سبب نزول الآيتين (11-12) من سورة الحجرات

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {الحجرات/11} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ {الحجرات/12}﴾

سبب النّزول

ذكر المفسّرون لهاتين الآيتين شأناً "في نزولهما" بل شؤوناً مختلفة، منها أنّ جملة (لا يسخر قومٌ من قوم) نزلت في "ثابت بن قيس" خطيب النّبي (ص) الذي كان ثقيل السمع وكان حين يدخل المسجد يجلس إلى جنب النّبي ويُوّفَر له المكان عنده ليسمع حديث النبي، وذات مرّة دخل المسجد والمسلمون كانوا قد فرغوا من صلاتهم وجلسوا في أماكنهم، فكان يشقّ الجموع ويقول: تفسّحوا، تفسّحوا حتى وصل إلى رجل من المسلمين فقال له: اجلسْ (مكانك هنا) فجلس خلفه مُغضَباً حتى انكشفت العُتمة فقال ثابت لذلك الرجل: من أنت فقال: أنا فلان فقال له: ثابت ابن فلانة؟! وذكر اسم أُمّه بما يكره من لقبها... وكانت تعرف به في زمان الجاهلية فاستحيى ذلك الرجل وطأطأ برأسه إلى الأرض، فنزلت الآية ونهت المسلمين عن مثل هذا العمل... وقيل إنّ جملة (ولا نساء من نساء) نزلت في أُمِّ سلمة إحدى أزواج النّبي (ص) لأنّها كانت تلبس لبوساً خاصاً أو لأنّها كانت قصير فكانت النساء يسخرن منها، فنزلت الآية ونهت عن مثل هذه الأعمال!.

وقالوا إنّ جملة (ولا يغتب بعضكم بعضاً) نزلت في نفرين من الصحابة اغتابا صاحبهما "سلمان" لأنّهما كانا قد بعثاه نحو النّبي (ص) ليأتيهما بطعام منه، فأرسل النّبي سلمان نحو "أسامة بن زيد" الذي كان مسؤول بيت المال فقال أسامة ليس عندي شيء الآن... فاغتابا أسامة وقالا إنّه بخيل وقالا في شأن سلمان: لو كنّا أرسلناه إلى بئر سميحة لغاض ماؤها "وكانت بئراً غزيرة الماء" ثمّ انطلقا ليأتيا أسامة وليتجسّسا عليه، فقال لهما النّبي (ص) إنّي أرى آثار أكل اللحم على أفواهكما: فقالا يا رسول الله لم نأكل اللحم هذا اليوم فقال رسول الله: أجل تأكلون لحم سلمان وأسامة.

فنزلت الآية ونهت المسلمين عن الإغتياب (1).


1- راجع تفسير مجمع البيان، ج9، ص135، والقرطبي في تفسيره، إذ ذكر هذا الشأن مع شيء من التفاوت.