معنى الآية: ﴿جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ ..﴾

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

ما معنى قوله تعالى على لسان إخوة يوسف (ع): ﴿قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ﴾(1)؟

 

الجواب:

الآيةُ المباركة تحكي جوابَ إخوة يوسف (ع) عندما سُئلوا عن جزاء مَن وُجد عنده صُواع الملك، فهم عندما نفوا عن أنفسِهم تُهمة السرقة لصُواع الملك سألهم رجالُ الملِك ﴿قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ﴾(2) فجاء جوابُهم ﴿جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ﴾.

 

ومعنى جوابِهم هو أنَّ مَن وجدتُم في رحله صُواع الملك المسروق فجزاؤه أن يُسترقَّ ويُستعبَد، فهذا هو جزاؤه، وكان ذلك هو حكم مَن سرق عندهم، أي أنَّ مَن يسرق فليس حكمه القطع أو الجلد مثلاً بل إنَّ حكمه عندهم أنْ يسترقَّه ويستخدمه المسروق منه إلى أمدٍ قيل إنّه سنة وقيل أنَّ تقدير ذلك يختلف باختلاف قيمة المال المسروق.

 

فقولهم: ﴿جَزَآؤُهُ﴾ معناه جزاء سرقة الصواع وهو مبتدأ وخبره ﴿مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ﴾ أي الذي وُجد في رحله الصواع المسروق.

 

ومحصَّل المعنى للجملة هو أن َّجزاء سرقة الصواع هو الشخص بعينه الذي وُجد في رحله الصواع وهو تعبير عن أنَّ عقوبة سرقته هي استعباده. فحيث إنَّ الاستعباد يعني تملُّك الشخص بكامله لذلك صحَّ اعتباره بتمامه جزاءً على السرقة.

 

فالجزاء لو كان هو قطع يد السارق لقيل "جزاؤه يدُ مَن وجد في رحله" ولو كان الجزاء هو أموال السارق لقيل: "جزاؤه أموالُ مَن وجد في رحله" أما حينما يكون الجزاء هو الاستعباد فمعناه أنَّ السارق بنفسه هو الجزاء، ولذلك جاء الجواب ﴿جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ﴾ أي جزاء السرقة هو نفس مَن وجد المسروق في رحله أو بتعبير آخر جزاء السرقةِ هو السارقُ نفسُه.

 

فمساق الآية هو مساق قولنا: "جزاء القتل هو القاتل". وأما قولهم بعد ذلك ﴿فَهُوَ جَزَاؤُهُ﴾ فهو للتأكيد وزيادة الايضاح كما يقال: جزاء الزاني هو الرجم فهذا هو جزاؤه، فجملة فهذا هو جزاؤه جملة مستأنفة لغرض التأكيد وبيان أنَّ ذلك هو جزاؤه وليس غيره.

 

وكذلك المقام فهم حين ذكروا أنَّ جزاء السرقة هو استعباد السارق أرادوا التعبير عن ثباتِهم على ما ذكروه من جزاء وأنَّه غير مؤول لذلك قالوا: ﴿فَهُوَ جَزَاؤُهُ﴾.

 

أو أنَّهم أرادوا التأكيد على أنَّ المستحِقَّ لجزاء الاستعباد هو السارقُ نفسُه الذي وُجد الصواع في رحله ولا جزاء ولا عقوبة على من يرافقُه من إخوته، فقولُهم ﴿فَهُوَ جَزَاؤُهُ﴾ تأكيد على أنَّ الاستعباد جزاؤه هو دون غيرِه ممَّن يرافقُه.

 

وهناك تقريبٌ آخر لمعنى الآية المباركة، وحاصلُه:

إنَّ قولهم ﴿جَزَاؤُهُ﴾ مبتدأ وقولهم: ﴿مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ﴾ جملة شرطية في موقع الخبر للمبتدأ.

 

ومحصَّل المعنى بناءً على ذلك هو أنَّ جزاء سرقة الصواع هو أنَّ الذي يُوجد الصواع في رحله فهو نفسه جزاء سرقة الصواع فقوله: ﴿مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ﴾ جملة الشرط، وقوله: ﴿فَهُوَ جَزَاؤُهُ﴾ جواب الشرط، وجملة الشرط وجوابُه في موقع الخبر للمبتدأ أعني ﴿جَزَاؤُهُ﴾.

 

وكيف كان فإنَّ مفاد كلا التقريبين هو أنَّ جزاء سرقة الصُواع هو استعباد السارق الذي وُجد الصُواع في رحلِه.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- سورة يوسف / 75.

2- سورة يوسف / 74.