معنى آية التعريض بخِطبة النساء

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

ما هو تفسير الآية المباركة: ﴿وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾(1).

 

الجواب:

المرادُ من الخطبة الواردة في الآية الكريمة هو طلب المرأة للتزويج، والتعريض بالخطبة هو التلويح بكلامٍ تَفهمُ المرأةُ من لوازمِه رغبةَ الرجل في الزواج منها، وذلك كأنْ يقول لها مثلاً: أنا رجلٌ أُحسن المعاشرةَ لمَن أتزوَّجُها، فإنَّ مثل هذا التعبير مشعِرٌ برغبة الرجل في الزواج من هذه المرأة المخاطَبة بهذا الكلام ولكنَّه ليس صريحاً في ذلك بل هو تلويحٌ وتعريض، وما يُقابل التعريض هو التصريحُ بالخطبة وطلبِ الزواج.

 

إذا اتَّضح ذلك فالآيةُ المباركة بصدد بيان حكم التعريض بخطبة النساء المعتدَّات عدَّة الوفاة كما هو مقتضى وقوعها في سياق الآية التي سبقتها وهي قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾(2).

 

وهو كذلك مقتضى ذيل الآية حيثُ نهت عن إيقاع عقدة النكاح حتى يبلغَ الكتابُ أجلَه، وعليه فمفادُ آية الخطبة هو نفي البأس عن التعريض بخطبة المرأة المتوفَّى عنها زوجُها في ظرف العدَّة.

 

فمعنى قولِه تعالى: ﴿وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ هو أنَّه لا إثم ولا بأس عليكم لو أَبديتم بنحو التلويح الرغبةَ في الزواج من المرأة وهي في عدَّة زوجِها المتوفَّى كما أنَّه لا جُناح عليكم لو أضمرتم هذه الرغبة في أنفسِكم فلم تُعبِّروا عنها بتعريضٍ ولا بتصريح حتى تنقضي العدَّة، وهذا هو معنى قوله تعالى: ﴿أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ﴾.

 

ثم قال تعالى: ﴿عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ﴾ وغرض هذه الفقرة من الآية المباركة هو بيانُ منشأ الحكم بنفي البأس عن التعريض بخطبة المرأة المُعتدَّة وهو أنَّ الله تعالى يعلم من حال الرجل الراغب في الزواج من المرأة أنَّه يشقُّ عليه عدم التعبير عن رغبته خشيةَ أنْ يسبقه إلى خطبتِها غيرُه. لذلك فهو سيندفع بمقتضى طبعِه إلى ذكر رغبته لها أملاً في أنْ تحبس نفسَها عليه فلا تقبل بغيره بعد عدَّتِها. فلأنَّ اللهَ تعالى يعلمُ ذلك من حال الرجل الراغب لذلك لم يمنعْه من التعبير عن رغبته حتى لا يشقَّ عليه.

 

فالحكمةُ من نفي البأس عن التعريض بخطبة المرأة المعتدَّة هو الرعاية لمقتضى الطبيعة والفطرة التي جُبل عليها الرجلُ الراغب في الزواج من امرأة. إلا أنَّه وحتى لا ينساقُ مع رغبته انسياقاً منافياً لمقتضى الأدب والحشمة منعَه عن المواعدة للمرأة سرَّاً فقال: ﴿عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ﴾ أي ستذكرون لهنَّ رغبتكم في الزواج ﴿وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا﴾.

 

ومعنى النهي عن المُواعدة لهنَّ سراً هو النهيُ عن التعريض بألفاظٍ مُستهجَنة ومنافية لمقتضى الأدب والحشمة التي يجب مراعاتها مع المرأة الأجنبية، ومثال التعريض بالخطبة بما ينافي الحشمة والادب هو إخبار المرأة المخطوبة بأنَّه كثير الجماع أو شديد الشبَق، ومنشأ التعبير عن الخطبة بما ينافي الحشمة بالمُواعدة سِرَّاً هو أنَّ هذه الألفاظ إنَّما يُتفَّوه بها عادة في السرِّ.

 

فمعنى النهي عن المواعدة سرَّاً هو النهي عن كلِّ ما لا يُقال عادةً إلا في السر، ومن ذلك يتَّضح أنَّ قوله تعالى: ﴿وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا﴾ سِيق لغرض تحديد ما يجوز التعريض به في خطبة المعتدَّة وأنَّ حدوده هي الألفاظ المُحتشمة التي لا يُتحرَّج من التفوُّه بها في العلَن.

 

ثم أردف تعالى قوله: ﴿وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا﴾ بقوله: ﴿إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا﴾ وذلك للمزيد من توضيح ما يصحُّ التعريض به في خطبة المعتدَّة وأنَّ ما يصحُّ التعريض به هو المُتعارف من القول دون المُستوحَش والمُستهجَن المنافي لِما تستسيغُه الأعراف.

 

وأمَّا قولُه تعالى: ﴿وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾ فمعناهُ النهي عن إيقاع عقد النكاح على المتوفَّى عنها زوجُها إلا بعد انتهائها من العدَّة، فالحدُّ الذي ينتهي عنده النهي عن الزواج من المتوفَّى عنها زوجُها هو الخروج من العدَّة، وهذا هو معنى بلوغ الكتاب أجلَه أي نهايته.

 

فقولُه تعالى: ﴿حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾ معناهُ حتى يبلغَ ما كُتب وفُرض من وقتٍ للعدَّة نهايته، وهو كما بُِيِّن في الآية السابقة أربعة أشهر وعشرة أيام.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- سورة البقرة / 235.

2- سورة البقرة / 234.