مشروعيَّةُ قراءة القرآن والدّعاء للموتى

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

ما هو الدَّليلُ مِن القرآن والسُنَّة على أنَّ الرَّسول الأكرم (ص) كان يقومُ على قبور المَوتى ويقرأُ القرآن على قُبورهم ويدعو لهم بالمغفرة؟

 

الجواب:

الروايات الواردة من طرق أهل البيت (ﻉ) في ذلك تبلُغُ حدَّ التَّواتر(1) وأمَّا مِن طُرق السُنَّة فكثيرةٌ أيضا.

 

الروايات من طُرق العامَّة:

منها: ما أخرجه أبو داود من حديث معقل بن يسار عن النبيِّ (ص) قال: "اقرءوا على موتاكم سورة يس"(2).

 

ومنها: ما رواه بريدة قال: "كان رسول الله (ص) يُعِلِّمُهُم إذا خرجوا إلى المقابر أنْ يقولَ قائلُهم: "السَّلامُ عليكم أهلَ الدِّيار من المُؤمنين والمسلمين وإنَّا إنْ شاءَ اللهُ بكم لَلاحقون، نسألُ اللهَ لنا ولكم العافية"(3).

 

رواه أحمدُ بنُ حنبَّل، ومسلم، وابنُ ماجة، وهو صريح في مشروعيَّة الدّعاء لأهل القبور، إذ ورد في الحديث المذكور: "نسألُ اللهَ لنا ولكم العافية".

 

ومنها: ما أخرجَه مسلمٌ في صحيحِه من حديثِ عائشة ورد فيه: "السَّلامُ على أهلِ الدِّيار من المؤمنين والمسلمين ويرحم اللهُ المُستقدِمينَ مِنَّا ومِنكُم والمُستأخِرين، وإنَّا إنْ شاءَ اللهُ بِكم لَلاحقون"(4).

 

ومنها: ما أخرجَه مسلمٌ أيضا عن عائشة أنَّها قالت: "كان رسولُ اللهِ (ص) كلَّما كان ليلتَها منه يخرجُ إلى البقيع من آخرِ الليل فيقول: "السَّلامُ عليكم دارَ قومٍ مُؤمنين، وآتاكم ما تُوعدون غدًا مؤجلونَ وإنْ شاءَ الله ُبِكم لاحِقونَ، اللهمَّ اغفِرْ لأهلِ بقيعِ الغرقَد"(5).

 

وبقيع الغرقد هو اسم المقبرة التي يَدفِنُ فيها أهلُ المدينةِ المنوّرة موتاهم، وفيها قبورُ الكثيرِ من المهاجرين والأنصار، والرّواية المذكورةُ صريحةٌ في مشروعيَّة بل واستحباب الدعاء للموتى بعد الوقوفِ على قبورِهم، فقد ورد في ذيلها: "اللهمَّ اغفِرْ لأهلِ بقيع الغَرقَد"(6).

 

ومنها: ما رواه الحاكمُ والبيهقيُّ عن عبد الله بن أبي مليكة أنَّ عائشة أقبلت ذات يومٍ من المقابر، فقلتُ: "يا أمَّ المؤمنين من أين أقبلتِ؟"، قالت: "مِن قبر أخي عبد الرحمن"، فقلتُ لها: "أليس كان النبيُّ (ص) نهى عن زيارة القبور؟"، قالت: "نعم، كان نهى عن زيارة القبور ثم أمرَ بزيارتِها"(7).

 

الحديث المذكور وصفه الالبانيُّ بالصحيح(8)، ولا نظنُّ بعائشة أنَّها ذهبتْ لقبر أخيها إلا للدّعاءِ والاستغفارِ له.

 

ومنها: ما أخرجه أحمدُ ابن حنبَّل عن عائشة بسندٍ صحيح على شرط الشيخين كما أفاد ذلك الألباني في أحكام الجنائز: "إنَّ النبيَّ (ص) كان يخرجُ إلى البقيع فيدعو لهم، فسألتْه عائشةُ عن ذلك فقال (ص) إنِّي أُمِرْتُ أنْ أدعوَ لهم"(9).

 

ومنها: ما ذكره الحلال عن الشّعبي قال: "كانت الأنصارُ إذا ماتَ لهم الميِّت اختلفوا إلى قبرِه يقرءونَ القرآن"(10).

 

وأوردَ ابنُ حجر في تلخيص الحبير عن الشعبي قال: "كانت الأنصارُ يستحبُّون أنْ يقرأوا عند الميِّت سورةَ البقرة"(11).

 

ومنها: ما أوردَه عبدُ الله بن حبَّان في الطبقات عن النَّبيِّ (ص): "مَن زار قبرَ والديه كلَّ جمعةٍ أحدهما فقرأ عنده (يس والقرآن الكريم) غُفر له بعدد ذلك آيةً أو حرفًا"(12).

 

ومنها: ما أوردَه ابنُ نجيم المصري في البحر الرائق عن النّبيِّ (ص): "من دخلَ المقابر فقرأَ سورةَ يس خفَّف اللهُ عنه يومئذٍ، وكان له بعددِ ما فيها حسنات"(13).

 

ومنها: ما أوردَه ابنُ قدامة في المغني قال: "وقد رُويَ عن أحمد أنّه قال: "إذا دخلتُم المقابر اقرأوا آيةَ الكرسيّ وثلاثَ مرَّاتٍ (قلْ هو اللهُ أحد) ثُمّ قل اللهمَّ إنَّ فضلَه لأهلِ المقابر"(14). أي اللهمَّ امنحْ فضلَ وثوابَما قرأتُه لأهل المقابر.

 

ومنها: ما أوردَه ابنُ قدامة في المغني عن محمد بن قدامة الجوهري قال: "أخبره مبشِّر الحلبي عن أبيه أنَّه أوصى إذا دُفن يقرأُ عندَه بفاتحةِ البقرة وخاتمتِها، وقال: سمعتُ ابنَ عمر يُوصِي بذلك"(15).

 

وثَمَّة رواياتٌ أخرى أعرضنا عن ذكرها خشيةَ الإطالة.

 

والحمد لله رب العالمين

 

من كتاب: شؤون قرآنية

الشيخ محمد صنقور


1- الكافي -الشيخ الكليني- ج3 / ص230، الخصال-الشيخ الصدوق- ص618، وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج3 / ص223، بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج10 / ص97.

2- تفسير البغوي -البغوي- ج4 / ص21.

3- مسند احمد -احمد بن حنبل- ج5 / ص353، صحيح مسلم -مسلم النيسابوري- ج3 / ص65، صحيح ابن حبان -ابن حبان- ج7 / ص446، سنن ابن ماجة -محمد بن يزيد القزويني- ج1 / ص494.

4- صحيح مسلم -مسلم النيسابوري- ج3 / ص64، مسند احمد -احمد بن حنبل- ج6 / ص221، السنن الكبرى - ج4 / ص79، صحيح ابن حبان -ابن حبان- ج16 / ص46.

5- صحيح مسلم -مسلم النيسابوري- ج3 / ص63، صحيح ابن حبان -ابن حبان- ج7 / ص445، ج10 / ص383 سنن النسائي -النسائي- ج4 / ص94، السنن الكبرى -البيهقي- ج4 / ص79.

6- سمي البقيع بالغرقد لاشتماله على الكثير من نبات الغرقد وهو ما عظم من العوسج.

7- المستدرك -الحاكم النيسابوري- ج1 / ص376، السنن الكبرى -البيهقي- ج4 / ص78.

8- إرواء الغليل -محمد ناصر الألباني- ج3 / ص234.

9- أحكام الجنائز -محمد ناصر الألباني- ص189، مسند احمد -احمد بن حنبل-ج6 / ص252.

10- أحكام الجنائز -محمد ناصر الألباني- ص193.

11- تلخيص الحبير -ابن حجر- لابن حجر ج5 / ص113، حاشية رد المحتار -ابن عابدين- ج2 / ص207.

12- طبقات المحدثين بأصبهان -عبد الله بن حبان- ج3 / ص332، وأورده بتفاوت يسير السيوطي في الدر المنثور - ج5 ص257 وفي الجامع الصغير ج2 / ص605 وغيرهما.

13- البحر الرائق -ابن نجيم المصري- ج2 / ص343.

14- المغني -عبد الله بن قدامه- ج2 / ص424، وفي الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة قال: ولا تُكره القراءة على القبر في أصح الروايتين هذا هو المشهور عن أحمد فإنه روي منه) ج2 / ص424.

15- المغني -عبد الله بن قدامه- ج2 / ص425، الشرح الكبير لابن قدامة ج2 / ص425، وفي تلخيص الحبير -ابن حجر- لابن حجر أورد رواية عن ابن اللجاج عن الرسول (ص) بنفس المفاد ج5 / ص210.