الآيات 190 ? 193 من سورة البقرة

 

﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إنَّ اللهَ لاَيُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ* وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَآءُ الْكَافِرِينَ* فَإنِ انتَهُوْاْ فَإنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ* وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكوُنَّ الدِّينُ للهِ فَإنِ انتَهَوْاْ فَلاَ عُدْوَانَ إلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾

 

سبب النّزول

ذكر بعض المفسرين سببين لنزول الآية الاُولى من هذه الآيات محل البحث:

الأوّل: إنّ هذه الآية هي أوّل آية نزلت في جهاد أعداء الإسلامِ وبعد نزول هذه الآية شرع رسول الله (ص) في قتالهم إلاّ الكفّار الّذين لم يكونوا في حرب مع المسلمين، واستمرّ هذا الحال حتّى نزل الأمر (اقتلوا المشركين) الّذي أجاز جهاد وقتال جميع المشركين(1).

 

الثاني: من أسباب النزول ما ورد عن ابن عباس أنّ هذه الآية نزلت في صلح الحديبيّة، وذلك أنّ رسول الله (ص) لمّا خرج هو وأصحابه في العام الذي أرادوا فيه العمرة، وكانوا ألفاً وأربعمائة، فساروا حتّى نزلوا الحديبيّة فصدّهم المشركون عن البيت الحرام، فنحروا الهدي بالحديبيّة، ثمَّ صالحهم المشركون على أن يرجع النبي من عامه ويعود العام المقبل، ويخلوا له مكّة ثلاثة أيّام، فيطوف بالبيت ويفعل ما يشاء، فرجع إلى المدينة من فوره.

 

فلمّا كان العام المقبل تجهّز النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)وأصحابه لعمرة القضاء، وخافوا أن لا تفي لهم قريش بذلك وأن يصدّوهم عن البيت الحرام ويقاتلوهم، وكره رسول الله قتالهم في الشهر الحرام في الحرم، فأنزل الله هذه الآية لتبيح للمسلمين القتال إن بدأهم المشركون به.

 

والظاهر أن شأن النزول الأوّل يناسب الآية الاُولى، والثاني يناسب الآيات التالية،وعلى أية حال فإن مفهوم الآيات يدلّ على أنهانزلت جميعاً بفاصلة قصيرة.

 


1- بحثنا في هذا الموضوع ذيل الآية (12) من سورة الاسراء، وكذلك ذيل الآية (5) من سورة يونس. - تفسير الفخر الرازي، المجلد 5، ص 127.