﴿لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وآل محمَّد

 

قوله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾(1).

 

استدلَّ الإماميَّة بهذه الآية المباركة على عدم أهليَّة الخلفاء الثلاثة للإمامة، وذلك يتَّضح عبر مجموعة من المقدِّمات:

 

المقدِّمة الأولى:

أنَّ الآية الشريفة تحكي عن أنَّ الله عزَّ وجل لمَّا أن أهَّل إبراهيم الخليل (ع) للإمامة وجعلها له، سأل إبراهيمُ (ع) ربَّه أنَّ الإمامة هل تكون لذريته؟ وهذا السؤال إمَّا أنْ يكون استفهاماً أو يكون طلبًا، وعلى أيَّ تقدير كان الجواب أنَّ الله تعالى لا يجعل العهد والإمامة للظالمين. وهذا معناه أنَّ كل من تقمَّص الإمامة الظاهريَّة وهو ظالم فإمامته ليست شرعيَّة.

 

المقدِّمة الثانية:

إنَّ الخلفاء الثلاثة كانوا قبل الإسلام من المشركين، حيث كانوا - كما كانت قريش- يعبدون الأصنام، وهذا المقدار ليس مورداً للخلاف بين المسلمين سنةً وشيعة. فهم مجمِعون على ذلك، فقد كانوا حين بُعث النبيُّ الكريم (ص) رجالاً بل كهولاً، وقد كانوا يسجدون للأصنام من دون الله عزَّ وجل إلى أنْ أسلموا.

 

المقدمة الثالثة:

إنَّ القرآن الكريم قد وصف الشرك بالظلم العظيم قال تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾(2). وهذا معناه أنَّ المشرك من الظالمين. وإذا كان من الظالمين فلا يكون مؤهَّلاً للإمامة كما هو مقتضى الآية المباركة.

 

وهنا يُثار إشكال وهو أنَّ ظاهر الآية المباركة هو أنَّ الذي لا يتأهَّل للإمامة إنَّما هو المتلبِّس فعلاً بالظلم والشرك والمفترض أنَّ الخلفاء الثلاثة حينَ تصدّوا للإمامة لم يكونوا ظالمين حيث لم يكونوا مشركين.

 

والجواب: إنَّ مفاد الآية المباركة هو عدم أهليَّة كلِّ من تلبّس بالظلم للإمامة سواءً بقي على ظلمِه أو انسلخَ منه بل المتعيِّن من معنى الظالمين في الآية المباركة هو من كان ظالماً وأصبحَ مؤمناً، وذلك لأنَّ من البعيد جداً أنْ يسأل إبراهيم (ع) ربَّه عن أهلية الظالم الفعلي للإمامة، إذ من الواضح جداً أنَّ الله عزَّ وجل لا يعطي الإمامة الشرعيّة لظالم حال ظلمِه، فنحنُ نُكبر إبراهيم الخليل -والذي هو شيخُ الأنبياء- أن يستفهم عن أمرٍ هو غاية في الوضوح، أترى أنَّ إبراهيم (ع) يخفى عليه أنَّ الغرض من جعل الإمامة هو الهداية لخطِّ التوحيد والإيمان فكيف تُجعل فيمَن يكفر بالتوحيد، هذا لو كان المراد من السؤال هو الاستفهام، وأمَّا لو كان المراد من السؤال هو الطلب فنحنُ يستحيلُ على إبراهيم الخليل(ع) عن أن يطلب من الله عزَّ وجلَّ جعل الإمامة لذريته حتى وإن كانوا مشركين أو ظالمين فعلاً.

 

ومِن هنا يكون سؤال إبراهيم عن أنَّ الله هل سيجعل الإمامة في ذريته لو كانوا مؤمنين حين جعل الإمامة سواءً كانوا مؤمنين قبل ذلك أو لم يكونوا كذلك. بمعنى أنَّ السؤال وقع عن صنفين من ذريته الصنف الأوّل هو من كانوا مشركين وظالمين وأصبحوا مؤمنين والصنف الثاني هو من كانوا مؤمنين واستمرُّوا في إيمانهم، فجاء الجواب إنَّ الإمامة لا تكون للظالمين، وهذا معناه أنَّه تعالى لا يجعل الإمامة للصنف الأوّل، إذ هو المسئول عنه وعن الصنف الثاني، وأمَّا من كان مشركاً وبقيَ على شركه أو كان مؤمناً وأصبح مشركاً فهو ليس مورداً للسؤال قطعاً لوضوح أنَّ الإمامة والتي هي وسيلة الهداية للتوحيد والعدل لا تكون لمشركٍ أو ظالم، فلا معنى للسؤال عن ذلك. فالآية إذن تنفي جعل الإمامة لمن كان في أول أمره ظالماً مشركاً. 

 

وهكذا الحال لو كان السؤال بمعنى الطلب إذ من المستحيل بعد الوقوف على المقام الإلهي السامي لإبراهيم (ع) أن يطلب الإمامة لمشركٍ أو ظالم وإن كان من ذريته، نعم من الممكن أن يطلب الإمامة للمؤمنين من ذريته وإن كانوا مشركين ظالمين قبل ذلك، وحينئذٍ جاء الجواب إنَّ هذا الطلب لا يُستجاب، لأنَّ الإمامة لا تكون للظالمين، وهذا معناه أنَّ الآية أطلقت عنوان الظالمين على المؤمنين الذين كانوا مشركين، وبذلك يثبت المطلوب وهو أنَّ كل من كان مشركًا فهو ظالم في استعمال الآية الشريفة، وقد أفادت أنَّ الإمامة الإلهيَّة لا تُجعل للظالمين، وهذا معناه أنَّ الخلفاء الثلاثة غير مؤهلين للإمامة الإلهيَّة بعد أن كانوا ظالمين نظراً لشركهم المسبوق بإيمانهم وإنَّ إيمانهم بعد ذلك لا يُنتج انسلاخ صفة الظالمين عنهم في استعمال الآية الشريفة.

 

تقريب آخر للاستدلال بالآية:

وهناك تقريب آخر لمدلول الآية المباركة نقله العلاّمة الطباطبائي في الميزان عن بعض أساتذته، حاصله أنَّ الفروض المتصوَّرة لما يمكن أن تكون عليه ذرية إبراهيم(ع) بل ولمطلق الناس من حيث الاتِّصاف بالظلم وعدمه، هذه الفروض أربعة ولا يمكن أنْ يخرج صنفٌ من الناس عن واحدٍ من هذه الفروض لأنَّ القسمة عقلية حاصرة:

 

الصنف الأوّل: مَن كان ظالماً في أوّل عمره وبقي على ظلمه إلى آخر عمره.

الصنف الثاني: مَن كان ظالماً في أوّل عمره ثمَّ انتهى عن الظلم.

الصنف الثالث: مَن كان غير ظالم في أوّل عمره ثمَّ أصبح ظالماً.

الصنف الرابع: مَن لم يقارف الظلم في تمام عمره.

 

هذه هي الأصناف الأربعة المتصوَّرة، وليس ثمة من صنفٍ إلا وهو داخل تحت واحدٍ من هذه الأصناف. وحينئذٍ نقول: إنَّ من غير المحتمل أنْ يسأل إبراهيم (ع) عن أهليّة الصنف الأوّل والثالث للإمامة، إذ من الواضح أنَّ الإمامة لا تكون لظالم والمفترض أنَّ الصنف الأوّل ظلَّ متلبِّساً بالظلم من أوّل عمره إلى آخره، والصنف الثالث متلبِّس بالظلم حين جعل الإمامة وإن لم يكن في أوّل عمرهِ ظالماً.

 

ومن هنا يتعين مورد السؤال في الصنف الأوّل والرابع، وقد جاء الجواب أنَّ الصنف الأوّل يُعدُّ من الظالمين فلا يتأهَّل للإمامة بمعنى أنَّ الذي كان ظالماً في أوّل عمره فهو مِن الظالمين وإنْ انتهى عن الظلم في بقيّة عمره، ولأنَّه من الظالمين فهو لا ينال عهد الله عزَّ وجل ولا يتأهَّل للإمامة الإلهيَّة.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

22 / ربيع الأوّل / 1425هـ


1- سورة البقرة / 124.

2- سورة لقمان / 13.