حول تفسير سورة القدر الجزء الاول

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ / وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ / لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ / تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ / سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾(1)

صدق الله العلي العظيم

 

هذه السورة وصف لنـزول القرآن الكريم وتأثير القرآن الكريم على تاريخ البشر وعلى حياة الإنسان في كل مكان، ويقول المفسّرون في شأن نزول السورة أنّ النبي الكريم (ص) وجد في المنام، أو بشيء من الإلهام أحسّ بأنه بعد وفاته الخلافة تصبح بيد بني أمية، بنو أمية حكموا بعد رسول الله بعد خلافة الخلفاء الأربعة، وكان ابتداء الأمويين بمعاوية. أول الخلفاء فيهم.

 

وفي شكل هذه الرؤية خلاف في التفاسير أنه كيف وجد؟ ولكن في أصل الموضوع لا خلاف في تفاسير الشيعة، وموجود في تفسير "الدر المنثور" لـ "السيوطي"، وفي تفاسير أخرى.

 

في جميع التفاسير الموجودة عند أكثر المسلمين موجود هذا المبدأ أنّ رسول الله وجد أن بني أمية سوف يحكمون بلاده ويصعدون منبره، فحزن لذلك، فنـزلت هذه السورة المباركة.

 

لماذا رسول الله حزِن من حكم بني أمية؟ هل لأجل المنافسة التقليدية التي كانت بين بني هاشم وبني أمية؟ طبعاً لا، لأنّ الإسلام قضى على التعصب العائلي والتعصب القبلي والتعصب العنصري واعتبر أنّ الخلق سواسية كأنسان المشط وأن لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، ولا لأبيض على أسود، ولا لأحمر على أبيض. وهكذا.

 

قبل الإسلام كان الخلاف بين بني أمية وبني هاشم خلاف عنيف، ولكن هذا الخلاف سواء أكان الحق مع بني هاشم أو لم يكن، فبعد الإسلام النبي ما كان يحمل هذا الخلاف أبداً بأي وجه من الوجوه، بالعكس: كان (ص) يعتبر أنّ الجنة لمن أطاع الله، وأنّ النار لمن عصا الله، مهما كان السبب ومهما كانت القبيلة، ولهذا تجد في القرآن يذكر صراحة اسم عمه: تبت يدا أبي لهب وتب، أبو لهب هو عمّ النبي، ما فكّر أنّ هؤلاء بني هاشم لا يجوز شتمهم أو لا يجوز ذمّهم في القرآن، ولكن من بني أمية ما ذكر اسم أحد في القرآن: تأكيداً بأنه لا يفرّق بين بني هاشم وبني أمية إلا من جهة التقوى، فإذن: رسول الله ما حزِن لأجل الخلاف والكراهية بينهم وبين بني أمية، بل لأن بني أمية كانوا يتصورون أنّ الإسلام وسيلة لتحكم الهاشميين وأنّ الإسلام لعبة جاء بها رسول الله حتى يحكم..حتى يملك.. وسيلة للحكم وللسلطان، ولهذا يقول يزيد في شِعره:

 

لعبَت هاشم بالمُلك ** فلا خبر جاء ولا وحي نزل

 

لقد كانوا يفكرون أنّ الإسلام وسيلة للحكم، وسيلة للتحكم في رقاب الناس، ليس ديناً وليس رسالة ولا مبادئ، وسيلة للحكم والحكومة، هذا المعنى في ذهنهم كان يعني أنهم حاقدون على الإسلام، فرسول الله كان يفكر أنهم إذا حكموا وسيطروا على الخلافة فسوف يحرّفون الدين، وسوف يضيّعون ويُفسدون من الداخل، وهل هناك خطر أكثر من أنّ عدو الإنسان يكون في بيته؟ والحقيقة هكذا كان، وإذا استعرضنا تاريخ بني أمية نجد أنهم حاولوا بكل ما عندهم من القوة أن يقضوا على الإسلام، قتلوا المسلمين الأبرياء مثل "حجر بن عدي" و"عمر بن حمد"، كذلك النفي والتشريد كانوا يستعملونه بكل سهولة، وكانوا من أيام معاوية غيّروا الخلافة إلى المُلك، وحوّلوا بيت مال المسلمين إلى مال خاص للملك، وكوّنوا الجيش المرتزقة، مع أنّ الجيش الإسلامي ما كان جيش مرتزقة، كان رسالة وكان واجباً، وواجب كل مسلم أن يكون في الجيش بوقت الحاجة، هذا، وأباحوا أعراض الناس، وتصرفوا تصرفات شاذة، وقتلوا الإمام الحسين (ع)، وأغاروا على المدينة، وقتلوا فيها مقتلة كبيرة في أيام يزيد، وحاولوا هدم الكعبة، وهتكوا حرمة المسجد، كذلك فالوليد بن عبد الملك بعث جارية مومسة صلّت صلاة الصبح بالناس، وضرب القرآن بالنبال (قصة معروفة).

 

هذه المسائل مسجّلة في تاريخ بني أمية بشكل واضح، ووصلوا إلى درجة أعلنوا وكشفوا عن وجههم:

 

لعبَت هاشم بالمُلك ** فلا خبر جاء ولا وحي نزل

 

فإذن: بنو أمية كانوا ناويين للقضاء على الإسلام، والنبي تأثّر جداً بأنه كيف هذا التعب وهذا الجهد وهذه المشقة وهذا الأذى الذي تحمّله في سبيل الدعوة، كيف يزول؟.

 

فبعدما حزِن (ص) نزلت هذه السورة المباركة، وخلاصة السورة حسب هذا التفسير أنه يا رسول الله لا تحزن، صحيح أنهم يحكمون ألف شهر (يعني ثمانون سنة ونيفاً)، ولكن لا يتمكنون من القضاء على رسالتك، دينك باقٍ وإن أرادوا القضاء عليه، ولهذا الآية الكريمة تقول: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾، نحن أنزلنا القرآن في ليلة القدر، ما هي ليلة القدر؟ نفهم من ضمّ هذه الآية للآية الثانية التي تقول: شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن، نفهم من الآيتين أنّ ليلة القدر في شهر رمضان..

 

لماذا ليلة القدر؟ لأنّ ليلة القدر قُدّر فيها وحُدّد فيها الأحكام بواسطة القرآن، وُضعت حدود للحلال والحرام، تعيّن كل شيء، تبيّنت معالم الهداية وطرق الضلال، ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ / وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ﴾: هذا تعظيم، ليلة القدر خير من ألف شهر: هذه الليلة أحسن من ألف شهر (أيام حكم بني أمية)، ماذا يعني أحسن؟ يعني تأثير هذه الليلة على التاريخ وعلى حياة الإنسان أكثر من تأثير ألف شهر، يعني كل ما عملوا خلال ثمانين سنة أو ألف شهر.

 

هذه الليلة تقضي على كل أعمالهم، لا تحزن. هذا أصل الموضوع، ليلة القدر خير من ألف شهر.

 

قبل أن ندخل في وصف ليلة القدر هناك بحث آخر، هذا البحث حول كلمة نزول القرآن ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾، فإذن: القرآن نزل في ليلة القدر، ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ(في سورة أخرى)(2)، و شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن (في سورة أخرى)، فإذن: القرآن نزل في ليلة واحدة، مع أنّ الآثار والتواريخ تثبت بانّ القرآن نزل في خلال ثلاث وعشرين سنة طوال حياة النبي..

 

النبي صار عمره أربعين سنة، بدأ القرآن ينـزل ابتداءً من السورة التي سوف نقرؤها بعد هذه السورة: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾(3)، هذه أول آية نزلت على رسول الله (ص)، ثم استمر الوحي إلى آخر حياة رسول الله، في ثلاث وعشرين سنة كان القرآن ينـزل بالتدريج، كيف القرآن يقول: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾؟ ونحن نعلم أنّ القرآن نزل في ثلاث وعشرين سنة، هنا بحث بين المفسرين، قسم منهم يقول: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ يعني إنّا بدأنا بالإنزال، يعني: في هذه الليلة الأولى نزل ثم استمر إلى الآخر، يعني قالوا: القرآن نزل بالتدريج خلال ثلاث وعشرون سنة، لكن بدء النـزول كان في ليلة القدر، هذا وجه جمع.

 

قسم منهم قال: لا، آخر القرآن نزل في ليلة القدر، اكتمل القرآن، الإنزال الكامل حصل بهذه الليلة.

 

بعض التفاسير التي تستند إلى الروايات تقول أنه في ليلة القدر كان يعاد نزول القرآن الذي نزل خلال سنة، يعني: مثلاً، من أول هذه السنة لآخر هذه السنة كان ينـزل من القرآن آيات ووحي، كان في ليلة القدر يكرر جميع هذه الآيات على قلب رسول الله حتى لا يصير أخطاء أو يكون زلل بالنسبة لهذا الموضوع، فإذن: في خلال ثلاث وعشرين سنة وفي كل ليلة من ليالي القدر كان يكرر كل هذا الشيء.

 

رأي آخر يرتئيه أستاذنا العلاّمة الطباطبائي (صاحب تفسير الميزان): يعتقد أنّ القرآن له نوعان من النـزول: نوع دفعي، ونوع تدريجي، والقرآن يسمّي النوع الدفعي بالإنزال، ويسمّي النوع التدريجي بالتنـزيل، ولهذا القرآن أحياناً يستعمل ويقول: ونزّلنا عليك الكتاب، ونزّلناه تنـزيلا، وأحياناً يستعمل كلمة أنزلناه، والإنزال هو النـزول الدفعي، والتنـزيل هو النـزول التدريجي، ويستند (أستاذنا) إلى بعض المصطلحات عند العرب والى بعض الشِعر والى بعض مصطلحات باب التفعيل وباب الإفعال حتى يثبت هذا المبدأ، فيقول أنّ القرآن نزل دفعة واحدة في ليلة القدر على قلب النبي، فالنبي عرِف كل شيء وأصبح نبياً، ثم: هذا القرآن الذي كان (ص) يعرفه ما كان مكلّفاً بقوله وقراءته للناس.

 

تنـزيلا، يعني: آية تلو آية، فيكلّف بالقراءة، مفهوم؟ مثل ما أنت تعطيني هذا الكتاب وتقول لي: أحفظه عندك، ثم في اليوم الثاني صباحاً تقول لي: إقرأ قسماً منه للناس، وهكذا.

 

فالقرآن نزل على رسول الله دفعة واحدة، ثم كان يكلَّف بمناسبات، ومقابل الأسئلة كان يكلَّف بالجواب بنـزول آخر في شكل التنـزيل، مفهومة هذه العبارات؟ العبارات واضحة؟ وكان أستاذنا يستند إلى بعض الآيات القرآنية التي كانت تشير إلى أنّ النبي كان يعرف القرآن قبل القراءة ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾(4)، ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ / إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ / فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾(5).

 

ولا تعجل بالقرآن: آية أخرى إذاً، من هذه الآيات يبدو أنّ النبي (ص) كان يعرف القرآن، لكن ما كان مكلفاً بإلقاء هذه الآيات وبتوضيح هذه الآيات إلا بعد الأمر، فإذن: القرآن له إنزال دفعة واحدة، وله تنـزيل بالتدريج، ومما يؤيد هذا الرأي بعض التفاسير وبعض الروايات التي تقول أنّ القرآن نزل في ليلة القدر إلى البيت المعمور أو إلى السماء الدنيا أو إلى المراحل التي يعبّرون عنها بالمراحل التي هي قريبة إلى ذهن المستمعين، والحقيقة أنه كان النـزول على قلب النبي الذي هو السماء الدنيا (بالتعبير الأدبي)، لكن نستطيع أن نقول باعتبار أنه قمة التفسير البشري، لأن الإنسان جسمه أرضه، وفكره سماؤه، أليس كذلك؟.

 

وقمة الفكر البشري محمد (ص)، فإذن ممكن أن يعبَّر عنه بسماء الدنيا.

 

يعني: نزل القرآن الكريم على الأرض من القمة بهذا الوقت، وبالتدريج بدأ يقدّم للناس وأمثال ذلك، على كل حال: أنا عرضت هذا الرأي كرأي، ولا شك أنه الواحد لا يتمكن أن يؤكد ما هي الحقيقة، وأنتم بإمكانكم أن تدرسوا الموضوع وتتخذوا رأياً ما في هذا السبيل.

 

فإذن: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾، أنزلناه إما معناه أول آية، أو معناه آخر آية، أو معناه كل سنة مرة، أو معناه الإنزال والتنـزيل بالدفع التدريجي والنـزول الدفعي، ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾، لا شك أنه ضميـر، ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ﴾ يكون فيه تعظيم لأن الضمير قد يُستعمل في التعظيم، لا نسمّيه، ولكن نقول: هو جاء، جاء الرجل، جاء.

 

الضمير مع أنه غير مذكور بالآية إسم القرآن: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ﴾، أين كلمة القرآن؟ نوع من التعظيم والتفخيم، في ليلة القدر، ما هي ليلة القدر؟ حسبما قلنا: ليلة القدر يعني ليلة نزول القرآن باعتبار أنّه في ليلة نزول القرآن قُدّر كل شيء وتحدّد كل شيء وتبيّنت معالم كل شيء واتضحت طرق الهداية والضلال، بناءً على هذا: نحن لماذا نحتفل بليلة القدر كل سنة؟ باعتبار أنها أعظم ليلة في تاريخ الإنسان، ليلة تبيّن كل شيء، ولهذا نحتفل بها احتفالنا بيوم مولد النبي أو بعيد الأضحى أو بعيد الفطر.هذا معناه..

 

ولكن ظاهر كثير من الروايات أنّ ليلة القدر مستمرة بعد النبي (ص)، لو كانت ليلة القدر ليلة نزول القرآن فقط كانت انتهت بوفاة النبي، لكن ظاهر الروايات أنّ ليلة القدر مستمرة حتى بعد وفاة النبي، ولهذا يجب أن نعطيها تفسيراً آخر غير هذا التفسير، أو نعطي تفسيرين، لا يمنع.

 

ويكون كلا التفسيرين موجودين، لأن الوجه الأول ليس فقط يُفهم من الآية: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾، بل يُفهم من آية أخرى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ / فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ / أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ / رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾(6).

 

﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾: وصف لهذه الليلة، إنّا كنّا منذِرين، يعني: في هذه الليلة أنذرنا البشر من الأخطاء والانحرافات والضلال، يفرق كل أمرٍ حكيم: أمر حكيم، أيّ أمرٍ محكم؟ أمراً من عندنا، الأمور التي هي من عندنا، أيّ الأمور التي هي من عند الله؟ الأحكام الشرعية، لأنه قارنها بـ إنّا كنّا مرسلِين وإنّا كنّا منذِرين، وهكذا: رحمة من ربك إنه هو السميع العليم، وهذه الآية صريحة بأنه في هذه الليلة (التي يعبّر عنها القرآن بالليلة المباركة) الأحكام الإلهية تحدّدت، فتكون شبيهة بيوم الدستور، بيوم الاستقلال عند الشعوب والأمم، هذا التفسير حقيقي، لكن يمكن أن يكون له معنى آخر..

 

لأنه لو كان هذا المعنى (فقط) لكان ينتهي بعد الرسول، ولهذا المفسّرون حاولوا أن يجدوا معنى آخر لليلة القدر، بلا شك أنّ تفسير ليلة القدر إما للقيمة العظيمة التي للقدر أو للتقدير والتحديد الذي يتحدد في هذه الليلة بالنسبة لقضية الحلال والحرام.

 

أما المعنى الثاني في هذه الليلة فهو هذا المعنى الشائع الذي يقول أنّ في ليلة القدر يستجاب الدعاء وتُكتب الأعمار والأرزاق وتُحدد سعادة الإنسان وشقاء الإنسان، وهناك روايات كثيرة باستجابة الدعاء وبأنّ إدراك ليلة القدر والسعي لإدراكها له أثر كبير في حياتنا وسعادتنا، هذا المعنى الثاني الذي يقال.

 

الحقيقة بهذا الشكل من المعنى الشائع عند الناس لا شك أنه إذا ورد فيه روايات نحن نخضع لهذا المعنى، ولكن بإمكاننا أن نوجّه ونوضح هذا المعنى بشكل آخر يكون أقرب إلى الطرق الإسلامية في التفكير وأقرب إلى الروايات وبنفس الوقت أقرب إلى المنطق.

 

اليوم شخص يموت لمرض سابق لهذه الليلة، ربما أسبابه من أربع أو خمس سنوات أو أربعة أو خمسة أشهر وسبّب له الوفاة، ما مات لأجل حادث في هذه الليلة، وهكذا الأرزاق: اليوم كل واحد منا يعيش، لا نعيش على أساس الشغل الذي عملناه في ليلة القدر، بل نعيش على أساس أشغال قديمة، بدأنا بالهجرة أو الدراسة أو الأعمال منذ مدة طويلة.

 

اشتغلنا، والآن صرنا نرى نتيجة لهذه النشاطات التي عملناها.

 

كذلك: السعادة والشقاء، ليس أنّ الإنسان خلال هذه الفترة دفعة واحدة يتحول إلى السعادة أو دفعة واحدة يتحول إلى الشقاء، هذا يبدو بعيداً عن ذهن الإنسان، ولهذا يجب أن نعطيه تفسيراً معقولاً، وبنفس الوقت لا نخرج عن الإطار المتناسب للمعنى القرآني وللمعنى الإسلامي فيه، ولهذا أنا أذكر معنيين، المعنى الأول يعود إلى موضوع استجابة الدعاء، وسوف أتكلم إنشاء الله في الليلة القادمة عن الدعاء واستجابة الدعاء وتأثيره في حياة الإنسان، والمعنى الثاني يعود إلى معنى الصيام، فالصيام هو الذي يقرر مصير الإنسان، والصيام يكتمل وينمو في العُشر الأخير أو في السُبع الأخير، وفي الحقيقة أنّ الصيام هو سر ليلة القدر وباعث ليلة القدر وسبب وجود ليلة القدر في داخل رمضان، وهذا يُفهم من الآية التي تربط بين الصيام وبين القرآن: شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن، وفي آية الصيام: كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم..

 

في هذه الآيات، وحينما يذكر القرآن موعد الصيام (شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن) فإنه يقرن شهر رمضان بنـزول القرآن، حتى أنه يربط بين نزول القرآن وبين الصيام، هل هناك علاقة ورابطة؟ هذا الشيء سنذكره في الليلة القادمة إنشاء الله..

 

في هذه الليلة نكتفي بهذا المقدار باعتبار أنّ سورة ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ﴾ من أهم سور القرآن، وكانت تُقرأ في أكثر الصلوات التي كان يقرؤها أئمتنا، وسورة ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ﴾ كثير كانوا يهتمون بها، ولهذا سوف نفصّل في تفسيرها في مناسبة ليلة القدر.

 

غفر الله لنا ولكم.

 

1- سورة القدر.

2- سورة الدخان / 3.

3- سورة العلق / 1.

4- سورة طه / 114.

5- سورة القيامة / 16-18.

6- سورة الدخان / 3-6.