاعة القوية والإمكانات البالغة. لكن منها ما يقوم بالأفراد بفرديتهم كتعلم العلوم الحربية والتدريب بفنونها. فالتكليف تكليف الجميع. وبالجملة فإن الإنفاق من أجل الإعداد فيه حفظ للمجتمع من العدو الذي يهدده في نفوسه وأعراضه وأمواله. والإنفاق والإعداد فيه حفظ للدين الذي به يعبد الله في أرضه.

 

وكل فرد ينفق في سبيل الله مالا أو جاها أو أي نعمة يرجع إلى نفسه نفع ما أنفقه من نماء في الدنيا والآخرة إن الإسلام يدافع عن البشرية ويحافظ على التوازن لأن أي انحراف بشري هو في حقيقته انحراف عن دوران الكون.

 

وأي انحراف ضد الكون يقابل إما بالطوفان وإما بالرياح وإما بالصيحة. ولله جنود السماوات والأرض. والإسلام كما طالب كل صغير وكبير بأن يعد ما في استطاعته لدحر أعداء الكون. وضع للجميع دستورا حربيا وفرض عليهم أن يتبعوه لأن النصر يتحقق به قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ / وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين / وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ / وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾(8).

 

قال المفسرون: أوجب الله على المؤمنين أمور ستة. وطالبهم برعيتها في الحروب الإسلامية عند لقاء العدو وهي: الثبات. وذكر الله كثيرا. وطاعة الله ورسوله. وعدم التنازع. وأن لا يخرجوا بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله. وقال صاحب الميزان: ومجموع الأمور الستة دستورا حربيا جامع لا يفقد من مهام الدستورات الحربية شيئا.

 

والمتأمل الدقيق في تفاصيل الوقائع في تاريخ الحروب الإسلامية الواقعة في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كبدر وأحد والخندق وحنين وغير ذلك يوضح أن الأمر في الغلبة والهزيمة كان يدور مدار رعاية المسلمين مواد هذا الدستور الإلهي وعدم رعايتها والمراقبة لها والمساهلة فيها(9).

 

فأي حرب دفعت راية إسلامية ولم تلتزم في انطلاقها بقانون عدم الاعتداء ولم تأخذ بالأسباب لإعداد ما استطاعت من قوة ولم تلتزم بهذه الأمور الستة هي حرب للأهواء فيها نصيب كبير. ولا تصب نتائجها إلا في وعاء الفتنة والإسلام برئ من كل من ارتكب تحت لافتته الجرائم يريد بها الحياة الدنيا. وبرئ من كل اتهام اتهمه به طابور الانحراف الذي ليس عنده علم يرى. بل ظلمات بعضها فوق بعض. والإسلام كما أوضحنا لم يبدأ بقتال. فالقرآن الكريم في مكة أمر المسلمين بالكف عن القتال والصبر على كل أذى في سبيل الله سبحانه وتعالى.

 

ثم نزلت آيات القتال بعد أن خرجت طوابير الانحراف شاهرة أسلحتها. فمنها آيات القتال مع مشركي مكة ومن معهم(10) ومنها آيات القتال مع أهل الكتاب(11) ومنها آيات القتال مع المشركين عامة وهم غير أهل الكتاب(12).

 

و آيات القتال هي آيات الدفاع عن الفطرة. فالإسلام هو دين التوحيد بناه الله تعالى على أساس الفطرة. ومن أجل هذا فهو القيم على إصلاح الإنسانية فإقامة الإسلام والتحفظ عليه أهم حقوق الإنسانية المشروعة. لأنه وحده يمثل الدفاع عن حق الإنسانية في حياتها. فإذا كان في الشرك بالله هلاك الإنسانية وموت الفطرة. فكذلك كانت معارك الإسلام إعادة لحياة الإنسانية وإحيائها بعد الموات ولما كان الإسلام دينا عالميا لا بد أن تصل دعوته إلى بني الإنسان. ولأن العرب هم الطريق إلى العجم والعجم لا يؤمن حتى يؤمن العرب. ولأن العرب لا تؤمن حتى تؤمن قريش. كان لا بد من كسر شوكة قريش التي خرجت بها لتصد عن سبيل الله. و الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) في جميع معاركه كان يوصي سراياه وعساكره بتقوى الله ويقول: "اغزوا باسم الله وفي سبيل الله".

 

قاتلوا من كفر بالله. ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليدا. وإذا لقيتم عدوكم فادعوهم إلى إحدى ثلاث. فإن أجابوكم إلى واحدة فاقبلوا منهم واكففوا عنهم: أدعوهم إلى الدخول في الإسلام. فإن فعلوا فاقبلوا منهم واكففوا. ثم أدعوهم إلى التحول إلى دار المهاجرين. فإن فعلوا. فاخبروهم أن لهم. ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين. فإن أبوا فادعوهم إلى إعطاء الجزية. فإن فعلوا فاقبلوا منهم واكففوا عنهم. فإن أبوا فاستعينوا بالله وقاتلوهم والرسول الاكرام (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يبدأ معركة قط إلا بعد أن يقيم الحجة. ولم يبدأ بحرب قط من دائرة الاعتداء. وفي حربه مع قريش لم يلجأ إلى السلاح في بداية الأمر وإنما رد اعتدائهم بمحاربتهم اقتصاديا بعد الهجرة. فسد عليهم طرق التجارة. رجاء أن يفيئوا إلى أمر الله تعالى. لكن قريش تمادت في الاعتداء. فكان في السيف دواء. كان السيف ضرورة لا بد منها. لإفساح الطريق أمام الكلمة التي تقيم الحجة على الناس.

 

وعندما أهلكت الحروب المتعاقبة قريش. اضطروا إلى المعاهدة على ترك القتال. وبعد توفيق معاهدة الحديبية بين المسلمين وقريش. وجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مجالا لنشر الدعوة الإسلامية.

 

فكتب إلى ملوك العرب والعجم والأساقفة وشيوخ القبائل يدعوهم إلى الله سبحانه. وبث عليه الصلاة والسلام الدعاة في اليمن والبحرين واليمامة وبلاد غسان. وأسلم جمع من العرب والعجم خلال هذه الهدنة.

 

بعد أن علموا أن ما قالته قريش في محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) للصد عن دعوته ما هو إلا كذب وبهتان وأن مرماه الشريف حقن الدماء وصلة الأرحام ودعوته هي توحيد الله الواحد القهار.

 

وإذا كانت قريش هم أول من رفع السلاح للصد عن سبيل الله فإن اليهود بعد الهجرة لم تكن أيديهم بعيدة عن السلاح. فلقد قاموا بتوجيه معسكر الانحراف نحو السلاح وباركوا خطواته. وروت السيرة الشريفة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما دخل المدينة وأسلم أكثر الأوس والخزرج. تقبل اليهود فكرة المهادنة بينهم وبين المسلمين والتعاون المشترك لمصلحة الطرفين.

 

وتعاهدوا مع النبي وكتب السيرة تحتوي على نصوص هذه المعاهدة التي وضعها النبي بينه وبين يهود المدينة وجوارها. ولكن اتجاه الإسلام وأهدافه التي تقوم على التآخي والعدالة والمساواة وتحريم الربا والغش والاستغلال.

 

هذا الاتجاه الذي كان من أبرز سمات الإسلام. لم يتفق مع أماني اليهود ورغباتهم ونواياهم السيئة التي كانوا يبيتونها لجميع الناس. لا سيما وقد لمسوا أن محمدا لا يخدع ولا يستسلم لضغط من الضغوط مهما كان نوعها. وإلا يمكن أن يستغل لصالح فريق على فريق. ووجدوا أن الإسلام يغزو النفوس ويسيطر على العقول ويسير في شبه الجزيرة بسرعة غير عادية بالرغم من ضراوة خصومه ومواقفهم المتصلبة في وجهه. فلم يعد لهم من سبيل حسب تقديرهم إلا أن يقفوا موقف الحذر الذي يستغل الفرصة للوقيعة بخصمه .. وعلى امتداد هذه المدة أسلم بعض أحبارهم وصدقوا في إسلامهم.

 

كما تظاهر فريق منهم بالإسلام وأبطنوا الكفر والنفاق. وبدأ أكثر اليهود يستغلون المناسبات لإثارة الفتن ويسألون النبي عن أشياء بقصد تعجيزه والسخرية منه أحيانا.

 

كما بدأوا يعملون من أجل إحداث فجوات بين المسلمين أنفسهم وانضم إلى اليهود جماعة من المنافقين الذين تظاهروا بالإسلام وأسروا النفاق(13) وبدأ الكيد اليهودي يتسع شيئا فشيئا. وزجوا بنصارى نجران في ساحة الفتن فراحوا يبشرون بعقيدة المسيح الإله. وكان اليهود يطمعون في إشعال نار الحرب بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين الملك الذين يقولون بعقيدة المسيح الإله أو المسيح ابن الإله.

 

وعلى الرغم من أن الوحي كان يفضح سياسات اليهود. إلا أنهم كانوا يتمادون في طغيانهم. ونقضوا عهودهم ومواثيقهم التي أبرموها مع رسول الله و اصطفوا أمام الدعوة على خندق واحد. الأمر الذي جعل السيف ضرورة لإفساح الطرق أمام الكلمة الحق التي تقيم الحجة على الناس أجمعين.

 

وتحركت قوات الإسلام لرد الاعتداء ودكت حصون اليهود في بني قريظة وخيبر. وبني إسرائيل يعلمون أن القتال في سبيل الله إذا حدث. فهو ضرورة تحتمها الفطرة ولأنهم ضد الفطرة. كان لا بد من حملهم على الكف عن الصد. لأن عملهم يفتح الأبواب لضربات الكون و فناء البشر. ومن أنبياء بني إسرائيل (عليهم السلام) من حمل السلاح دفاعا عن الفطرة. وكتب بني إسرائيل تشهد بذلك.

 

والقرآن يذكر طرفا من هذا. يقول تعالى: ﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾(14).

 

لقد أزاحت طلائع الإسلام اليهود من الطريق عندما صدوا عن سبيل الله.

فراح تلاميذ اليهود يصفون الإسلام بالبربرية والوحشية ويصفون دعوته بأنها من أجل الامتلاك! إمتلاك أي شئ يغذي الأهواء. والتقط القردة في كل مكان ما قاله تلاميذ اليهود. وراحوا يصفون سيف الفطرة بالعدوان. في الوقت الذي يشيدون فيه بسيف عزرا الذي يبحث عن أرض الميعاد. تلك الأرض التي لا وجود لها إلا في عالم الطمس والقهقري.

 

2- الصد بتراث الآباء:

في المدينة تاجر الانحراف بما بين أيديه من تراث الآباء. فاليهود راحوا يدعون أنهم أبناء إبراهيم وأن دينهم هو الدين الأحق. والنصارى الذين يقولون بألوهية المسيح ادعوا أن إبراهيم معهم وفي معسكرهم النصراني والمشركين وقفوا بين هؤلاء وهؤلاء. واستقروا في نهاية المطاف على قلوب اليهود وما تحتويه وبالجملة: لم تقف حملات التشكيك بعد الهجرة ففي الآيات المدنية شككوا في القرآن وفي الرسول بنفس الحجج التي نسفها لهم الوحي في مكة.

 

والجديد في الأمر أن حججهم في المدينة كانت عليها بصمات أهل الكتاب مما يدل أن أهل الكتاب في هذه الآونة كانوا يتحركون ويبثون ثقافتهم على الأسماع بانتظام يقول تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ..﴾(15).

 

قال المفسرون: الذين لا يعلمون هم المشركون غير أهل الكتاب. ويدل عليه المقابلة التي في الآية السابقة على هذه الآية وهي قوله تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ﴾ إلى قوله: ﴿كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ﴾ أن أهل الكتاب ألحقهم الله بقولهم بالمشركين والكفار من العرب وألحق المشركين والكفار بهم.

 

فمن قبل اقتراح اليهود بمثل هذه الأقاويل على نبي الله موسى (عليه السلام). فهم والكفار متشابهون في أفكارهم وآرائهم يقول هؤلاء ما قاله أولئك وبالعكس. تشابهت قلوبهم(16).

 

وإذا كان المشركون قد التقطوا من اليهود أهواء آبائهم الأوائل وصدوا بها عن سبيل الله. فأن النصارى الذين أمسكوا بذيل بولس تاجروا أيضا ببضاعة بولس في عهد المدينة المنورة. والجدير بالذكر أن أهل الكتاب في العهد المكي كانوا يتحركون بصورة تكاد تكون خفية. أما في أيام المدينة فلقد برزوا كعضو مؤثر في عالم الصد عن السبيل وهذا يبدو واضحا في عدد الآيات التي كشفت حقدهم وحسدهم وعنادهم ففي المدينة فضحهم الوحي أما في مكة فكان الوحي يقص عليهم قصصهم ويبين لهم كثيرا مما اختلفوا فيه لعلهم يتوبوا إلى الله. وفي عهد المدينة خرجت من نجران قافلة ترفع لافتة المسيح الإله وسارت بهذه اللافتة على أرض التوحيد. وقص الوحي عليهم القول الحق في المسيح (عليه السلام).

 

ولكنهم أبو إلا أن يمسكوا بتراث الآباء الذين يتقدمهم بولس. وأمام هذا الاصرار تلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليهم قوله تعالى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾(17).

 

قال المفسرون: "الآيات نازلة في الإحتجاج ومتعرضة بشأن وفد نصارى نجران ".

 

ومعنى الآية: إن مثل عيسى عند الله. أي وصفه الحاصل عنده تعالى. أي ما يعلمه الله تعالى من كيفية خلق عيسى الجاري بيده. إن كيفية خلقه يضاهي كيفية خلق آدم. وكيفية خلقه أنه جمع أجزائه من تراب ثم قال له كن فتكون تكوينا بشريا من غير أب.

 

فالبيان بحسب الأحقية منحل إلى حجتين. تفي كل واحدة منهما على وحدتها بنفي الألوهية عند المسيح (عليه السلام):

إحداهما: أن عيسى مخلوق لله -على ما يعلمه الله ولا يضل في علمه- خلقه بشر وإن فقد الأب. ومن كان كذلك كان عبدا لا ربا.

 

وثانيهما: إن خلقته لا تزيد على خلقة آدم فلو اقتضى خلقه أن يقال بألوهيته بوجه. لاقتضى خلق آدم ذلك مع أنهم لا يقولون بها فيه. فوجب أن لا يقولوا بها في عيسى (عليه السلام) أيضا لمكان المماثلة(18).

 

ولم ينصت حملة التراث للحجة الدامغة. ولم يكن هناك من سبيل إلا وضعهم أمام الموت. بمعنى أن يقف الأطراف ويتلاعنوا ليأخذ الله تعالى الظالم منهم وعلى هذا فالذي على الحق ليس له أن يخاف لأن الردع الإلهي إذا جاء سيأخذ خصمه.

 

وكانت المبادرة بوضع الأطراف أمام الموت مبادرة إسلامية.

قال الله تعالى لرسوله: ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾(19).

 

قال المفسرون: المباهلة والملاعنة. وإن كانت في الظاهر كالمحاجة بين رسول الله وبين رجال النصارى. إلا أنها عمت الدعوة وشملت الأبناء والنساء. ليكون ذلك أدل على اطمئنان الداعي بصدق دعواه. وأنه على الحق. فالمجئ بالأبناء و النساء فيه أن قلب الإنسان يميل إليهم ويحبهم ويشفق عليهم. ويركب الأهوال والمخاطر في سبيل حمايتهم. ولذلك قدم البناء على النساء لأن محبة الإنسان بالنسبة إليهم أشد وأدوم.

 

فالمجئ بالأولاد والأحباب فيه تحدي للباطل وبأن الحق واثق من النصر. والنصارى بقبولهم هذا التحدي فإنما يضعون الحاضر والمستقبل فداء الماضي لا يعرفون عنه من كتبهم شيئا وهم في شك مريب من أحداثه. باختصار كان قدومهم بالأطفال والنساء من أجل الدفاع عن تراث الآباء خسارة كبيرة لهم وعندما وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الدعوة للمباهلة. جاء رحال النصارى. وكان طرف المحجة عند رسول الله هو قوله: إن الله لا إله غيره وأن المسيح عيسى عبده ورسوله.

 

أما الطرف الآخر من المحجة فكان عند النصارى وهو قولهم: إن عيسى هو الله. أو أنه ابن الله. أو أن الله ثالث ثلاثة. ولقد اتفقت الروايات وأصحاب التفاسير والتاريخ أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حضر للمباهلة ولم يحضر معه إلا علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)(20).

 

وأخرج ابن جرير أنه لما نزلت الآية: ﴿قُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ﴾ الآية أرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى علي وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين.

 

ودعا النصارى ليلا عنهم. فقال شاب منهم ويحكم أليس عهدتم بالأمس إخوانكم الذين مسخوا قردة وخنازير؟ لا تلاعنوا. فانتهوا. وفي رواية أخرى قال لهم أسقف نجران: يا معشر النصارى إني أرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها. فلا تباهلوا فتهلكوا فقالوا: يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك.

 

وفي رواية قال كبيرهم: إني قد رأيت خيرا من ملاعنتك. فقال النبي: وما هو؟ قال: حكمك اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح. فمهما حكمت فينا فهو جائز. فرجع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يلاعنهم وصالحهم على الجزية(21) وفي رواية قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): والذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران. ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير.

 

ولاضطرم عليهم الوادي نارا. ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على رؤوس الشجر(22).

 

ثم دعا الإسلام أهل الكتاب إلى كلمة سواء. كلمة عدل يستوي فيها الإنسان صاحب الفطرة السوية وهي أن لا يعبدوا إلا الله ولا يشركوا به شيئا ولا وثنا ولا صليبا ولا صنما ولا طاغوتا ولا شئ بل يفرد الجميع العبادة لله وحده لا شريك له. فإن رفض أهل الكتاب هذا فهم في طريقهم إلى عالم الطمس لا محالة. وفي حالة الرفض ينقطع بذلك خصامهم وحجاجهم. إذ لا حجة على الحق وأهله. وأخبرهم الإسلام أن تمسكهم بإبراهيم وطريقته وهم في طريق القهقري لا يدل إلا على الغباء لأن العقل يحكم أن الطهر والنقاء لا مكان له في عالم الرجس والشياطين يقول تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ / هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ / مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾(23).

 

قال المفسرون: ومحاجتهم في إبراهيم (عليه السلام). بضم كل طائفة إياه إلى نفسها. كأن تقول اليهود: إن إبراهيم (عليه السلام) الذي أثنى الله عليه في كتابه منا. فتقول النصارى: إن إبراهيم كان على الحق وقد ظهر الحق بظهور عيسى معه. ثم تتبدل المحاجة إلى اللجاج والعصبية. فتدعي اليهود أنه كان يهوديا وتدعي النصارى أنه كان نصرانيا. ومن المعلوم أن اليهودية والنصرانية إنما نشأتا جميعا بعد نزول التوراة والإنجيل. وقد نزلا جميعا بعد إبراهيم. فكيف يمكن أن يكون (عليه السلام) يهوديا. بمعنى المنتحل بالدين الذي يختص بموسى (عليه السلام). أو نصرانيا بمعنى المتعبد بشريعة عيسى (عليه السلام). فلو قيل في إبراهيم شئ لوجب أن يقال: إنه كان على الحق حنيفا من الباطل إلى الحق مسلما لله سبحانه.

 

والخلاصة 6 لقد تاجر الانحراف بالطهر والنقاء. فاليهود قالوا كان إبراهيم يهوديا. أما النصارى فنصرت إبراهيم. وقد جهلوا أن دين الله واحد. وهو الإسلام لله. واليهودية والنصرانية شعبتان من شعب كمال الإسلام الذي هو أصل والأنبياء (عليهم السلام) بمنزلة بناة هذا البنيان. لكل منهم موقعه فيما وضعه من الأساس ومما بنا عليه من هذا البنيان. لكل منهم موقعه فيما وضعه من جهلوا أنه لا يلزم من كون إبراهيم مؤسسا للإسلام. وهو الدين الأصيل الحق ثم ظهور دين حق باسم اليهودية أو النصرانية. هو اسم شعبة من شعب كمال ومراتب تمامه. أن يكون إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا. بل يكون مسلما حنيفا متلبسا باسم الإسلام. الذي أسسه وهو أصل اليهودية والنصرانية دون نفسهما.

 

والأصل لا تنتسب إلى فرعه. بل ينبغي أن يعطف الفرع عليه(24).

 

إن المتاجرة بورقة إبراهيم (عليه السلام) كان الهدف منها الوقوف في وجه النبي الأمي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي أعلن من يومه الأول أنه على خطى أبيه إبراهيم (عليه السلام). لقد رفعوا الأوراق أمام العامة يقولون فيها أنهم الأحق بإبراهيم. وعندئذ قام القرآن بتعريتهم. كي يعلم الخاص والعام. أن المتاجرة بإبراهيم وبإرث إبراهيم من النيل إلى الفرات ما هو إلا من علم الدجل الذي يصل إليه كل من ركب طريق الطمس.

 

المصدر:

1- الانحرافات الكبرى.

2- القرى الظالمة في القرآن الكريم.

 


1- سورة آل عمران / 103.

2- سورة النعام / 159.

3- سورة الحج / 39-40.

4- الميزان ج14 / ص384.

5- سورة البقرة / 190.

6- الميزان ح2 / ص61.

7- سورة الأنفال / 60.

8- سورة الأنفال / 45-47.

9- الميزان ج9 / ص96.

10- سورة الحج / 40.

11- سورة التوبة / 39.

12- سورة التوبة / 31.

13- سيرة المصطفى / هاشم معروف ط دار التعارف.

14- سورة آل عمران / 146.

15- سورة البقرة / 118.

16- الميزان ج1 / ص263.

17- سورة آل عمران / 59.

18- الميزان ج3 / ص212.

19- سورة آل عمران / 61.

20- الحديث رواه الإمام أحمد ومسلم والترمذي ورواه أبو نعيم في الحلية والبيهقي في الدلائل. وأورده ابن جرير في تفسيره وابن كثير، تفسير ابن كثير ج1 / ص370.

21- الميزان ج3 / ص234.

22- الميزان ج3 / ص232.

23- سورة آل عمران / 65-67.

24- الميزان ج3 / 353.