الإنسان بين طريقي التزكية والفجور

﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا / فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا / قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا / وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾(1).

 

دسَّاها: أصلها من الدس وهو إدخال الشيء في الشيء بطريقة خفية، وكذلك الدسّ هو النمو غير الصَّالح. الآيات المباركات تخاطب الإنسان، وتقول له إن الفلاح والنجاح هو رهن الالتزام بطريق التزكية والطهارة والتقوى، وإنَّ الخسران المبين والخيبة العظمى هي في اتباع طريق الفجور والغواية، وأن لا عذر للإنسان فهو الذي يختار طريقه، فإن هو اتبع طريق التزكية ونمّى نفسه تنمية صالحة فاز وأفلح في الدنيا والآخرة، وإن هو أقحمها بطريق الكفر والخسران والدس فإن الخسارة في الدنيا والآخرة كذلك، ففي الدنيا يخسر إنسانيته؛ لأنه قد استسلم لغرائزه الحيوانية وجعلها هي السائق له وكان الشيطان له وليًّا مرشدا، وفي الآخرة غضب الله وسخطه عليه.

 

 وقد أشارت الآيات الكريمة إلى أن الله تعالى قد ألهم هذه النفس وعرّفها حقيقة الأعمال التي يرتكبها الإنسان، فبواسطة هذا الإلهام تميز ما هو تقوى مما هو فجور، وهذا الإلهام والتعريف لكي يستفيد الإنسان منه في بناء نفسه الخيرة، فيبتعد ويتجنب عن كل ما يؤدي به إلى الوقوع في هاوية الخسران، ويتجه نحو الخير والتزكية ليصنع من نفسه إنسانا عظيما يستحق المغفرة والرضوان، وذلك لأنه بتزكيته لنفسه عبر قيامه بالأعمال الصالحة التي أمره الله بها فإنَّه هو يتزود لآخرته، ويزرع في الدنيا ليحصد ثماره غدًا في الآخرة، ومن بين أعمال التزكية وأهمها هي الأخلاق الإنسانية العالية، وقد ورد عن الرسول الأعظم (ص) قوله: "إن أحبَّكُم إلى الله أحسنُكُم أخلاقًا، الموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون".

 

 وعنه (ص): "إن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل وإنه لضعيف العبادة"، وعنه (ص): "إن أثقل ما يوضع في ميزان المؤمن يوم القيامة خلق حسن".

 

أقبل على النفس واستكمل فضائلها ** فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان

 

1- سورة الشمس / 7- 10.