سبب نزول الآية (105) من سورة النساء

 

﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا، وَاسْتَغْفِرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾

 

والآية نزلت في بني أبيرق كانوا ثلاثة أخوة بشر وبشير ومبشر وكان بشر يكنى أبا طعمة فنقبوا على عم قتادة بن النعمان وأخذوا له طعاما وسيفا، ودرعا فشكى ذلك إلى ابن أخيه قتادة وكان قتادة بدريا فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فذكر له القصة، وكان معهم في الدار رجل يقال له لبيد بن سهل وكان فقيرا شجاعا مؤمنا، فقال بنو أبيرق لقتادة هذا عمل لبيد بن سهل، فبلغ لبيدا ذلك، فاخذ سيفه وخرج إليهم. وقال يا بني أبيرق أترموني بالسرق وأنتم أولى به مني، وأنتم المنافقون تهجون رسول الله وتنسبون إلى قريش لتبنين ذلك أو لأضعن سيفي فيكم فداروه. وقالوا: ارجع رحمك الله فأنت برئ من ذلك. وبلغهم ان قتادة مضى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فمشوا إلى رجل من رهطهم يقال له أسير بن عروة، وكان منطيقا لسنا فأخبروه، فمشى أسير إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في جماعة، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله إن قتادة بن النعمان رمى جماعة من أهل الحسب منا بالسرق واتهمهم بما ليس فيهم وجاء قتادة إلى النبي صلى الله عليه وآله فاقبل عليه النبي صلى الله عليه وآله، وقال عمدت إلى أهل بيت حسب ونسب رميتهم بالسرق وعاتبه فاغتم قتادة ورجع إلى عمه، فقال: ليتني مت ولم أكن كلمت رسول الله صلى الله عليه وآله فقد قال لي ما كرهت، فقال عمه الله المستعان، فنزلت هذه الآية (ومن يكسب خطيئة أو اثما ثم يرمي به بريئا) (1) يعني لبيد بن سهل حين رماه بنو أبيرق بالسرق " فقد احتمل بهتانا واثما مبينا " إلى قوله: (وكان فضل الله عليك عظيما) (2) فبلغ ذلك بني أبيرق فخرجوا من المدينة، ولحقوا بمكة وارتدوا لهم يزالوا بمكة مع قريش فلما فتح مكة هربوا إلى الشام فأنزل الله فيهم (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى) (3) إلى آخر الآيات. ولما مضى إلى مكة نزل على سلامة بنت سعد ابن شهيد امرأة من الأنصار كانت ناكحا في بني عبد الدار بمكة فهجاها حسان، فقال:

 

وقد أنزلته بنت سعد وأصبحت * ينازعها جلد استها وتنازعه

ظننتم بأن يخفي الذي قد صنعتم * وفينا نبي عنده الوحي واضعه (4)

 

فحملت رحله على رأسها وألقته بالأبطح وقالت. ما كنت تأتيني بخير أهديت إلي شعر حسان. ونزل فيه قوله: (ومن يشاقق الرسول) (5) هذا قول مجاهد، وقتادة بن النعمان، وابن زيد، وعكرمة، إلا أن قتادة، وابن زيد، وعكرمة قالوا: إن بني أبيرق طرحوا ذلك على يهودي يقال له زيد بن السمين، فجاء اليهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وبمثله قال ابن عباس. وقال ابن جريج: هذه الآيات كلها نزلت في أبي طعمة بن أبي أبيرق إلى قوله: (إن الله لا يغفر ان يشرك به. ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) (6) وقال: رمى بالدرع في دار أبي مليك ابن عبد الله الخزرجي فلما نزل القرآن لحق بقريش، وقال الضحاك: نزلت في رجل من الأنصار استودع درعا فجحد صاحبها فخونه رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله فغضب له قوم فاتوا نبي الله، فقالوا: أخونوا صاحبا، وهو أمين مسلم؟فعذره النبي صلى الله عليه وآله وكذب عنه. وهو يرى أنه برئ مكذوب عليه، فأنزل الله فيه الآيات. واختار الطبري هذا الوجه وقال: لان الخيانة إنما تكون في الوديعة فأما السارق فلا يسمى خائنا فحمله عليه أولى وكل ذلك جائز.


1- سورة الزمر: آية 65.

2- سورة النساء: آية 111.

3- سورة النساء: آية 111.

4- سورة النساء: آية 114.

5- ديوانه: 271.

6- سورة النساء: آية 114.