معنى قوله تعالى: ﴿وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ﴾

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

في القرآن الكريم يقول تعالى: ﴿وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا﴾(1) هل المقصودُ بها الصلواتُ الخمس أم غير ذلك؟ وكيف استنبط الفقهاءُ أيَّدهم اللهُ أنَّ صلاة الظهر وصلاة العصر إخفات والباقي جهر؟

 

الجواب:

ليست الآيةُ المباركةُ هي مستند الفقهاء في إيجاب الإخفات في صلاتي الظهر والعصر وإيجاب الجهر في الباقي بل مستندُهم في ذلك هو الروايات الواردة عن الرسول (ص) وأهلِ بيته (ع) فقد ثبت عنهم الأمرُ بالجهر في قراءة الركعتين الأُوليين من صلاة الصبح والعشائين، والأمرُ بالإخفات في صلاتي الظهر والعصر.

 

وأمَّا الآية المباركة فهي بصدد النهي عن المبالغة في الجهر بما يبلغُ حدَّ الصُراخ والمبالغة في الإخفات بما يصلُ إلى حدٍّ لا يسمع القارئ فيها نفسَه، فهي تأمرُ بالوسطية والاعتدال في القراءة، فليس المقصود من الجهر والإخفات المنهي عنه في الآية المباركة هو الجهر المأمور به في قراءة الصلوات الجهريَّة والإخفات المأمور به في قراءة الصلوات الإخفاتيَّة بل المقصود من الآية المباركة هو النهي عن المبالغة في الجهر والإخفات كما يدلٌّ على ذلك عددٌ من الروايات الواردة عن أهل البيت (ع).

 

منها: معتبرة سَمَاعَةَ قَالَ سَأَلْتُه عَنْ قَوْلِ الله عَزَّ وجَلَّ: ﴿ولا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ ولا تُخافِتْ بِها﴾ قَالَ الْمُخَافَتَةُ مَا دُونَ سَمْعِكَ والْجَهْرُ أَنْ تَرْفَعَ صَوْتَكَ شَدِيدًا"(2).

 

ومنها: معتبرة إسحاق بن عمَّار عن أبي عبد اللهِ (عليه السلام) في قولِه عزَّ وجلَّ: ﴿ولا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ ولا تُخافِتْ بِها﴾ قال (ع): "الجهرُ بها رفعُ الصوتِ والتخافتُ ما لم تُسمعْ نفسك، واقرأ ما بين ذلك"(3).

 

فالمنهيُّ عنه في الآية هو الرفعُ الشديد والخفضُ الشديد، والمأمورُ به في الآية هو الاعتدالُ والتوسُّط، فهو مفاد قوله تعالى: ﴿وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا﴾ أي اتَّخذ طريقًا وسطًا بين الرفعِ والخفض الشديدين وهو معنى قوله (ع): "واقرأ ما بين ذلك".

 

فالقراءةُ المأمور بها في كلٍّ من الصلوات الجهريَّة والإخفاتيَّة هي القراءةُ المعتدلة التي لا تكونُ صُراخًا ولا تكونُ إسرارًا بحيثُ لا يُسمعُ حتى نفسَه، نعم المطلوبُ في الصلوات الجهريَّة هو إسماع مَن هو قريبٌ منه، والمطلوبُ في الصلوات الإخفاتيَّة هو أنْ يُسمعَ نفسَه دون غيره ألفاظَ قراءتِه، فيصدقُ عرفًا على القراءة الأولى أنَّها جهريَّة وعلى الثانية أنَّها إخفاتيَّة وفي ذاتِ الوقت يصدقُ على القراءتين أنَّهما ليستا صراخًا وليستا إسرارًا بل هي بين بين، فكلٌّ من الجهرِ والإخفات في الصلوات المفروضة لا يخرجُ عن حدِّ الاعتدال المأمورِ في قوله تعالى: ﴿وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا﴾.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- سورة الإسراء / 110.

2- الكافي -الشيخ الكليني- ج3 / ص316، تهذيب الأحكام -الشيخ الطوسيّ- ج2 / ص290.

3- تفسير القمّي -الشيخ علي بن إبراهيم القمّي- ج2 / ص30، وسائل الشيعة -الحر العامليّ- ج6 / ص98.