لم قال: ﴿كُن فَيَكُونُ﴾ ولم يقل: (فكان)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

أورد أحد المستشرقين اشكالاً حاصله انَّه: ورد في القرآن في سورة آل عمران: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾(1)، أليس من المناسب أن يقول: (كن فكان) لأن الله تعالى يُخبِر عن فعلٍ قد مضى وليس عن أمرٍ مستمر حتى يأتي بالفعل المضارع. فما جوابكم؟

 

الجواب:

النكتة في استبدال الفعل الماضي بالفعل المضارع في الآية الشريفة هو أنَّ الفعل المضارع في المقام يُضيف معنىً لا يُفيده الفعلُ الماضي، فلو كانت الآية هي (كن فكان) لأفادت أن الوجود قد تحقَّق لعيسى بمجرَّد صدور الأمر ﴿كُن﴾ وهذا المعنى يُستفاد من قولِه تعالى: ﴿كُن فَيَكُونُ﴾ بالإضافة إلى معنىً آخر وهو أنَّ صدور الأمر ﴿كُن﴾ من الله تعالى يقتضي التحقُّق للوجود لا محالة.

 

فهذا المعنى لا يُستفاد من الفعل الماضي (كان) لأنَّ الفعل الماضي يحكي عن تحقُّق الشيء خارجاً، بقطع النظر عن انَّه اتفاقي أو دائمي وهذا بخلاف الفعل المضارع إذا جاء في هذا السياق فإنَّ مفاده انَّه كلَّما قال: كن فإنَّ المأمور بالكون يكون وذلك معناه حتمية وقوع الشيء الذي وقع متعلَّقًا للأمر بالكون.

 

فكأنَّ الآية أرادت أنْ تقول عن الله تعالى إنَّنا لمَّا قلنا لعيسى ﴿كُن﴾ فإنَّه يكون حتماً أي إنَّنا إذا أردنا شيئاً فإنَّ إرادتنا تكون نافذة قطعاً.

 

فالفعلُ المضارع أضفى على الإخبار بتحقُّق الوجود لعيسى معنىً زائداً وهو أنَّ الأمر الإلهيَّ التكويني إذا صدر فإنَّ متعلَّقه يكون حتميَّ الوقوع.

 

فتكون الآية قد احتفظت بما أرادت إفادته من الإخبار عن تحقُّق الوجود لعيسى (ع) وفي ذات الوقت أفادت معنىً زائداً وهو أنّ ذلك هو مقتضى طبيعة الأمر الإلهيِّ ﴿كُن﴾ حيث أنَّ مقتضاه هو حتميَّة نفاذ الأمر الإلهيِّ، فمعنى قولِه تعالى: ﴿ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ هو أنَّه تعالى قال له كن فهو كائن لا محالة.

 

ولذلك نقولُ: إنَّ من أراد أنْ يتعرَّف على معاني كلام العرب فضلاً عن القرآن الكريم يلزمُه أنْ لا يكتفي بمعرفة قواعد النحو بمنأى عن علم البيان والمعاني، فعلوم العربيَّة علومٌ مُتداخلة.

 

والحمد لله رب العالمين

 

من كتاب: شؤون قرآنية

الشيخ محمد صنقور


1- سورة آل عمران / 59.