سبب نزول الآيات (1-2-3) من سورة الممتحنة

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ {الممتحنة/1} إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ {الممتحنة/2} لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {الممتحنة/3}﴾

 

سبب النّزول:

صرّح أغلب المفسّرين (لكن بإختلاف يسير) بأنّ هذه الآيات - أو الآية الاُولى بصورة أخصّ - نزلت في حاطب بن أبي بلتعة.

 

وفي هذا الصدد نذكر ما أورده العلاّمة الطبرسي في مجمع البيان حول ذلك حيث يقول: "إنّ سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هشام أتت رسول الله(ص)من مكّة إلى المدينة بعد بدر بسنتين، فقال لها رسول الله (ص): أمسلمة جئت؟ قالت: لا.

 

 قال: أمهاجرة جئت؟ قالت: لا، قال: فما جاء بك؟ قالت: كنتم الأصل والعشيرة والموالي وقد ذهب موالي واحتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطوني وتكسوني وتحملوني.

 

 قال: فأين أنت من شباب مكّة؟ وكانت مغنية نائحة، فقالت: ما طلب منّي بعد وقعة بدر (وهذا يدلّ على عمق النازلة التي نزلت بمشركي قريش في بدر) فحثّ رسول الله (ص) عليها بني عبدالمطلّب فكسوها وحملوها وأعطوها نفقة، وكان رسول الله (ص) يتجهّز لفتح مكّة، فأتاها حاطب بن أبي بلتعة وكتب معها كتاباً إلى أهل مكّة وأعطاها عشرة دنانير وكساها برداً على أن توصل الكتاب إلى أهل مكّة وكتب في الكتاب: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكّة إنّ رسول الله يريدكم فخذوا حذركم.

 

 فخرجت سارة ونزل جبرائيل فأخبر النبي (ص) بما فعل، فبعث رسول الله (ص) علياً وعمّاراً وعمر والزبير وطلحة والمقداد بن الأسود وأبا مرثد وكانوا كلّهم فرساناً وقال لهم: انطلقوا حتّى تأتوا روضة خاخ فانّ بها ظعينة معها كتاب من حاطب إلى المشركين فخذوه منها، فخرجوا حتّى أدركوها في ذلك المكان، فقالوا لها أين الكتاب؟ فحلفت بالله ما معها من كتاب، فنحوها وفتّشوا متاعها فلم يجدوا معها كتاباً، فهمّوا بالرجوع، فقال علي (ع): والله ما كذّبنا ولا كذّبنا، وسلّ سيفه وقال: أخرجي الكتاب وإلاّ والله لأضربنّ عنقك.

 

 فلمّا رأت الجدّ أخرجته من ذؤابتها، فرجعوا بالكتاب إلى رسول الله (ص)، فأرسل إلى حاطب فأتاه، فقال له: هل تعرف الكتاب؟ قال: نعم، قال: فما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رسول الله والله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ نصحتك، ولا أحببتهم منذ فارقتهم، ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلاّ وله بمكّة من يمنع عشيرته وكنت عريراً فيهم (أي غريباً) وكان أهلي بين ظهرانيهم فخشيت على أهلي فأردت أن أتّخذ عندهم يداً، وقد علمت أنّ الله ينزل بهم بأسه وأنّ كتابي لا يغني عنهم شيئاً.

 

 فصدّقه رسول الله (ص)وعذره، فقام عمر بن الخطاب وقال: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فقال رسول الله (ص) وما يدريك يا عمر لعلّ الله اطّلع على أهل بدر فغفر لهم فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.

 

 وكيفية العلاقة التي يجب أن تتحكّم بين المسلمين من جهة، والمشركين وأعداء الله من جهة اُخرى، والتأكيد على إلغاء وتجنّب أي ولاء مع أعداء الله(1).

 

1- قرأها البعض "ممتحنة" بفتح الحاء وذلك بسبب حالة التمحيص والإمتحان للنسوة المهاجرات، وقرأها آخرون ممتحنة - بكسر الحاء - وذلك لأنّ موضوعات السورة - أجمع - كانت وسيلة للإمتحان والتمحيص.