تفسير الآية 21 من سورة الزمر(1)

قوله تعالى: ﴿ألَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الأَلْبَابِ / أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾(2).

 

هنا صورتان متقابلتان صورة للكافرين من فوق ومن تحتهم ظلل وحياتهم جحيم وتطويق شديد بحيث ﻻ مفر من العذاب.

 

وفي قباله صورة لمستقبل الذين اتقوا فلهم غرف تجري من تحتها الأنهار. فكل أسّس لنفسه مستقبله. وهذا وعد من الله ووعد الله آت.

 

وتدخل السورة لتقديم آيات أخرى مما تقوم عليه عقيدة اﻻسلام .. وهي صور عن القدرة اﻻلهية .. فالماء ينزل من السماء بتقدير ووزن ووراء هذا تكوين وحكمة.

 

والماء إما ان يجد أرضا صلبة ﻻ منفذ فيها، فقد تغرق من تغرق .. وقد تكون الأرض على مستوى واحد من الرخاوة فتتسرب إلى الأرض فيصعب إخراجها ويذهب للأعماق.

 

الحكمة اﻻلهية أوجدت القشرة في اﻻرض وفيها طبقات تحتفظ بالماء وطبقات ﻻ ينفد منها الماء ليكون خزان للحياة، وهذا الماء سلكه الله في منافذ ليأتي بعد ذلك من ينابيع ليعطي الناس الحياة.

 

كل هذا تخطيط من حكمة وعلم ورحمة ورأفة ونظر مستقبلي ﻻ يحجب عنه شي.

 

﴿ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الأَلْبَابِ﴾(3).

 

ومن هذا الماء يخرج الله به زرعا مختلفا الوانه ليري من قدرة وصنع الله، وكل ذلك من ماء ﻻ لون له ، فيعطي ألواناً مختلفة تستوقف نظر اﻻنسان، وهذه البقعة التي جرى فيها الماء تغنى بأنواع الزرع.

 

والزرع بذلك يمر بمرحلة وﻻدة وشباب، وهرم وشيخوخة وحالة ذبول، لينتهي دوره في هذه الحياة، ويخرج من هذه الحياة. وهذا الزرع يشهد على عظمة الخلق وحكمته، وهذه الصورة والدورة مثال أو مثل لما يحصل للإنسان.

 

هل يحصل لي مثلما يحصل للنبات؟ .. وهل سيتهاوى وسينتهي اﻻنسان؟ .. أﻻ يقيس أحدنا نفسه على دوره هذا النبات؟ .. فهذا النبات يتحول الى ذرات وهشيم، وهذا ما يحصل للإنسان ويتوزع في ذرات الكون! .. إنما هي ذكرى لاولي اﻻلباب.

 

وهذا الرسم فيه استنطاق للعقول .. وهي ذكرى لاولي اﻻلباب، فكلنا عندنا ولدينا عقلنا القابل ﻻستقبال هذه الحياة، واﻻنفتاح على الحقائق الكبرى، وأن الحكم لله وله القدرة على الحكم لكل شي.

  


1- قبسات من الدرس القرآني الأسبوعي لسماحة آية الله الشيخ عيسى قاسم بجامع الامام الصادق (ع) بالدراز، ١٠ /  مايو / ٢٠١٣م.

2- سورة الزمر / 21-22.

3- سورة الزمر / 21.