﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴾

قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز:

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا / وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا / إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا﴾(1)

ورد في كتب التفاسير ومجاميع روايات أهل البيت (ع) مجموعة من الروايات الدالة على فضائل أهل البيت (عليهم السلام) في تفسير معنى الآية السابقة المذكورة في سورة الإنسان نوجزها في ما يلي:

ورد في كتاب الكافي للشيخ الكليني (قدس الله نفسه الزكية)(2):

أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن محبوب عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن (عليه السلام) في قول الله عز وجل: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾(3): "الذي اخذ عليهم من ولايتنا".

جاء في موسوعة وسائل الشيعة (آل البيت) للحر العاملي (أعلى الله مقامه)(4):

عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق عن عبد العزيز بن يحيى الجلودي عن محمد بن زكريا عن شعيب بن واقد عن القاسم بن بهرام عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس وعن محمد ابن إبراهيم عن الجلودي عن الحسن بن مهران عن (مسلم بن خالد) (5).

عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) في قول الله عز وجل: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾(6).

قال: مرض الحسن والحسين وهما صبيان صغيران فعادهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعه رجلان، فقال أحدهما: يا أبا الحسن! لو نذرت في ابنيك نذرا إن عافاهما الله، فقال: أصوم ثلاثة أيام شكرا لله عز وجل، وكذلك قالت فاطمة، وكذلك قالت: جاريتهم فضة، فألبسهما الله عافية فأصبحوا صياما وليس عندهم طعام.

جاء في تفسير الميزان للفيلسوف الكبير السيد الطباطبائي (أعلى الله مقامه)(7):

وفيه عن أبي حمزة الثمالي في تفسيره قال: حدثني الحسن بن الحسن أبو عبد الله بن الحسن أنها مدنية نزلت في علي وفاطمة السورة كلها. وفي تفسير القمي عن أبيه عن عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله (عليه السلام).

قال: كان عند فاطمة (عليها السلام) شعير فجعلوه عصيدة(8) فلما أنضجوها ووضعوها بين أيديهم جاء مسكين .. فقال: مسكين رحمكم الله فقام علي (عليه السلام) فأعطاه ثلثا فلم يلبث أن جاء يتيم .. فقال: اليتيم رحمكم الله فقام علي (عليه السلام) فأعطاه الثلث ثم جاء أسير .. فقال: الأسير رحمكم الله فأعطاه علي (عليه السلام) الثلث وما ذاقوها.

فأنزل الله سبحانه الآيات فيهم وهي جارية في كل مؤمن فعل ذلك لله عز وجل.

أقول: القصة كما ترى ملخصة في الرواية وروى ذلك البحراني في غاية المرام عن المفيد في الإختصاص مسندا وعن ابن بابويه في الأمالي باسناده عن مجاهد عن ابن عباس، وباسناده عن سلمة بن خالد عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام)، وعن محمد بن العباس ابن ماهيار في تفسيره باسناده عن أبي كثير الزبيري عن عبد الله بن عباس، وفي المناقب أنه مروي عن الأصبغ بن نباتة. وفي الاحتجاج عن علي (عليه السلام) في حديث يقول فيه للقوم بعد موت عمر بن الخطاب: نشدتكم بالله هل فيكم أحد نزل فيه وفي ولده ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا﴾ إلى آخر السورة غيري؟ قالوا: لا. وفي كتاب الخصال في احتجاج علي على أبي بكر قال: أنشدك بالله أنا صاحب الآية ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا أم أنت؟ قال: بل أنت.

وورد في موسوعة بحار الأنوار للعلامة المجلسي (قدس سره)(9):

في بصائر الدرجات: عن محمد بن أحمد عن ابن يزيد عن ابن محبوب عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن (عليه السلام) في قول الله عز وجل: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾ قال: يوفون بالنذر الذي اخذ عليهم في الميثاق من ولايتنا(10).

وفي كتاب خصائص الوحي المبين(11):

قال الثعلبي: قوله عز وجل: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا / عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا﴾(12) قال هي عين في دار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تفجر إلى دور الأنبياء (عليهم السلام) والمؤمنين ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾ يعني عليا وفاطمة والحسن والحسين وجاريتهم فضة ﴿وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا / وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا / إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا﴾ يقول: على شهوتهم للطعام وايثارهم مسكينا من مساكين المسلمين، ويتيما من يتامى المسلمين، وأسيرا من أسارى المشركين. ويقولون إذا أطعموهم: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا / إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا / فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا / وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا﴾ قال: والله ما قالوا هذا بألسنتهم ولكنهم أضمروه في صدورهم، فأخبر الله عز وجل بإضمارهم يقولون: ﴿لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا﴾ فتمنون علينا به، ولكنا أعطيناكم لوجه الله تعالى وطلب ثوابه.

وجاء في كتاب الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل(13):

البرهان العظيم على فضيلة أهل بيت النبي:

قال ابن عباس: إن الحسن والحسين مرضا فعادهما الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في ناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك، فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما إن برئا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام (طبقا لبعض الروايات أن الحسن والحسين أيضا قالا نحن كذلك ننذر أن نصوم) فشفيا.

وما كان معهم شئ، فاستقرض علي (عليه السلام) ثلاث أصواع من شعير فطحنت فاطمة صاعا واختبزته.

فوضعوا الأرغفة بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل، وقال: السلام عليكم، أهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلا الماء وأصبحوا صياما.

فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه (وباتوا مرة أخرى لم يذوقوا إلا الماء وأصبحوا صياما).

ووقف عليهم أسير في الثالثة عند الغروب، ففعلوا مثل ذلك.

فلما أصبحوا أخذ علي بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع، قال: "ما أشد ما يسوؤني ما أرى بكم" فانطلق معهم، فرأى فاطمة في محرابها قد التصق بطنها بظهرها، وغارت عيناها، فساءه ذلك.

فنزل جبرئيل (عليه السلام) وقال: خذها يا محمد هنأك الله في أهل بيتك فأقرأه السورة.

وقيل: إن الذي نزل من الآيات يبدأ من: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا / عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا / يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا / وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا / إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا﴾ ومجموعها (18) آية.

ما أوردنا هو نص الحديث الذي جاء في كتاب "الغدير" بشئ من الاختصار كقدر مشترك وهذا الحديث من بين أحاديث كثيرة نقلت في هذا الباب، وذكر في الغدير أن الرواية المذكورة قد نقلت عن طريق (34) عالما من علماء أهل السنة المشهورين (مع ذكر اسم الكتاب والصفحة).

وعلى هذا، فإن الرواية مشهورة، بل متواترة عند أهل السنة(14).

واتفق علماء الشيعة على أن السورة أو ثمان عشرة آية من السورة قد نزلت في حق علي وفاطمة (عليهما السلام)، وأوردوا هذه الرواية في كتبهم العديدة واعتبروها من مفاخر الروايات الحاكية عن فضائل أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، واشتهارها كان مدعاة لذكرها في الأشعار حتى أنها وردت في شعر (الإمام الشافعي) وتثار عند المتعصبين هنا حساسيات شديدة بمجرد سماعهم رواية تذكر فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) فيعمدون إلى إثارة العديد من الإشكالات بهذا الشأن، ومنها:

1- ادعاؤهم مكية السورة، والحال أن القصة حدثت بعد ولادة الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام)، وما كانت ولادتهما إلا بالمدينة! وفي أيدينا دلائل واضحة كما بينا في شرح صدر السورة، إذ أن السورة تشير إلى أنها مدنية، وإن لم تكن بتمامها فإن (18) آية منها مدنية.

2- قولهم: إن لفظ الآية عام، فكيف يمكن تخصيص ذلك بأفراد معينين، ولكن عمومية مفهوم الآية لا ينافي نزولها في أمر خاص، وهناك عمومية في كثير من آيات القرآن، والحال أن سبب نزولها الذي يكون مصداقا تاما لها في أمر خاص، والعجب لمن يتخذ من عمومية مفهوم آية ما دليلا على نفي سبب النزول لها.

3- نقل بعضهم أسبابا أخرى لنزول هذه السورة لا تتفق مع السبب الذي ذكرناه في نزول الآية، منها ما نقله السيوطي في الدر المنثور قال: إن رجلا أسود كان يسأل النبي عن التسبيح والتهليل، فقال له عمر بن الخطاب: مه أكثرت على رسول الله، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "مه يا عمر" وأنزلت على رسول الله هل أتى(15). وفي الدر المنثور عن ابن عمر قال: جاء رجل من الحبشة إلى رسول الله فقال له رسول الله: "سل واستفهم"، فقال: يا رسول الله فضلتم علينا بالألوان والصور والنبوة، أفرأيت إن آمنت بما آمنت به وعملت بمثل ما عملت به إني لكائن معك في الجنة؟ قال: "نعم، والذي نفسي بيده، إنه ليرى بياض الأسود في الجنة من مسيرة ألف عام" ثم بين ما يترتب من الثواب لمن يقول لا إله إلا الله وسبحان الله وبحمده. ونزلت عليه السورة (هل أتى) (16). إن ما ذكر في هذه الروايات لا يتناسب مع مضمون آيات السورة، والمتوقع هو وضع هذه الرواية من قبل عمال بني أمية وتزويرها لدحض ما تقدم وما قيل في سبب النزول في حق علي (عليه السلام).

4- الإحتجاج الآخر الذي يمكن ذكره هنا: كيف يمكن لإنسان أن يصوم ثلاثة أيام ولا يفطر إلا بالماء؟! إن هذا الإشكال مدعاة للعجب، لأننا نرى تطبيق ذلك عند بعض الناس، إذ أن بعض المعالجات الطبية تستدعي الإمساك لمدة (40) يوما، ولا يتناول خلال الأربعين يوما إلا الماء، مما أدى ذلك إلى شفاء الكثير من الأمراض بهذه الطريقة، حتى أن طبيبا من الأطباء غير المسلمين يدعى (ألكسي سوفورين) كتب كتابا في باب الآثار المهمة في الشفاء من جراء الإمساك مع ذكر أسلوب دقيق لذلك حتى أن بعض زملاؤنا المشتركين معنا في تأليف كتاب التفسير الأمثل قضى إمساكا لمدة (22) يوما.

5- البعض الآخر أراد الاستهانة بهذه الفضيلة فجاء من طريق آخر كالآلوسي إذ يقول: إن قلنا إن هذه السورة لم ترد في حق علي وفاطمة لم ينزل من قدرهم وشأنهم شئ، لأن اتصافهم بالأبرار أمر واضح للجميع، ثم يبدأ بتبيان بعض فضائلهم فيقول: ماذا يمكن أن يقوله الإنسان في حق هذين العظيمين غير أن عليا (عليه السلام) أمير المؤمنين ووصي رسول الله، وأن فاطمة بضعة رسول الله، وأنها جزء من الوجود المحمدي، وأن الحسنين روحه وريحانتاه وسيدا شباب أهل الجنة، ولكن لا يعني ذلك ترك الآخرين، ومن يتبع غير هذا فهو ضال.

ولكننا نقول إننا إذا ما تغاضينا عن هذه الفضيلة، فإن عاقبة بقية الأحاديث ستكون بنفس المنوال، وربما يحين يوم ينكر فيه البعض جميع فضائل أمير المؤمنين وسيدة النساء والحسنين (عليهم السلام)، والملاحظ أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد احتج على مخالفيه في كثير من المواطن بهذه الآيات لتبيان حقوقه وفضائله وأهل بيته. ثم إن ذكر الأسير الذي أطعموه، خير دليل على نزول الآيات بالمدينة، إذ لم يكن للمسلمين أسير بمكة لعدم شروع الغزوات. والملاحظة الأخيرة التي لابد من ذكرها هنا هو قول بعض العلماء المفسرين ومنهم المفسر المشهور الآلوسي، وهو من أهل السنة قال: إن كثيرا من النعم الحسية قد ذكرت في السورة إلا الحور العين التي غالبا ما يذكرها القرآن في نعم الجنان، وهذا إنما هو لنزول السورة بحق فاطمة وبعلها وبنيها (عليهم السلام) وإن الله لم يأت بذكر الحور العين إجلالا واحتراما لسيدة نساء العالمين! لقد طال الحديث في هذا الباب إلا أننا وجدنا أنفسنا مضطرين لمجابهة وإبطال إشكالات المتعصبين وذرائع المعاندين.


1- سورة الإنسان / 7-9

2- ج1 / ص413

3- سورة الإنسان / 7.

4- ج23 / ص304.

5- في المصدر: مسلمة بن خالد.

6- سورة الإنسان / 7.

7- ج20 / ص133-134.

8- العصيدة: شعير يلت بالسمن ويطبخ.

9- ج26 / ص282.

10- بصائر الدرجات ص25 و26 والآية في سورة الإنسان 7.

11- الحافظ ابن البطريق ص179.

12- سورة الدهر / 5-6.

13- لآية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ج 19 / ص250-254.

14- نقلت هذه الرواية في كتاب الغدير ج3 / ص107 إلى 111 وفي كتاب إحقاق الحق ج3 ص157 إلى 171 عن 36 نفر من علماء أهل السنة مع ذكر المأخذ.

15- الدر المنثور ج6 / ص 297.

16- الدر المنثور ج6 / ص 297.