الإسراء والمعراج معجزتان إلهيتان عظيمتان

﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾(1).

 

تستعرض هذه الآية الكريمة قصة الإسراء التي وقعت كإحدى المعاجز العظيمة لنبيّنا العظيم محمد (ص)، والإسراء هو السفر ليلاً وبحسب مصادر التاريخ أنّ الرسول الأعظم (ص) أُسْرِيَ به من دار السيدة أم هاني أخت الإمام المولى أمير المؤمنين (ع)، وكانت المسافة بين مكة والمسجد الأقصى بالقدس من بلاد فلسطين تقدر بأربعين ليلة وهي مسيرة القوافل، وهنا وجه الإعجاز الإلهي أو أحد وجوه الإعجاز. ولذلك نجد أنّ الآية الكريمة قد افتتحت بالتسبيح، والتسبيح لفظ يستخدم للتنزيه والتقديس، وهذا الافتتاح يوحي بأنّ الأمر الذي سيأتي بعد هذا اللفظ لهو أمر عظيم وليس فيه مجال للأخذ والرد أو التكذيب أو أن يرد عليه النقص .. فالله تعالى الخالق المدبر القادر .. لا يعجزه شيء وأنّ الذي يجوز على البشر لا يمكن تجويزه على الله تعالى، فللإنسان أن يتعجب من هذه القدرة ولكن ليدفعه عجبه إلى التأمل والتدبر في مقدرته سبحانه وتعالى، كما أنّ هذا اللفظ المستخدم للتنزيه والتقديس يمنع دخول الوسوسة الشيطانية في الأمر.

 

وقد يقال إنّ الإسراء معروف معناه بأنّه السفر ليلاً، فلماذا جاء في الآية؟ قالوا فيه أنّه يحتمل للدلالة على البعضية فجاء بلفظ التنكير بمعنى تقديري أنّ الإسراء كان في بعض من الليل ولم يكن طوال الليل، وقيل أيضًا إنَّ الإسراء هو السفر ليلاً ولكن ليس هذا المفهوم واضحًا عند الجميع، فدفعًا لهذا الأمر ولغرض التوضيح تمّ التنبيه عليه.

 

وقيل إنّ مجيء كلمة ﴿لَيْلاً﴾ هو للإشارة إلى أنّ الذهاب والإياب كان في الليل وهذا أحد الوجوه الإعجازية، فالرحلة التي يقطعها الناس في أربعين ليلة ذهابًا ومثلها إِيَابًا، قد أراد الله بقدرته لنبيّه أن يقطعها في ليلة واحدة أو جزء منها.

 

وقيل أيضًا إنَّه تأكيد على أنّ هذا الحدث قد تمّ في الليل والمعتاد أنّ في مثل هذه الأوقات تكون حركة التنقلات قليلة.

 

وكان مبدأ رحلته (ص) استنادًا للجمع بين الروايات من بيت السيدة أم هاني بنت أبي طالب أخت الإمام أمير المؤمنين (ع) ثم توجّه من هناك إلى المسجد الحرام فبدأت رحلته المقدسة، ومن المسجد الأقصى بدأت الرحلة العظمى وهي العروج إلى السماوات العلى وإراءته (ص) الآيات الكبرى ووصوله إلى سدرة المنتهى.

 

وقد أثيرت تساؤلات كثيرة حول هذه الرحلة، منها:

1- لماذا الإسراء؟ ألم يكن ممكنًا أن يتم العروج إلى السماء من مكة نفسها؟

2- هل كانت رحلة الرسول (ص) روحيّة أم جسديّة؟

 

فبخصوص الإشكال أو السؤال الأوّل، إنّ الإسراء كان بمثابة المقدمة الشاهدة على صدق الدعوى، كيف؟ إنّ العرب كانوا قد ألفوا طريق فلسطين والطرق الأخرى التي كانوا يسلكونها في رحلاتهم التجاريّة وهم على علم كامل بكل ما فيها كما أنّهم على علم تام بأنّ محمدًا (ص) لم يسلك هذا الطريق في حياته، وبالتالي إذا أخبرهم بمشاهداته التي يعرفونها يكون الأمر أقرب للتصديق، وبذلك تتهيّأ النفسيّة لقبول ما بعدها، والله العالم.

 

أما بخصوص الإشكال أو السؤال الثاني، فإنّ رحلة الرسول الأكرم (ص) في الإسراء والمعراج كانت بالروح والجسد، ولو كانت المسألة مقتصرة على السفر الروحي فقط لفقدت إعجازها أصلاً ولما استدعت افتتاح الآية الكريمة بلفظ التنزيه والتقديس، فلا يحتاج عرض الحلم أو الرؤيا إلى استباقه بلفظ سبحان الله أو سبحان... أو غير ذلك من التقديسات، ولأنّ العرب وغيرهم كانوا يألفون هذه المسائل فالنائم قد يرى في منامه أنّه قطع مسافات ووصل إلى بلدان كثيرة وتنطبع في ذهنه صورة تلك البلدان ولو إجمالاً ويرى مشاهد كثيرة وكل ذلك في ثوانٍ معدودات، فأين الإعجاز في رحلة الإسراء إن كانت المسافة التي تقطعها الروح مسافة أربعين ليلة في حين أنّ الروح في الحلم قد تقطع مسافة سنين.

 

وبالإضافة إلى ذلك، فإنَّ الأدلة تدل على أنّ الرحلة كانت جسمانيّة وبوعي كامل عنده (ص) ومن هذه الأدلة الشاهدة: صراحة ما تدل عليه كلمة (بعبده) الواردة في الآية وكذلك ما جاء في سورة النجم في الآيات 13-18 والتي عددت مشاهد ومقاطع من تلك الرحلة العظيمة وأشارت إلى حقيقة ﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى﴾(2).

 

----------------

1- سورة الإسراء / 1.

2- سورة النجم / 17.