حديث حول سورة المدثر (5)

أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيم

بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَلَا بِحَوْلِهِ، ودَنَا بِطَوْلِهِ، مَانِحِ كُلِّ غَنِيمَةٍ، وكَاشِفِ كُلِّ عَظِيمَةٍ، أَحْمَدُهُ عَلَى عَوَاطِفِ كَرَمِهِ، وسَوَابِغِ نِعَمِهِ، وأُومِنُ بِهِ أَوَّلًا بَادِياً، وأَسْتَهْدِيهِ قَرِيباً هَادِياً، وأَسْتَعِينُهُ قَاهِراً قَادِراً، وأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ كَافِياً نَاصِراً، وأشهد أنْ لا إله الله وحدَه لا شريكَ له، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً (صلى الله عليه وآله) عَبْدُهُ ورَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ لإِنْفَاذِ أَمْرِهِ، وإِنْهَاءِ عُذْرِهِ، وتَقْدِيمِ نُذُرِهِ.

أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ ونفسي بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي ضَرَبَ الأَمْثَالَ، ووَقَّتَ لَكُمُ الآجَالَ، وأَلْبَسَكُمُ الرِّيَاشَ، وأَرْفَغَ لَكُمُ الْمَعَاشَ، وأَحَاطَ بِكُمُ الإِحْصَاءَ، وأَرْصَدَ لَكُمُ الْجَزَاءَ، وآثَرَكُمْ بِالنِّعَمِ السَّوَابِغِ، والرِّفَدِ الرَّوَافِغِ، وأَنْذَرَكُمْ بِالْحُجَجِ الْبَوَالِغِ، فَأَحْصَاكُمْ عَدَداً، ووَظَّفَ لَكُمْ مُدَداً، فَاتَّقُوا اللَّه عِبَادَ اللَّه، تَقِيَّةَ ذِي لُبٍّ شَغَلَ التَّفَكُّرُ قَلْبَه، وأَنْصَبَ الْخَوْفُ بَدَنَه، وأَسْهَرَ التَّهَجُّدُ غِرَارَ نَوْمِه، وأَظْمَأَ الرَّجَاءُ هَوَاجِرَ يَوْمِه، وأَوْجَفَ الذِّكْرُ بِلِسَانِه وقَدَّمَ الْخَوْفَ لأَمَانِه.

أما بعدُ فقد انتهى بنا الحديثُ حول سورة المدثر عند قوله تعالى: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ / وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ / وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾(1).

وقد ذكرنا في حديثٍ سابقٍ انَّ بعضَ آياتِ القرآن استعملت كلمةَ الرجز في العذاب، فمن ذلك قولُه تعالى: يحكي ما وقعَ لقومِ موسى (عليه السلام) أيامَ فرعون: ﴿وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ﴾(2) -يعني لئن كشف الله عنا العذاب- ﴿لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ / فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إلى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ﴾(3)، ونذكر هنا استطراداً انَّ هاتين الآيتين تُشيرانِ إلى ما وقع لموسى (عليه السلام) وقومِه بعد حادثة السحَرَة الذين جمعَهم فرعونُ سعياً منه لإبطال نبوَّةٍ موسى عليه السلام ودعواه انَّ العصا هي معجزتُه من عند الله عز وجل، فوقعت الحادثة، وألقى السحَرَةُ حبالَهم وعصيَّهم فـ ﴿سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ﴾(4) وأوهموهم أنَّها تسعى، فألقى موسى (عليه السلام) عصاهُ فالتقمتْ كلَّ تلك العِصي، وكلَّ تلك الحِبال، وأُسقطَ في يدِ فرعون وشعُرَ بالهزيمة، وخرَّ السحَرةُ سجَّداً لله عزَّوجل، وأقرُّوا بنبوَّة موسى (عليه السلام) وأنَّ هذه العصا معجزةٌ وليست سحراً، بعد هذه الواقعة بقيَ فرعونُ في سُدَّة الحكم ردحاً من الزمن قيل انَّها عشرون سنة، فكانت له السطوةُ والسلطة، لذلك هدَّد بقطِّع أيدي وأرجُلِ السحرةِ ومَن آمن بموسى (عليه السلام)، وقد تمَّ له ذلك، فعذَّبهم، ونكَّل بهم، وحبسَ الكثيرَ من بني إسرائيل ممَّن آمن بموسى (عليه السلام).

ومن أجل أن يُقيم اللهُ عزَّ وجل الحجَّةَ بعدَ الحجَّة على فرعونَ وقومِه، كان يُرسل بالآيات وبالمعجزات، فقد أرسل عليهم الطوفانَ والجرادَ، والقُمَّل، والضفادعَ والدم، آياتٍ مفصلات في الحقبةِ التي سبقت هلاكَه وقومِه، قال تعالى: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ﴾(5) وسياق الآية يكشفُ عن انَّ ثمةَ غرضين من إرسالِ هذه الآيات:

الأول هو أن يثوبوا إلى رشدِهم فإنْ كانوا يشكُّون في العصا وأثرِها الإعجازي، فها هي معجزةٌ أخرى، وها هي ثالثةٌ ورابعةٌ، وخامسة، ينقطعُ بها العذرُ، ولا يجدُ العاقلُ معها مناصاً من الإذعانِ والتسليم.

والغرض الآخر: من الإرسال لتلك الآياتِ والمعجزات هو الضغطُ على فرعونَ ليفكَّ سراح مَن حبسَهم وسجنهم من بني إسرائيل، لذلك تلاحظون انَّه كلَّما تقعُ آيةٌ من هذه الآيات، وكلَّما يقع عليهم عذابٌ من تلك العذابات، يأتونَ إلى موسى (عليه السلام)، فيقولون له: ﴿لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ﴾(6) وهذا معناه ظاهراً انَّ بني إسرائيل قد تمَّ حبسُ الكثير منهم من قِبل فرعون أو قسْرُهم على البقاء في خدمة فرعون وتحت سلطانه، يقول الله عزوجل: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ﴾(7).

الطوفان الذي اجتاح قوم فرعون:

فأولُ آيةٍ أرسلها عليهم هي الطوفانُ، فكان سيلاً عارماً أتلف مزارعهم وأهلك مواشيهم وسطا على بيوتِهم ومنتجعاتِهم، وظلَّت الأمطارُ تهطلُ عليهم دون انقطاعٍ أياماً ثمانية كما في بعض النقولات، ولعلَّه قد ارتفع منسوبُ نهر النيل، ولهذا غمرت المياهُ حقولَهم ومنازلَهم حتى أنَّ الرجل منهم لا يسعُه الاستقرار حتى في داره لانغمار أفنيتِها وحجراتِها بالمياه،

فتأذَّى فرعونُ وقومُه من ذلك أشدَّ الأذى، فلم يعُدْ لهم استقرارٌ حتى في منازلهم، إذ كيف يستقرُّ الإنسانُ في منزلِه والمياهُ قد غمرتْ كلَّ جوانبه وأتلفتْ كلَّ أثاثه، والذي ضاعفَ العذابَ على فرعونَ وقومِه انَّهم لا يجدون حيلةً للخلاص من هذا العذاب سوى أنْ ينتظروا متى تُمسكُ السماءُ قَطْرْها وينحسرُ هذا السيل، وقد انتظروا ذلك طويلاً ولكن دون جدوى، ولهذا لم يَعُدْ بوسعِهم الانتظار أكثر، لذلك لجؤوا إلى موسى، ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ﴾(8)، فدعا موسى (عليه السلام) ربَّه أو ألقى عصاه، فانقطع المطر، وانحسرت السيول وجفَّت المياه، والعجيبُ كما يذكر المؤرخون أنَّ مزارعَهم وقصورَهم وبيوتَهم والتي تحوَّلت إلى غيطانٍ ومستنقعات قد جفَّ ماؤها فجأةً وليس على مراحل، لحظةَ دعاءِ موسى (عليه السلام)، ليكون ذلك حجةً عليهم، لهذا وصف القرآنُ مثل الطوفان بقوله: ﴿آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ﴾(9)، أي معجزاتٍ واضحات، لا تتركُ مجالاً للشكِّ والريبة.

شأنُ الطغاة الكذب والنكث بالعهود:

وبعد أنْ انتهى الطوفان، وجفَّت الأرض، وقامت الزروع، وترك لهم موسى (عليه السلام) فرصةً من وقت ليتعافَوا، وليتأكَّدوا أنَّ الطوفان لن يعودَ إليهم، فلم يعد، وقامت الزروع، وانتعشت الحياة، فكان المنتظرُ من فرعونَ الوفاء بما قطعه على نفسه إلا انَّه لم يفِ بكلا وعديه، فلم يؤمن ولم يُرسل بني إسرائيل، كما أفاد القرآن الكريم: ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إلى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ﴾(10).

الجراد جنودُ الله سلَّطهم على فرعون وقومه:

حينذاك أرسل الله تعالى عليهم الجراد، فكان أسوأَ عليهم أثراً من الطوفان، وحتى الآن حين يجتاحُ الجرادُ بلداً تكونُ مصيبتُهم به أسوأَ حالاً من بلدٍ أصابه زلزالٌ مدمِّر، تصوروا كيف يكون حالُ بلدٍ إجتاحته أسرابُ الجراد وهي بالملايين، فإنَّها لا تُبقي ولا تذر، فلا تمرُّ على شيء إلا دمَّرته، فالزروعُ التي تستوعبُ مئاتِ الهيكتارات تُصبحُ بعد إجتياح الجراد لها أطلالاً، فيُقال كانت هنا زروعٌ وأشجار، فهي تبدأُ بالورق فلا تقفُ عند الجذوع، تحصدُ كلَّ شيء، إلى أنْ تبلغ جذورَ الشجر فتأكلُها، هكذا فعلت الجرادُ في زروع مصر، فما أبقت منها كثيراً ولا قليلا، فبدأت بأوراق الأشجار، ثم أتت على الثمار، ثم قضمت الجذوعَ إلى أن بلغت الجذورَ، وحينذاك عمدت إلى سقوفِ بيوتاتِهم فأتلفت جريدَها وسعفَها وجذوعَها، وتراكمت على أبواب منازلهم فصيَّرتها رميماً تذروهُ الرياح، فما بقيَ من خشبٍ قائم.

فأيُّ بلاءٍ عظيمٍ حلَّ بفرعونَ وقومِه؟! فقد وصل الجرادُ إلى قصور فرعون فجرَّدتها من كلِّ ماهو خشب، وأصبحت زروعُ فرعونَ وجناتُه وكأنَّ حريقاً هائلاً قد نشبَ فيها، فما بقي منها شيء إلا وقد تمَّ تدميرُه وتصفيتُه من قَبلِ جنودِ الله الجراد، عندذاكَ لجأوا مرةً أخرى إلى موسى (عليه السلام) أو بعثوا له، مَن يلتمسُ لهم منه الدعاء عند ربَّه وأكَّدوا له عدم النكث بما قطعوه على أنفسهم من الإيمان به والإرسال لبني إسرائيل: ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ﴾(11)، فرفع الله تعالى عنهم هذا البلاء بعد دعاء موسى (عليه السلام)، لكنَّ فرعونَ لم يفِ له بما وعد.

القمل الذي سلبَ فرعونَ وقومه إستقرارهم:

فأرسل الله تعالى عليهم القُمَّل وهو الحمنان وكبار القردان الذي يتكاثرُ في مثل الفرو وفي الشعر وفي البدن، وكان هذا العذاب أشقَّ على فرعونَ وقومِه من الجراد، ذلك لأنَّ الجراد كان يقصدُ الزروعَ في الغالب، وأما القمَّلُ فهو إنَّما يستوطنُ الأبدانَ والثياب، لذلك امتلأت لحاهم وشعورُ رؤوسهم وثيابُهم وأبدانُهم من القمل، فكانت تدخلُ بين ثيابِهم وجلودهم فلا يستقرون، ولا يسكنون، فهي تستشري في أبدانهم وتقرصُ جلودَهم في كل ناحيةٍ وموضعٍ، ولم تكن لهم حيلةٌ في التخلُّص منها لكثرتها حتى انَّها اكتسحت بيوتات وقصورِ فرعون وقومه، فامتلأت منها فرشُهم ومضاجعهم وكانت تدخلُ في طعامِهم وحنطتِهم، بل وإلى أوانيهم التي يُوضع فيها الطعامُ بعد نضجه، فتبرَّموا شديداً، وأعيتهم كلُّ حيلةٍ للتخلُّص من هذا الوباء الذي لم يكن يبارحهم ليلَ نهار فقد إقتحم عليهم القمَّلُ كلَّ حياتهم، فأيُّ سكونٍ أو قرارٍ يكون لهم؟!.

فلم يجدوا من سبيلٍ للخلاص من هذا البلاء المبرم سوى الرجوع إلى موسى (عليه السلام)، ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ﴾(12) وغلَّظوا له الأيمان وانَّهم لن ينكثوا هذه المرَّة، ولأنَّ الله تعالى أراد أنْ يملي لهم ويُمهلَهم ليُقيمَ عليهم الحجَّةَ بعد الحجَّة، لهذا كشف عنهم هذا البلاء بدعاء موسى (عليه السلام) لكنَّهم لم يتَّعظوا ولم يثوبوا إلى رشدِهم فنقضوا عهدَهم كما هو دأبُهم.

جنودٌ من ضفادع:

فأرسل الله تعالى عليهم الضفادع، وهذا هو البلاءُ المضني والممل، فامتلأت مصرُ كلُّها بالضفادع، حتى ازدحمت منها بيوتُهم فكان أحدُهم يذهبُ إلى مضجعه وفراشِه فيجدْه وقد امتلئَ بالضفادع، هذه تقفزُ وتلك تنقُّ نقيقاً يبعثُ على السأمِ والضجر بل تُخرجُ الإنسانَ من صوابِه، فلو كانت ضفدعةٌ واحدة على فراشِك لأعياك الإمساكُ بها، كيف وهنَّ بالعشرات، ولو امسكتَ بواحدة فإنَّ العشراتِ منها في إنتظارك، لذلك أصبحت حياتُهم بها جحيماً لا تُطاق، فقد ذكر المؤرخون أنَّها لكثرتها إذا تكلَّم أحدهم وثبت إلى فمه، وكانت تدخلُ في قدورهم وهي تطبخ وتغلي، وإذا وضع الرجلُ يدَه في جيبه يجدُ الضفادعَ قد ملئت جيبه، فتبرَّموا من ذلك شديداً، ولهذا عادوا إلى موسى (عليه السلام) فدعا لهم، فكشف الله عنهم هذا البلاء، هكذا هم الأنبياء يتخلَّقون بأخلاق الله عز وجل، أناةٌ وحِلمٌ وسعةُ صدرٍ.

الدمُ هو آخر وأشدُّ ما أصاب قوم فرعون قبل الغرق:

ثم انَّه وبعد نكثهم للعهد سلَّط اللهُ تعالى عليهم الدم، ولعلَّه كان أشدَّ عقوبةٍ أصابتهم قبل الغرق، فقد تحوَّل نهرُ النيلِ إلى دمٍ عبيط، وليس النيلُ وحسب -كما يذكرُ المؤرخون- بل إنَّ كلَّ مخزونِهم من الماءِ المدَّخرِ في بيوتهم أو الكائنِ في آبارهم تحوَّل إلى دمٍ عبيط، حتى أنَّ فرعون قد أشرف كما يذكرُ المؤرخون على الهلاك، لشدة ما أصابه من الظمأ.

يوم قُتل الحسين (عليه السلام) لم يُرفع حجرٌ إلا وُجد تحته دم عبيط:

واستطراداً نقول: إنَّ الاستيحاش في أذهان البعض من الروايات التي أفادت أنَّه حين قُتل الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء، لم يُرفعْ حجرٌ في بيت المقدس وفي كربلاء وفي بعض المدن، لم يُرفع حجرٌ ولا مدر إلا ورُؤي تحته دمٌ عبيط، هذا الإستيحاش ينتفي عند الإلتفات إلى ما وقع لقوم فرعون، فحين سخَط اللهُ تعالى عليهم وإقتضت حكمتُه تعالى تأديبَهم تحوَّل نيلُهم إلى دمٍ عبيط، كيف تحوَّل؟! الأمر بيد الله، يفعلُ ما يشاء: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾(13) فالذي جعله ماءً قادرٌ على أنْ يجعلَه دماً عبيطاً، وكلُّ المعادلاتِ الكيميائية والفيزيائية تسقطُ عندما يشاءُ اللهُ عز وجل شيئاً، إنَّ الحسين (عليه السلام) نجلُ الرسول (صلى الله عليه وآله) كريمٌ على الله عز وجل، لذلك نتعقَّلُ أنْ يسخطَ لمقتله رُّبُّه جلَّ وعلا فيكشفُ للأمة عن موقعِه ومقامه السامي عنده، فيجعلُ له هذه الكرامة بأنْ لا يُرفعَ حجرٌ ولا مدر يوم إستشهاده إلا ووُجد تحته دمٌ عبيط، فالأمرُ يكونُ مستأنساً عند مَن نظر في تاريخِ الرسالات وتاريخِ الأنبياء، على أيِّ حالٍ هذا كلامٌ استطرادي، وكلُّ كلامِنا كان استطراديَّاً.

ونرجعُ إلى أصل البحث فيما بعدُ إنْ شاء الله تعالى.

﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ / إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ / فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ / إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾(14)

خطبة الجمعة - الشيخ محمد صنقور

7 من شوال 1436هـ - الموافق 24 يوليو 2015م

جامع الإمام الصادق (عليه السلام) - الدراز


1- سورة المدثر / 5-7.

2- سورة الأعراف / 134.

3- سورة الأعراف / 134-135.

4- سورة الأعراف / 116.

5- سورة الأعراف / 133.

6- سورة الأعراف / 134.

7- سورة الأعراف / 133.

8- سورة الأعراف / 134.

9- سورة الأعراف / 133.

10- سورة الأعراف / 135.

11- سورة الأعراف / 134.

12- سورة الأعراف / 134.

13- سورة الأنبياء / 23.

14- سورة الكوثر.