هجرة النبي الأكرم (ص)

إنّ نفراً من قريش اجتمعوا في "دار الندوة" وهي دار قصيّ بن كلاب، وتآمروا في أمر النّبي (ص) فقال عروة بن هشام: نتربص به ريب المنون، وقال أبوا البختري: أخرجوه عنكم تستريحوا من أذاه.

 

مقترح أبي جهل:

وقال أبو جهل: ما هذا برأي، ولكن أقتلوه بأن يجتمع عليه من كل بطن رجل فيضربوه، بأسيافهم ضربة رجل واحد .. فيرضى بنو هاشم حينئذٍ بالديّة، فصوّب إبليس هذا الرأي، وكان قد جاءهم في صورة شيخ كبير من أهل نجد، وخطّأ الأولّين.

 

فاتفقوا على هذا الرأي وأعدّو الرجال والسلاح.

 

علي (ع) يشري نفسه:

وجاء جبرئيل (ع) فأخبر النبي (ص) فخرج إلى الغار وأمَر علياً فبات على فراشه.

 

روى "الثعلبي" مفسّر أهل السنّة المعروف في تفسيره أن النبي (ص) لمّا أراد الهجرة إلى المدينة خلّف علي بن أبي طالب بمكة لقضاء ديونه وأداء الودائع التي كانت عنده وأمره ليلة خروجه من الدّار وقد أحاط المشركون بالدار أن ينام على فراشه وقال له: اتّشح ببردي الحضرمي الأخضر ونم على فراشي وإنّه لا يصل منهم إليك مكروه إن شاء الله تعالى. ففعل ذلك علي، فأوحى الله تعالى إلى جبرئيل وميكائيل إنّي آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر فأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة، فاختار كلاهما الحياة فأوحي الله تعالى إليهما: أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب آخيت بينه وبين محمّد فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة انزلا إلى الأرض فاحفظاه من عدوّه.

 

فنزلا فكان جبريل عند رأسه وميكائيل عند رجليه وجبرئيل يُنادي بخّ بخّ مَن مثلك يا علي يُباهي الله تبارك وتعالى بك الملائكة، فأنزل الله على رسوله وهو متوجّه إلى المدينة في شأن علي الآية ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾(1).

 

ولهذا سُمّيت هذه الليلة التاريخية بليلة المبيت، ويقول ابن عباس نزلت الآية في علي حين هرب رسول الله من المشركين إلى الغار مع أبي بكر ونام وعلي على فراش النبي.

 

ويقول (أبو جعفر الإسكافي)(2) "إنّ حديث الفراش قد ثبت بالتواتر فلا يجحده إلاّ مجنون أو غير مخالط لأهل الملّة"(3).

 

فلمّا أصبحوا وفتشوا عن الفراش، وجدوا عليّاً وقد ردّ الله مكرهم فقالوا: أين محمّد؟ فقال: لا أدري، فاقتصّوا أثره وأرسلوا في طلبه، فلمّا بلغوا الجبل ومرّوا بالغار رأوا على بابه نسجَ العنكبوت، فقالوا: لو كان ها هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه فمكث فيه ثلاثاً ثمّ قدم المدينة(4).

 


1- سورة البقرة / 207.

2- كما جاء في شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المجلّد (3) الصفحة (270).

3- ذكر صاحب الغدير ج2 / ص33 و55 أنّ ليلة المبيت رواها الغزالي في إحياء العلوم ج3 / ص238، والصفوي في نزهة المجالس ج2 / ص209، وابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمّة، والسبط ابن الجوزي الحنفي في تذكرة الخواص ص21، ومسند أحمد ج1 / ص38، وتاريخ الطبري ج2 / ص99-101، وابن هشام في السيرة ج2 / ص291، والحلبي في السيرة ج2 / ص29، وتارخ اليعقوبي ج2 / ص29.

4- الدر المنثور وفقاً لما نقل عنه صاحب المنار، ومجمع البيان ذيل الآية.