معنى كلمتي ﴿أَرَأَيْتُكُم﴾ و﴿وَيْكَأَنَّ﴾

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

ما معنى مفردة ﴿أَرَأَيْتُكُم﴾ وكذلك مفردة ﴿وَيْكَأَنَّ﴾ في القران؟

 

الجواب:

تحديد المراد من كلمة ﴿أَرَأَيْتُكُم﴾:

تُستعمل كلمة ﴿أَرَأَيْتَكُمْ﴾ في كلام العرب وُيراد منها أخبروني، فإذا قيل مثلاً: "أرأيتكم زيداً هل جاء من السفر" فمعناه أخبروني عن زيدٍ هل جاء من السفر، وكذلك حينما يقال: "أرأيتك ما صنعت في يومك هذا" فمعناه أخبرني عمَّا صنعت في يومك هذا.

 

فقوله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ / بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ﴾(1) معناه قل يا محمد (ص) لهؤلاء اللذين يعبدون الأصنام: أخبروني إنْ كنتم صادقين لو جاءكم عذاب الله تعالى في الدنيا أو جاءتكم الساعة فهل ستدعون وتستجيرون لدرء العذاب عنكم بغير الله تعالى، إنَّكم لن تستجيروا لكشف العذاب عنكم بغير الله تعالى وسوف تنسون الأصنام التي تشركون بها ربَّكم جلَّ وعلا.

 

وكذلك قوله تعالى على لسان إبليس يُخاطب ربَّه: ﴿قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا﴾(2) فإنَّ معناه أخبرني عن هذا الذي كرَّمت عليَّ يعني آدم لم كرَّمته عليَّ ؟! ولكن لأنْ أبقيتني حيَّاً إلى يوم القيامة لأستأصلنَّ ذريته أي لأغوينَّ ذريته إلا قليلاً منهم.

 

تحديد المراد من ﴿وَيْكَأَنَّ﴾: 

وأمَّا﴿وَيْكَأَنَّ﴾ فهي كلمتان، وهما ﴿وَيْ﴾ و﴿كَأَنَّ﴾ وقد رُسمت في المصحف الشريف على هيئة كلمةٍ واحدة، وكلمة ﴿وَيْ﴾ اسم فعل تُستعمل للتعبير عن التنبُّه للخطأ وللتعبير عن التندم، وقد تُستعمل ويُراد منها التعبير عن التعجُّب.

 

وقد استعملها القرآن مرتين في قوله تعالى: ﴿وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾(3).

 

ومفاد الآية ظاهراً أنَّ اللذين كانوا قد تمنَّوا أنْ يكون لهم من الثروة مثل ما هو لقارون وقالوا: ﴿يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾(4) هؤلاء حينما وجدوا قارون وقد خسف اللهُ تعالى به وبداره وكنوزه الأرض قالوا: ﴿وَيْ﴾ تعبيراً عن تنبُّههم للخطأ الذي كانوا قد وقعوا فيه وإظهاراً منهم للندم على خطأهم، ثم قالوا: كأنَّ الله يبسط الرزق لمَن يشاء من عباده، فلم يكن الرزق الواسع الذي بيد قارون ناشئاً كما توهَّموا عن فطنته وحسن تدبيره كما لم يكن ناشئاً عن كرامته على الله تعالى وهوان مَن لم يُبسط في رزقه بل إنَّ الله تعالى يبسط الرزق لمَن يشاء من عباده بحسب ما تقتضيه حكمته هو جلَّ وعلا.

 

ويُمكن أنْ يكون المراد من كلمة ﴿وَيْ﴾ هو التعبير عن التعجُّب أي أنَّهم أظهروا التعجُّب أولاً ممَّا وقع لقارون من الخسف ثم قالوا: كأنَّ اللهَ يبسطُ الرزق لمَن يشاء من عباده.

 

وكلمة ﴿كَأَنَّ﴾ تُستعمل للتردُّد في التشبيه ولكنَّها في المقام استُعملت للتحقيق، وكثيراً ما يستعمل المتكلِّم كلمة ﴿كَأنَّ﴾ حينما يتبيَّن له خطأ اعتقاده أو تصوُّره، وهو لا يُريد من ذلك التعبير عن التردُّد بل مرادُه من ذلك التعبير عن أنَّه الآن قد اتَّضح له خطأ اعتقاده.

 

فمثلاً حينما يعتقد أحدٌ أنَّ ابنه بريءٌ من الجناية المتَّهم بها، فيُقال له إنَّ ابنك هو المرتكب للجناية وهو ينفي، ثم يقف على دليلٍ قاطع يُوجبُ الإذعان بأنَّ ابنه هو المرتكب للجناية فيقول حينذاك: كأنَّ ما يقوله الناس في حقِّ ابني صحيح.

 

فاستعمالُه لكلمة ﴿كَأَنَّ﴾ لم يكن لغرض التعبير عن التردُّد بل كان لغرض التعبير عن أنَّه قد تبيَّن له الآن خطأ ما كان يعتقده من براءة ابنه.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- سورة الأنعام / 40-41.

2- سورة الإسراء / 62.

3- سورة القصص / 82.

4- سورة القصص / 79.