الدرس الثاني والعشرون

 

.: الوقف :.

 

آيات القرآن الكريم تختلف من حيث الطول والقصر، فبعض الآيات تصل إلى صفحة كاملة، والأخرى تقتصر بكلمة بل بحرفين اثنين، والإنسان كائن يتنفَّس هوائيًّا في الحالة الطبيعيَّة، وكما نعلم فإنَّ الصوت ليس له جهاز مستقلّ خاص به، بل هو مشترك مع الجهاز التنفسي والهضمي أيضًا، لذلك فإنَّ عمليَّة الوقف ما هي إلاَّ نتيجة طبيعيَّة سببها هو طلب الجهاز التنفُّسي التزوَّد بالهواء، ومن الطبيعي أنْ تتناسب نسبة الهواء في مرحلة الشهيق حسب طول الجملة المراد تأديتها. ولكن على قارئ القرآن أنْ يتخيَّر الجمل التامَّة التي لو وقف عليها كان المعنى واضحًا، ولكلِّ ذلك قمنا بتخصيص هذا الباب.

 

تعريف الوقف:

الوقف هو عبارة عن قطع الصَّوت زمنًا يسيرًا مع التَّنفس بنيِّة اسئناف القراءة.

 

أقسام الوقف:

يمكن تقسيم الوقف إلى ثلاثة أقسام؛ هي: الوقف باعتبار حال الواقف، الوقف باعتبار محلّ الوقف، الوقف باعتبار كيفيّة الوقف. وسنقتصر على دراسة القسم الأوّل والثاني فقط.

 

أوّلاً: الوقف باعتبار حال الواقف:

هذا القسم من الوقف ناظر إلى حال الشخص الذي يقرأ ثمّ يقف، وينقسم هذا القسم على أربعة أنواع، هي:

 

1- الوقف الاختياري: إذا قصده القارئ باختياره، مِنْ غَيْر عَرَض خارجي.

 

2- الوقف الاضطراري: إذا اضطرَّ القارئ للوقوف بسبب ضيق نفس أو غير ذلك.

 

3- الوقف الاختباري: عند سؤال ممتحِن أو تعليم متعلِّم.

 

4- الوقف الانتظاري: وهو الوقف عند كلمة فيها عدّة أوجه للقراءة، ثمَّ عطف الأوجه الأخرى عليها.

 

ثانيًا: الوقف باعتبار محلّ الوقف:

وهذا القسم يكون تابعًا للوقف الاختياري، ويكون تبعًا لموضع الوقف بالنسبة للكلمة الموقوف عليها. وله أهميّة عظمى في تلاوة كتاب الله المجيد، كيف لا وهذا أمير المؤمنين عليّ (ع) يقول عندما سئل عن قوله تعالى: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾المزمِّل فقال (ع): (هو تجويد الحروف ومعرفة الوقوف).

 

ويمكن تقسيم الوقف باعتبار محلّ الوقف إلى أربعة أقسام؛ هي:

 

1- الوقف التَّامَّ: وهو الوقف الذي لا يتعلَّق ما بعده بما قبله لفظًا (إعرابًا) ولا معنى.

ويكون الوقف التامّ في أواخر السور، أو عند انتهاء القصص، أو عند انتقال الآيات من موضوع لآخر.

ففي سورة هود من الآية 77 إلى 84: ﴿وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا... فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ {82} مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ {83} X وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ...﴾، علامة النجمة السوداء هي وقف تامّ، فواضح من الآيات الأولى أنَّها في صدد عرض قصَّة نبيِّ الله لوط (ع)، ثمَّ انتقلت بعد ذلك إلى قصّة النبي شعيب (ع) في الآية الأخيرة، فالمعنى إذًا ما بعد الوقف -وهو قصّة النبي شعيب (ع)- لم يتعلّق بما قبله -وهي قصّة النبي لوط (ع)-، ولم يتعلَّق الجزءان في اللَّفظ -أي الإعراب-

 

2- الوقف الكافي: ويكون الوقف الذي تعلّق ما قبله بما بعده معنىً لا لفظًَا.

ويكون هذا الوقف عندما يكون ما بعد الموقوف عليه يمثِّل نفس الموضوع الذي تحدَّث فيه ما قبل الوقف، ولكنَّه مصاغ بجمل جديدة لا علاقة بما قبلها في الإعراب.

ومثال الوقف الكافي الآية: ﴿والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ {4} X أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ﴾البقرة.

 

يبدو واضحًا أنَّ كلمة  ﴿أُوْلَئِكَ﴾ تتحدَّث عن الآية التي قبلها (قبل الوقف)، ففيها اشتراك في المعنى، ولكنَّ الجملة الثانية جملة جديدة لها أعرابها المنفصل عن الجملة الأولى.

 

3- الوقف الحسن: وهو الوقف الذي تعلّق ما قبله بما بعده لفظًا ومعنىً.

 

وينقسم الوقف الحسن باعتبار جواز الابتداء بما بعده إلى نوعَيْن:

 

(أ) جائز: وهو مثل الحسن غير الجائز في تعلّق المعنى واللفظ إلاَّ أنَّ هذا الوقوف يكون في نهاية آي القرآن الكريم، فيبتدئ القارئ بعد هذا الوقف بالآية التي تأتي بعد الآية الموقوف عليها.

 

(ب) غَيْر جائز: وهو الوقف الذي لا يكون تامًّا أو كافيًا أو ليس برأس آية، وعليه فإنَّ على القارئ بعد وقوفه أنْ يرجع قبل الكلمة الموقوف عليها بحيث تكون الجملة كاملة المعنى.

 

ومثال الوقف الحسن غير الجائز ?أي غير الجائز الابتداء بما بعده- يظهر في الآية: ﴿وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ X اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾يس. فمكان النجمة السوداء هو مكان الوقف الحسن غير الجائز، بمعنى أنَّه عندما تقف على ﴿يَا قَوْمِ﴾ فعلَيْك أن لا تبدأ بما بعدها حال الابتداء بعد الوقف، فيمكن أن تبدأ ب ﴿قَالَ﴾ وتكمل الآية. أمَّا إذا انتهى القارئ إلى ﴿الْمُرْسَلِينَ﴾ فإنَّه يباشر بعد ذلك قراءة الآية 21 التي بعدها دون الرجوع.

 

4- الوقف القبيح(1): وهو الوقف الَّذي لا يفهم منه المعنى المراد، أو قد يكون وقفًا يفسد المعنى الذي ترمي إليه الآية، أو أنَّه يؤدِّي إلى ما لا يليق.    

 

فمثال الذي لا يُفهم منه المعنى المراد: ﴿أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم X مَّبْعُوثُونَ﴾المطففين/4. فالنجمة السوداء هي الدالّة على الوقف القبيح، فلم يُفهَم عند الوقف على كلمة ﴿أَنَّهُم﴾ أيُّ شيء مراد مِن الآية الكريمة. وبشكل عامّ فإنَّ الوقوف على اسم ظنَّ وأخواتها دون خبرها، والوقوف على المبتدأ دون خبره، والحال دون صاحبه، والفعل دون فاعله، وغير ذلك ممَّا يفسد تركيب الجملة هو مِن الوقف القبيح.

 

ومثال الوقف الَّذي يفسد المعنى: ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى X يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾الأنعام/36. فهذا الوقف يشير إلى أنَّ الموتى يستجيبون، والآية تقصد أنَّ الموتى يبعثهم الله لا أنَّ الموتى يسمعون، فأوهم هذا الوقف معنىً فاسد -وإنْ كان الموضوع محلّ تأمّل-.

 

أمّا الوقف الَّذي يؤدِّي إلى ما لا يليق فهو: ﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ X إِلَّا اللَّهُ﴾آل عمران/62. فالوقف هذا وقف القبيح، إذ أنَّ العبارة تنفي وجود الله سبحانه وتعالى، تنزّه عن ذلك وعلا علوًّا كبيرًا.

 

(1) أضيف الوقف القبيح كقسم من أقسام الوقف الاختياري، لكي لا يقوم به القارئ.