النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) -4

 

5- لبنات المجتمع الصالح:

لقد أيقظ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الفكر عند من أراد العودة إلى الله. وجعل قلوبهم عامرة بذكر الله ولم الدعوة مقتصرة على ضرب الانحراف والشذوذ بالحجج البالغة فقط. وإنما قدمت الدعوة البديل لا قامة المجتمع الصالح. الذي يحيا فيه الإنسان الحياة اللاشريفة وينال سعادته الحقيقة.

 

والأساس الذي أقامه الإسلام لبناء هذا المجتمع يقوم على التوحيد. ولبنات هذا الصرح العظيم تتكون من الأخلاق الفاضلة. وذلك لأن المعارف الحقيقة والعلوم المفيدة لا تكون في متناول البشر إلا عندما يصلح أخلاقه. فالشريعة الإسلامية التي جاء بها النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) تنطلق بالأخلاق وبوقود التوحيد بصائر للناس يميزون بها أي الطرق يسلكونها لتؤدي بهم إلى الحياة الكريمة في الدنيا والآخرة. وفي مكة وفي الوقت الذي كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ينادي على معسكرات الانحراف بخلع ثياب الأهواء وإلقاء أعلام سلف الضلال.

 

كان (عليه الصلاة والسلام) يتلو آيات البناء ومن هذه الآيات قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ / وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ إلى قوله تعالى: ­﴿وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ الْسُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾(1).

 

قال المفسرون: قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ﴾ بهذه الأحكام الثلاثة التي هي بالترتيب. أهم ما يقوم به صلب المجتمع الإنساني. لما أن صلاح المجتمع العام. أهم ما يبتغيه الإسلام في تعاليمه.

 

ولأن سعادة الفرد مبنية على صلاح الظرف الاجتماعي الذي يعيش هو فيه. وما أصعب أن يفلح فرد في مجتمع فاسد. أحاط به الشقاء من كل جانب. أهتم الإسلام في إصلاح المجتمع اهتماما لا يعادله فيه غيره. وبذل الجهد البالغ في جعل الدساتير والتعاليم الدينية حتى العبادات من الصلاة والحج والصوم اجتماعية ما أمكن فيها ذلك. كل ذلك ليستصلح الإنسان في نفسه ومن جهة ظرف حياته.

 

فقوله: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾ العدل هو المساواة في المكافأة. إن خيرا فخير. وإن شرا فشر. والإحسان أن يقابل الخير بأكثر منه والشر بأقل منه. وظاهر السياق أن المراد بالعدل في الآية هو العدل الاجتماعي.

 

وهو أن يعامل كل أفراد المجتمع بما يستحقه. ويوضع في موضعه الذي ينبغي أن يوضع فيه. وهذا أمر من الله بخصلة اجتماعية متوجه إلى الأفراد المكلفين.

 

بمعنى أن الله سبحانه يأمر كل واحد من أفراد المجتمع أن يأتي بالعدل. ولازم ذلك. أن يتعلق الأمر بالمجموع أيضا. فيكلف المجتمع إقامة هذا الحكم وتتقلده الحكومة بما أنها تتولى أمر المجتمع وتدبره. والإحسان من حيث السياق كسابق. فالمراد به الإحسان إلى الغير. والإحسان على ما فيه من صلاح حال من أذلته الفاقة وما فيه من نشر الرحمة وإيجاد المحبة. يعود محمود أثره إلى نفس المحسن. بدوران الثروة في المجتمع وجلب الأمن. وقوله: ﴿وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى﴾ أي إعطاء المال لذوي القرابة. وهو من أفراد الإحسان. خص بالذكر. ليدل على مزيد العناية بإصلاح هذا المجتمع الصغير. الذي هو السبب بالحقيقة لانعقاد المجتمع المدني الكبير. ومن المعلوم أن المجتمعات المدينة الكبيرة، إنما ابتدأت من مجتمع بيتي. عقده الزواج ثم بسطة التوالد والتناسل. ووسعه حتى صار قبيلة وعشيرة. ولم يزل يتزايد ويتكاثر. حتى عادت أمة عظيمة(2).

 

وقوله: ﴿وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ﴾ الفحشاء ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال. والمنكر ما لا يعرفه الناس في مجتمعهم من الأعمال التي تكون متروكة عندهم لقبحها أو إثمها. كالمواقعة أو كشف العورة في مشهد من الناس في المجتمعات الإسلامية. والبغي المراد به في الآية التعدي على الغير ظلما. وهذه الثلاثة: الفحشاء. المنكر. البغي. إذا أصابت مجتمع من المجتمعات ظهر الفعل الفاحش بين الأعمال المجتمعة فيه الصادرة من أهله.

 

فينقطع بعضها من بعض. ويبطل الالتئام بينها. وتفسد بذلك النظم. ويخل المجتمع في الحقيقة. وإن كان على ساقه. وفي ذلك هلاك سعادة الأفراد.

 

فالنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي. أمر بحسب المعنى. باتحاد مجتمع تتعارف أجزاؤه. وتتلاءم أعماله. لا يستعلي بعضهم على بعض بغيا، ولا يشاهد بعضهم من بعض إلا الجميل الذي يعرفونه، لا فحشاء ولا منكرا، وعند ذلك تستقر عليهم الرحمة والمحبة والألفة، وترتكز فيهم القوة والشدة، وتهجرهم السخطة والعداوة والنفرة. وكل خصلة سيئة تؤدي إلى التفرق والتهلكة. وختم الله تعالى الآية بقوله: ﴿يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ أي تتذكرون. فتعلمون أن الذي يدعوكم إليه. فيه حياتكم وسعادتكم(3).

 

ثم أمر سبحانه بالوفاء بالعهد وعدم نقص اليمين بعد أن جعلوا الله عليهم كفيلا. لأن نقص اليمين إهانة وإرزاء بساحة العزة والكرامة. مضافا إلى ما في نقص اليمين والعهد معا من الانقطاع والانفصال عنه سبحانه بعد توكيد الاتصال.

 

ثم أمر سبحانه أن لا يتخذوا أيمانهم وسيلة للغدر والخدعة والخيانة. يطيبون بها نفوس الناس ثم يخونون ويخدعونهم بنقضها. لأن من يفعل ذلك تزل قدمه بعد الثبوت. ويذوق العذاب بما صد عن سبيل الله بإعراضه وامتناعه عن السنة الفطرية التي فطر الله الناس عليها. ودعت الدعوة النبوية إليها من التزام الصدق والاستقامة ورعاية العهود والمواثيق والإيمان والتجنب عن الدغل والخدعة والخيانة والكذب والزور والغرور فمعنى الآية: ولا تتخذوا أيمانكم وسيلة دخل بينكم حتى يؤديكم ذلك إلى الزوال عما ثبتم عليه ونقض ما أبرمتموه، وفيه إعراض عن سبيل الله الذي هو التزام الفطرة والتحرز عن الغدر والخدعة والخيانة وبالجملة الافساد في الأرض بعد إصلاحها ويؤديكم ذلك إلى أن تذوقوا السوء والشقاء في حياتكم ولكم عذاب عظيم في الآخرة(4) فمن هنا يبدأ المجتمع الصالح ولقد جهر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بآيات الله التي تدعو لإقامة المجتمع. الصالح ولكن أبناء الانحراف كانوا يريدون كونا آخر يسير وفقا لأهوائهم.

 

وراحوا يحللون ويحرمون وفقا لمقاييس فقهاء الجمود والصد. وعلى طريق الطمس رفعوا أصواتهم بأن الإسلام دين جمود لأنه لا يساير جماهيرهم وما جماهيرهم إلا جماهير الغدر والكذب والخيانة والفساد في الأرض. لقد حرم آباؤهم من قبل ما لم يحرمه الله فتلى عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) القرآن ردا عليهم وفي نفس الوقت كان رده لبنة من لبنات المجتمع الصالح قال له تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ / قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾(5) ففي هذه الآيات ردا على ما فعلوه وما قالوا به فيما سبق هذه الآية من آيات. وفيها قواعد أساسية لإقامة المجتمع الصالح وفيها أخيرا ردا كافيا على من اتهم الإسلام بالجمود فيما بعد.

 

قال المفسرون: والمعنى: أن الله تعالى هدى الإنسان من طريق الفطرة إلى إيجاد أنواع الزينة التي يستحسنها مجتمعة ويستدعي انجذاب نفوسهم إليه وارتفاع نفرتهم واشمئزازهم عنه. فالله يخرج لهم الزينة. قد كانت مخبية خفية. بإظهارها لحواسهم. ولو كان الإنسان يعيش في الدنيا وحده في غير مجتمع من أمثاله. لم يحتاج إلى زينة يتزين بها قط. ولا تنبه للزوم إيجادها.

 

لأن ملاك التنبيه هو الحاجة. لكنه لما لم يسعه إلا الحياة في مجتمع من الأفراد. وهم يعيشون بالإرادة والكراهة والحب والبغض. والرضى والسخط. فلا محيص لهم من العثور على ما يستحسنونه وما يستقبحونه من الهيئات والأزياء. فيلهمهم المعلم الغيبي من وراء فطرتهم بما يصلح ما فسد منهم ويزين ما يشين منهم.

 

وهذه المسماة بالزينة من أهم ما يعتمد عليه الاجتماع الإنساني. وهي من الآداب العريقة التي تلازم المجتمعات. وتترقى وتنزل على حسب تقدم المدنية والحضارة. ولو فرض ارتفاعها من أصلها في مجتمع من المجتمعات. انهدم الاجتماع. وتلاشت أجزاءه من حينه، لأن معنى بطلانها، ارتفاع الحسن والقبيح، والحب والبغض، والإرداة والكراهة، ولا مصداق للاجتماع الإنساني عندئذ. وقوله: ﴿وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾ الطيب هو الملائم للطبع. وهي الأنواع المختلفة مما يرتزق به الإنسان بالتغذي منه. أو مطلق ما يستمد به في حياته وبقائه. كأنواع الطعام والشراب والمنكح والمسكن ونحوها. وقد جهز الله سبحانه الإنسان بما يحس بحاجته إلى أقسام الرزق. ويستدعي تناولها بأنواع من الشهوات الهائجة في بطنه. إلى ما يلائمها مما يرفع حاجته. وهذا هو الطيب والملاءمة الطبيعية.

 

وبناء حياة الإنسان السعيدة على طيبات الرزق غني عن البيان. فلا يسعد الإنسان في حياته من الرزق. إلا بما يلائم طباع قواه وأدواته التي جهز بها.

 

ويساعده على بقاء تركيبه الذي ركب به. وما جهز بشئ ولا ركب من جزء، إلا لحاجة له إليه، فلو تعدى في شئ مما يلائم فطرته إلى ما لا يلائمها طبعا.

 

اضطر إلى تتميم النقص الوارد عليه كالمنهوم الشره الذي يفرط في الأكل فيصيبه آفات الهضم. فيضطر إلى استعمال الأدوية المصلحة لجهاز الهضم. ولا يزال يستعمل ويفرط حتى يعتاد بها. فلا تؤثر فيه. فيصير إنسانا عليلا تشغله العلة عن عامة واجبات الحياة. وأهمها الفكر السالم الحر، والتعدي عن طيب الرزق يبدل الإنسان إلى شئ آخر. لا هو مخلوق لهذا العالم ولا هذا العالم مخلوق له.

 

وأي خير يرجى في إنسان يتوخى أن يعيش في ظرف غير ظرفه الذي أعده له الكون. ويسلك طريقا لم تهيئه له الفطرة. وينال غاية غير غايته. وهو أن يتوسع بالتمتع بكل ما تزينه له الشهوة والشره. ويصور له الخيال بآخر ما يقدر وأقصى ما يمكن.

 

والله تعالى يذكر في هذه الآية. أن هناك زينة أخرجها لعباده وأظهرها وبينها لهم من طريق الالهام الفطري ولا تلهم الفطرة إلا بشئ قامت حاجة الإنسان إليه. ولا دليل على إباحة عمل من الأعمال وسلوك طريق من الطرق أقوى من الحاجة إليه. بحسب الوجود والطبيعة الذي يدل على أن الله سبحانه. وهو الرابط بين الإنسان المحتاج وبين ما يحتاج إليه. بما أودع في نفسه من القوى والأدوات الباعثة له إليه. بحسب الخلقة والتكوين. والفطرة تقضي بالوسط العدل في الزينة وطيبات الرزق. لأن التعدي إلى أحد جانبي الافراط والتفريط.

 

فيه تهديد المجتمع الإنساني بالانحطاط. فما ظهر فساد في البر والبحر إلا عن إتراف الناس وإسرافهم في أمر الزينة أو الرزق(6). إن الاسراف فساد وقال تعالى في صدر الآية التي نحن بصددها: ﴿وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ / قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ ..﴾ وقال فيما قبل ذلك: ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ﴾.

 

أما قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾.

 

قال المفسرون: بعد أن بين الزينة والرزق الطيب. بين ما حرم الله. والفواحش هي المعاصي البالغة قبحا وشناعة. كالزنا واللواط ونحوهما. والإثم هو الذنب الذي يستعقب للإنسان تهلكة في جاهه وماله وعرضه ونفسه ونحو ذلك. والبغي هو طلب الإنسان ما ليس له بحق. كأنواع الظلم والتعدي على الناس والاستيلاء غير المشروع عليهم.

 

ولما كان صدر الآية إباحة الزينة وطيبات الرزق ويمكن أن يكون في هذا داعيا في نفس السامع. إلى أن يحصل على ما حرمه الله. ألقى الله سبحانه في هذه الآية جماع القول في ذلك. ولا يشذ عما ذكره شئ من المحرمات الدينية. وفي تنقسم بوجه إلى قسمين: ما يرجع إلى الأفعال وهي الثلاثة الأول. وما يرجع إلى الأقوال والاعتقادات وهو الأخيران. والقسم الأول منه: ما يرجع إلى الناس وهو البغي بغير الحق. ومنه غيره وهو أما ذو قبح وشناعة فالفاحشة وأما غيره فالإثم. والقسم الثاني: إما شرك بالله أو افتراء على الله سبحانه(7).

 

ما أعظم الرسالة الخاتمة. بثلاث آيات من سورة النحل وآيتين من سورة الأعراف وضعت قوائم المجتمع الصالح فما بالك بباقي آيات القرآن الكريم.

وما ذكرناه من الآيات مكي فما بالك بالآيات التي أقامت دولة في المدينة.

 

ومنها قوله تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ / وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ / وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾(8).

 

قال في الميزان: ومن شواهد أنها شرائع عامة، أنا نجدها فيما نقله الله سبحانه من خطابات الأنبياء أممهم في تبليغاتهم الدينية كالذي نقل من نوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وموسى وعيسى وغيرهم (عليهم السلام) .. على أن المتأمل فيها يعطى أن الدين الإلهي لا يتم أمره ولا يستقيم حاله بدون شئ منها. وإن بلغ من الاجمال والبساطة ما بلغ. وبلغ الإنسان المنتحل به من السذاجة ما بلغ(9).

 

فماذا كان موقف طابور الانحراف والصد من النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في مكة؟ ماذا فعلوا عندما كان يزيح أصنام التوثين من دائرة الفكر والوجدان كي يتدبروا في خلق السماوات والأرض بحرية الإنسان. وماذا فعلوا وهو يدلهم على الطريق الحق الذي لم يبصره سلفهم الغير صالح؟ هذا السلف الذي عكف على الفقه الشيطاني ليضع تعاريف لا تنتج إلا الإنسان المشوه روحيا. إن طابور الانحراف واجه الرسالة الخاتمة بكل قواه للصد عن سبيل الله.

 

6- الصد عن سبيل الله:

أولا: طرح قضية البشر الرسول:

لقد شكك الذين رفضوا الهدى في الرسول وفي القرآن وأثاروا قضية آبائهم التي ترفض البشر الرسول. يقول تعالى: ﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا / أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا﴾ ثم يطيب الله تعالى خاطر رسوله بعد الذي قالوه فيقول سبحانه: ﴿انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا / تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا﴾(10).

 

قال المفسرون: تعبيرهم عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) بقولهم: ﴿هَذَا الرَّسُولِ﴾ مع تكذيبهم برسالته مبني على التهكم والاستهزاء. وقولهم: ﴿مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ﴾ إن الرسالة لا تجامع أكل الطعام والمشي في الأسواق لاكتساب المعاش. فإنها اتصال غيبي لا يجامع التعلقات المادية وليست إلا من شؤون الملائكة. وقولهم: ﴿لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا﴾ أي كيف يكون هذا المدعي للرسالة رسولا وهو يأكل الطعام ويمشي في السواق والرسول لا يكون إلا ملكا منزها عن هذه الخصال المادية. فإن سلمنا برسالته وهو بشر.

 

فلينزل إليه ملك يكون معه نذيرا. ليتصل الانذار وتبليغ الرسالة بالغيب وسط الملك و﴿أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ﴾ أي إن لم ينزل إليه ملك. واستقل بالرسالة وهو بشر. فليلق إليه من السماء كنز. حتى يصرف منه في وجوه حوائجه المادية. ويكدح في الأسواق في اكتساب ما يعيش به. ونزول الكنز إليه أسهل من نزول الملك إليه ليعينه في تبليغ الرسالة ﴿أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا﴾ وإن لم يلق إليه كنز. فليكن له جنة يأكل منها. ولا يحتاج إلى كسب المعاش وهذا أسهل من إلقاء الكنز إليه.

 

﴿وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا﴾ المراد بالظالمين هم المقترحون السابقوا الذكر -كما قيل- وقولهم: ﴿إِن تَتَّبِعُونَ﴾ خطاب منهم للمؤمنين. تعبيرا لهم وإغواء عن طريق الحق. ومرادهم بالرجل المسحور النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). يريدون أنه مسحور. سحره بعض السحرة. فصار يخيل إليه أنه رسول. يأتيه ملك بالرسالة والكتاب. وقوله تعالى: ﴿انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾ محصلة: أنظر كيف وصفوك.

 

فضلوا فيك ضلالا لا يرجى معه اهتداؤهم إلى الحق. كقولهم إنه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق فلا يصلح للرسالة. لأن الرسول يجب أن يكون شخصا غيبيا لا تعلق له بالمادة! ولا أقل من عدم احتياجه إلى الأسباب العادية في تحصيل المعاش. وكقولهم: إنه رجل مسحور ﴿فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾ أي تفرع على هذه الأمثال التي ضربوها لك أنهم ضلوا ضلالا لا يستطيعون معه أن يردوا سبيل الحق. ولا يرجى لهم معه ركوبها ثانيا. وربما استدبرها فصار كلما أمعن في مسيره زاد منها بعدا.

 

ومن سمى كتاب الله بالأساطير ووصف رسوله بالمسحور ولم يزل يزيد تعنتا ولجاجا واستهزاء بالحق. كيف يرجى اهتداؤه وحاله هذه؟ وقوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا﴾ الإشارة في قوله: ﴿مِّن ذَلِكَ﴾ إلى ما اقترحوه من قولهم: ﴿أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا﴾ أو إلى مجموع ما ذكروه من الكنز والجنة. ولم يقل سبحانه: قل إن شاء ربي جعل كذا وكذا. بل عدل إلى قوله: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاء جَعَلَ لَكَ ..﴾ وفيه تلويح إلى أنهم لا يستحقون جوابا.

 

ولا يصلحون لأن يخاطبوا. لأنهم على علم بفساد ما اقترحوا به عليه. النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). لم يذكر لهم إلا أنه بشر مثلهم يوحى إليه. ولم يدع أن له قدرة غيبية وسلطنة إلهية على كل ما يريد أو يراد منه. أعرض سبحانه عن مخاطبتهم وعن الجواب عما اقترحوه. وإنما ذكر لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم).

 

أن ربه الذي اتخذه رسولا وأنزل عليه الفرقان ليكون للعالمين نذيرا. قادر على أعظم مما يقترحونه. فإن شاء جعل له خيرا من تلك جنات تجري من تحتها الأنهار، ويجعل له قصورا، لا يبلغ وصفها واصف، وذلك خير من أن يكون له جنة يأكل منها أو يلقى إليه كنز ليصرفه في حوائجه.

 

وبهذا المقدار يتحصل جوابهم فيما اقترحوه من الكنز والجنة. وأما نزول الملك إليه ليشاركه في الانذار ويعينه على التبليغ. فلم يذكر جواب عنه لظهور بطلانه. وقد أجاب تعالى في مواضع بأجوبة مختلفة(11):

 

منها: ﴿وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ / وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ﴾(12) إن الله لو أنزل عليهم ملك بالرسالة لم ينفعهم ذلك في رفع حيرتهم. فإن الله جاعل الملك عندئذ رجلا يماثل الرسول البشري. وهم لابسون على أنفسهم معه يتشككون. فإنهم لا يريدون بهذه المسألة إلا أن يتخلصوا من الرسول البشري. الذي هو في صورة رجل. ليبدلوا بذلك شكهم يقينا. وإذا صار الملك على هذا النعت -ولا محالة- فهم لا ينتفعون بذلك شيئا.

 

وبالجملة فإن الدعوة الإلهية. لا يستقيم أمرها إلا أن توضع على الاختيار الإنساني. من غير اضطرار وإلجاء. فالدار دار اختيار لا تتم فيها للإنسان سعادته الحقيقية إلا مسلوك مسلك الاختيار. واكتسابه لنفسه أو على نفسه ما ينفعه في سعادته ويضره. وسلوك أي الطريقين رضى لنفسه أمضى الله سبحانه له ذلك قال تعالى: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾(13) فإنما هي هداية وإراءة للطريق. ليختار ما يختاره لنفسه. من التطرق والتمرد. من غير أن يضطر إلى شئ من الطريقين ويلجأ إلى سلوكه. بل يحرث لنفسه ثم يحصد ما حرث. قال تعالى: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى / وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى / ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى﴾(14) فليس للإنسان إلا مقتضى سعيه. فإن كان خيرا أراه الله ذلك. وإن كان شرا أمضاه له. قال تعالى: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ﴾(15).

 

ولما كانت الدعوة الإلهية لا يستقيم أمرها إلا أن توضع على الاختيار الإنساني من غير اضطرار وإلجاء. فلا محيص عن أن يكون الرسول الحامل لرسالات الله أحدا من الناس. يكلمهم بلسانهم فيختاروا لأنفسهم السعادة بالطاعة، أو الشقاء بالمخالفة والمعصية. من غير أن يضطرهم الله إلى قبول الدعوة بآية سماوية يلجئهم إليه وإن قدر على ذلك كما قال: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ / إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾(16) فلو أنزل الله إليهم ملكا رسولا. لكان من واجب الحكمة أن يجعله رجلا مثلهم فيربح الرابحون باكتسابهم ويخسر الخاسرون. فيلبسوا الحق بالباطل على أنفسهم وعلى أتباعهم كما يلبسون مع الرسول البشري. فيمضي الله ذلك ويلبس عليهم كما لبسوا. قال تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾(17).

 

فإنزال الملك رسولا. لا يترتب عليه من النفع والأثر أكثر مما يترتب على إرسال الرسول البشري. ويكون حينئذ لغوا. فقول الذين كفروا: لولا أنزل إليه ملك. ليس إلا سؤال لأمر لغو. لا يترتب عليه بخصوصه أثر خاص جديد كما رجوا.

 

لقد أخرج كفار مكة ملفات بشرية الرسول التي دونتها الأمم السابقة. ولم يتفكروا ماذا حدث للأمم السابقة؟ لقد أخبرهم الرسول عن ربه: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ / قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾(18) لقد أخبرتهم الرسالة الخاتمة أن سؤالهم ورفضهم لبشرية الرسول ما هو إلا نسخة مكررة على لسان آبائهم من آلاف السنين وكانت الإجابة على ما طرحه آباؤهم تبدو بوضوح على ما تركوه من آثار.

 

ولكن الانحراف لا يفكر إلا بعقلية الانحراف لقد ركبوا سفينة سلفهم التي لا أمل في وصولها إلى بر الأمان. وكما تمنى قوم نوح أن تكون الرسالة في واحد من الأفاضل والأشراف فكذلك فعل أبناؤهم في معسكر الانحراف الذي عاصر الدعوة الخاتمة يقول تعالى: ﴿قَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ ثم يجيب تعالى على ما طلبوه فيقول لرسوله: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾(19).

 

قال المفسرون: مرادهم أن الرسالة منزلة شريفة إلهية لا ينبغي أن يتلبس به إلا رجل شريف في نفسه عظيم في قومه والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في نظرهم فاقد لهذه الخصلة.

 

فلو كان القرآن الذي جاء به وحيا نازلا من الله، فلو نزل على رجل عظيم من مكة أو الطائف كثير المال رفيع المنزلة. فرد الله تعالى قولهم.

ومحصله: أن قولهم هذا تحكم ظاهر ينبغي أن يتعجب منه.

 

فإنهم يحكمون فيما لا يملكون. هذه معيشتهم في الحياة الدنيا يعيشون ويرتزقون وهي رحمة منا. لا قدر لها ولا منزلة عندنا. وليس إلا متاعا زائلا. نحن نقسمها بينهم وهي خارجة عن مقدرتهم ومشيئتهم. فكيف يقسمون النبوة التي هي الرحمة الكبرى. وهي مفتاح سعادة البشر الدائمة والفلاح الخالد فيعطونها لمن شاؤوا ويمنعونها ممن شاؤوا. إنهم لا يملكون النبوة التي هي رحمة لله خاصة به حتى يمنعوك يا محمد منها ويعطوها لمن هووا. إن طابور الدفاع عن مقولات الآباء لم يفهم أن مقتضى العناية الإلهية هداية كل نوع من أنواع الخليقة إلى كماله وسعادته. والإنسان الذي هو أحد هذه الأنواع غير مستثنى من هذه الكلمة. ولا تتم سعادته في الحياة إلا بأن يعيش عيشة اجتماعية تحكم فيها قوانين وسنن تضمن سعادة حياته في الدنيا وبعدها. وترفع الاختلافات الضرورية الناشئة بين الأفراد.

 

وإذ كانت حياته حياة شعورية. فلا بد أن يجهز بما يتلقى به هذه القوانين والسنن. ولا يكفي في ذلك ما جهز به من العقل المميز بين خيره وشره. فإن العقل يعينه ويهديه إلى الاختلاف. فلا بد أن يجهز بشعور آخر يتلقى به ما يفيضه الله من المعارف والقوانين الرافعة للاختلاف الضامنة لسعادته وكماله. وهو شعور الوحي. الإنسان المتلبس به هو النبي(20) لم يفهم حملة أعلام السلف أن الذي يصلح لتلقي الوحي من الله هو الرسول، وأما غيره فهم محرومون من ذلك لعدم استعدادهم لذلك.

 

المصدر:

1- الانحرافات الكبرى.

2- القرى الظالمة في القرآن الكريم.

 


1- سورة النحل / 90-91.

2- الميزان: 330 / 12.

3- الميزان: 333 / 12.

4- الميزان: 338 / 12.

5- سورة الأعراف / 32-33.

6- الميزان: 80، 81 / 8.

7- الميزان: 86 / 8.

8- سورة الأنعام / 151-153.

9- الميزان: 373 / 7.

10- سورة الفرقان / 7-10.

11- الميزان: 186 / 15.

12- سورة الأنعام / 8-9.

13- سورة الإنسان / 3.

14- سورة النجم / 39-41.

15- سورة الشورى / 20.

16- سورة الشعراء / 3-4.

17- سورة الصف / 5.

18- سورة إبراهيم / 9-10.

19- سورة الزخرف / 31-32.

20- الميزان: 206 / 15.