آدمُ أبو البشر هو عينُه آدمُ المُصطفى

المسألة:

ثمة دعوى مثارة هي أنَّ آدم الذي أخبر القرآنُ عنه بقوله: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ ليس هو آدم الذي أخبر عنه بقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ فالأولُ هو أبو البشر والثاني هو آدمُ النبيُّ الذي اصطفاهُ اللهُ كما اصطفى نوحاً وآلَ إبراهيم.

 

فثمة شخصيَّتان إحداهُما غير الأخرى، الأولى هي آدمُ أبو البشر لم يكن لها سوى دور التكثير للنسل فلم يكن نبيَّاً بل كان عاصياً فتاب، والأُخرى هي آدمُ المصطفى، فهل هذه الدعوى صحيحة؟

 

الجواب:

آدم (عليه السلام) شخصيَّة واحدة:

إنَّ آدمَ المذكور في القرآن الكريم شخصيَّةٌ واحدة، فهو أبو البشر وهو نفسُه الذي اصطفاهُ اللهُ تعالى، فالمعنيُّ بقوله تعالى: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾(1) هو عينُه المعنيُّ بقوله: ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا ..﴾(2)، نعم قد يكون ثمة آدم أو أكثر قد خُلقوا قبل آدمِنا إلا انَّ آدمَ الذي تحدَّث عنه القرآن الكريم وذكر انَّه أبو البشر وانَّه خلقَه وأسكنَه جنَّةً وأمر الملائكةَ بالسجود إليه ثم أهبطَه إلى الأرض بعد أنْ أكلَ من الشجرة التي نهاهُ عن الاقتراب منها، آدمُ هذا هو عينُه آدم الذي أخبر عنه القرآن بقوله: ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا﴾ فهو الذي علَّمه الأسماءَ كلَّها وهو الذي تلقَّى من ربِّه كلماتٍ فتابَ عليه، وهو الذي اصطفاه كما اصطفى نوحاً وآل إبراهيم وآل عمرانَ على العالمين.

 

الأدلة على أن آدم (ع) شخصية واحدة:

ويُمكن الاستدلال على اتِّحاد آدمَ المذكور في القرآن الكريم بأمور:

الأمر الأول: الروايات

الرواياتُ الكثيرة الواردة عن أهل البيت (ﻉ) والتي ورد الكثيرُ منها في كتبِنا المعتبرة ككتاب الكافي للشيخ الكلينيِّ وكتاب من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق وكتاب التهذيب للشيخ الطوسي وكتاب عيون أخبار الرضا (ع) للشيخ الصدوق وغيرها، ويمكن تصنيفُ هذه الروايات إلى طوائف:

 

الطائفة الأولى: التي وصفت آدم الذي هبط من الجنَّة بالمصطفى.

فمن هذه الروايات ما رواه الشيخُ الكلينيُّ في الكافي بسنده إلى أبي عبد الله الصادق (ع) قال: "إنَّ الله عزَّ وجل لمَّا أصاب آدمُ وزوجتُه الخطيئة أخرجهما من الجنَّة وأهبطهما إلى الأرض فأهبط آدمَ على الصفا وأُهبطت حواء على المروة، وإنَّما سُمي صفا لانَّه شُقَّ له من اسم آدم المصطفى، وذلك لقوله عزَّ وجل: ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا﴾ وسُمِّيت المروة .."(3).

 

ومنها: ما رواه الشيخُ الصدوق بسنده إلى أبي عبد الله (ع) في كتابه علل الشرايع ورواه في كتابه من لا يحضره الفقيه قال: قالأبو عبد الله الصادق (ع): "سُمِّي الصفا صفا لأنَّ المصطفى آدم هبَط عليه فقُطع للجبل اسمٌ من اسم آدم (ع) يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ وهبطت حواء على المروة .."(4).

 

وفي كتاب من لا يحضره الفقيه عن الإمام الصادق (ع): "وإنما سُمي الصفا صفا لأنَّ المصطفى آدم (ع) هبط عليه فقُطع للجبل اسمٌ من اسم آدم (ع) لقوله الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا﴾ وأهبط حواء على المروة .."(5).

 

ومنها: ما رواه عليُّ بن إبراهيم القمِّي في تفسيره عن أبي عبد الله (ع) في قوله تعالى: ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ﴾، قال (ع): "فهبَط آدم على الصفا، وإنما سُمِّيت الصفا لأنَّ صفوة الله قد نزلَ عليها، ونزلت حواء على المروة .."(6).

 

فهذه الطائفة من الروايات صريحةٌ جداً في انَّ آدم المصطفى هو عينُه آدم الذي أزلَّه الشيطان فأهبَطه اللهُ من الجنَّة إلى الأرض، فالروايةُ الأخيرة وصفت آدم الذي أزلَّه الشيطان بصفوة الله عزّ وجل، والرواية الأولى والثانية طبَّقت قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ﴾(7) على آدم الذي هبَط مع حواء من الجنَّة، وأفادتا انَّ جبل الصفا إنَّما سُميَّ بذلك لأنَّه اشتُقَّ من اسم آدم المصطفى.

 

الطائفة الثانية: والتي تصدَّت لمعالجة ما اشتبه على الناس من معنى قوله تعالى: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾(8) حيث أفادت في محصَّلها انَّ هذه الآية المباركة لا تنافي عصمة نبيِّ الله آدم (ع) ثم اشتملت على ما هو صريح من انَّ المعنيَّ بقوله: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ﴾ هو المعنيُّ بقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا﴾، وهي رواياتٌ عديدة رُويت عن الإمام الرضا (ع).

 

منها: ما رواه الشيخ الصدوق بسنده في عيون أخبار الرضا (ع) قال: ".. قام إليه علي بن محمد بن الجهم فقال له يا ابن رسول الله (ص) أتقول بعصمةِ الأنبياء؟ قال (ع): "نعم"، قال: فما تعمل في قوله الله عزَّ وجل: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ وقوله تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ وفي قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا﴾؟، فقال الرضا (ع): "ويحك يا علي اتقِ الله ولا تنسبنَّ إلى أنبياء الله الفواحش ولا تتأوَّل كتابَ الله برأيك فإنَّ الله عزَّ وجل قد قال: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ﴾، وأما قولُه تعالى: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ فإنَّ الله عز وجل خلق آدم حجَّةً في أرضه وخليفتَه في بلاده لم يخلقه للجنَّة، وكانت المعصية من آدم في الجنَّة لا في الأرض، وعصمتُه يجب أنْ يكون في الأرض ليتمَّ مقاديرُ أمر الله، فلمَّا هبط إلى الأرض وجُعل حجَّةً وخليفةً عُصِم بقوله: ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾"(9).

 

وقد وردت رواياتٌ عديدة بهذا المضمون أو قريبٌ منه، وهي صريحة كما لاحظتم في انَّ آدم الذي هبط من الجنَّة هو الذي عناه الله تعالى في قوله: ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا﴾.

 

الطائفة الثالثة: الروايات التي تصدَّت لإفادة انَّ آدمَ الذي هبَط من الجنَّة إلى الأرض كان نبيَّاً وكان حجَّةً لله تعالى على خلقِه، والرواياتُ الدالَّة على ذلك كثيرةٌ جداً.

 

منها: ما رواه الشيخُ الطوسي في التهذيب بسنده إلى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال: "لمَّا مات آدمُ فبلغ إلى الصلاة عليه قال: هبةُ الله لجبرئيل تقدَّم يا رسول الله فصلِّ على نبيِّ الله، فقال جبرئيل (ع): إنَّ الله أمرنا بالسجود لأبيك فلسنا نتقدَّم أبرار ولدِه وأنت من أبرِّهم فتقدَّم وكبِّر عليه خمساً .."(10).

 

ومنها: ما رواه الصدوق بإسناده إلى أبي جعفر الباقر (ع): ".. فلما جاء وقتُ وفاة آدم (ع) أوحى الله إليه انِّي متوفِّيك فأوصِ إلى خير ولدِك وهو هبتي الذي وهبتُه لك فأوصِ إليه وسلِّم إليه ما علَّمتُك من الأسماء فإنِّي أُحبُّ انْ لا تخلوَ الأرض من عالمٍ يعلم علمي ويقضي بحكمي أجعلُه حجَّةً على خلقي ..، وأمر آدم (ع) بتابوت ثم جعل فيه علمَه والأسماء والوصيَّة ثم دفعه إلى هبة الله فقال له: يا بُنيَّ إنَّ الله اهبطني إلى الأرض وجعلني خليفةً فيها وحجَّةً له على خلقِه وجعلك حجةَ الله في أرضه من بعدي .."(11).

 

ومنها: ما رواه الكليني في الكافي بسنده إلى أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر الباقر (ع): "إنَّ الله تبارك وتعالى عهد إلى آدم (ع) ان لا يقرب هذه الشجرة .. فلما انقضت نبوَّة آدم واستكمل أيامَه أوحى اللهُ إليه أنْ يا آدم قد انقضت نبوَّتُك واستكملتَ أيامَك فاجعل العلم الذي عندك والإيمانَ والاسمَ الأكبر وميراثَ العلم وآثار علم النبوَّة في العقِب من ذريَّتِك عند هبة الله .."(12).

 

ومنها: ما نقلناه في الطائفتين الأولى والثانية فهي جميعاً صريحة في انَّ الذي هبط من الجنة وأسجد الله له ملائكته كان نبيَّاً وحجةَ الله تعالى ولم يكن مبدأً للتناسل وحسب.

 

الطائفة الرابعة: الروايات التي وصفت آدم أبا البشر بصفات لا تليق إلا بأصفياء الله ونجبائه، وذلك ما يُعبِّر عن انَّ المعنيَّ بقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ﴾ هو آدم أبو البشر الذي هبطَ من الجنَّة إلى الأرض.

 

فمن هذه التوصيفات انَّ الله تعالى قد أعطاه الاسمَ الأعظم، وانَّ الله كان يُوحي إليه، وكان جبرئيل يهبطُ عليه رسولاً من عند الله تعالى، وانَّه نزل بالحجر الأسود الذي كان فيه ميثاقُ الأنبياء من الجنَّة، وانَّه أولُ من بنى البيت العتيق وعلَّمه جبرئيلُ مناسك الحج، فكانت هي عينُها المناسك التي جاء بها رسولُ الله (ص)، وانَّ شيثاً هبة الله ابنَه كان وصيُّه بأمر الله تعالى وانَّه نزل بالوصيَّة من الجنَّة ثم كُلِّف بتسليمِها لوصيِّه من بعده، وانَّ الله تعالى قد أمر ملائكتَه بتغسيلِه وتكفينِه، وانَّ كفنَه وحنوطَه أُنزل إليه من الجنَّة، وأنَّ الله أمر ملائكتَه ومعهم جبرئيل عظيم الملائكة بالصلاة عليه، وكلُّ هذه المواهب والمِنحُ الإلهيَّة لا يُعطاها إلا أصفياء الله وخاصَّته مِن خلقِه، وهي دليلٌ واضح على انَّه المصطفى الذي عناه بقوله: ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا ..﴾.

 

ولكي نوثّق ما ذكرناه نذكرُ لكلِّ واحدةٍ من هذه المِنحِ الإلهيَّة روايةً أو روايتين، ومن أراد المزيد فلنْ يجد عُسراً في ذلك:

- آدم عنده الاسم الأعظم:

رواه العيَّاشي في تفسيره عن أبي عبد الله الصادق (ع) في مبدأ التناسل عن سليمان بن خالد قال: قلتُ لأبي عبد الله الصادق (ع): جُعلت فداك إنَّ الناس يزعمون انَّ آدم زوَّج ابنتَه من ابنه، فقال (ع): ".. يا سليمان أما تستحي أن تروي ذلك على نبيِّ الله آدم" إلى ان قال (ع): "فأوحى الله إلى آدم انْ أدفع إليه -ابنه هبة الله- الوصيَّة واسم الله الأعظم .. وما أظهرتُك عليه من علم النبوَّة .."(13).

 

وروى الصدوق بإسناده إلى زرارة قال: سُئل أبو عبد الله (ع) عن بدء النسل من آدم (ع) وساق الحديث إلى أن قال (ع): "فلم يلبث آدم (ع) بعد ذلك إلا يسيراً حتى مرض فدعا شيثاً فقال: إنَّ أجلي قد حضر وأنا مريض وإنَّ ربِّي قد أنزل من سلطانه ما قد ترى وقد عهد إليَّ فيما عهد أنْ أجعلك وصيِّي وخازن ما استودعني، وهذا كتاب الوصيَّةِ تحت رأسي وفيه أثرُ العلم واسمُ الله الأكبر"(14).

 

- جبرئيل (ع) كان يهبط عليه بالوحي:

روى الكليني في كتاب الكافي بسنده إلى أبي عبد الله الصادق (ع) قال: ".. ثم إنَّ الله عزَّ وجل منَّ عليه بالتوبة وتلقَّاه بكلمات، فلما تكلَّم بها تاب الله عليه، وبعث إليه جبرئيل (ع) فقال: السلام عليك يا آدم التائب من خطيئته الصابر لبليتِّه إنَّ الله عز وجل أرسلني لأعلمك المناسك .."(15).

 

وروى الكليني بإسناده إلى أبي جعفر الباقر (ع) عن آبائه: "إنَّ الله تبارك وتعالى أوحى إلى جبرئيل (ع) أنا الله الرحمن الرحيم وإنِّي قد رحمت آدم وحواء .. فاهبط عليهما وعزِّهما عنِّى بفراق الجنَّة .. فقال -جبرئيل-: يا آدم إنَّ السبعين ألف ملك الذين أنزلَهم الله إلى الأرض ليؤنسوك ويطوفوا حول أركان البيت المعمور .."(16).

 

والروايات في نزول جبرئيل (ع) على آدم (ع) الذي هبط من الجنَّة كثيرة.

 

- الحجر الأسود نزل به أو نزل على آدم من الجنة:

روى الشيخ الصدوق في كمال الدين بسنده إلى أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (ع) لمَّا سأله اليهودي عن أول حجرٍ وُضع على الأرض فقال (ع): "يا يهودي أمَّا أول حجرٍ وُضع على وجه الأرض فإنَّ اليهود يزعمون أنَّها صخرةُ بيت المقدس وكذبوا ولكنَّه الحجر الأسود نزل به آدم (ع) من الجنَّة والناس يتمسَّحون به ويقبِّلونه ويُجدِّدون العهد والميثاق فيما بينهم وبين الله عزَّ وجل .."(17).

 

وفي نص آخر: "الحجر الأسود هبط به آدم معه من الجنَّة فوضعه في الركن، والناس يستلمونه وكان أشدَّ بياضاً من الثلج فاسودَّ من خطايا بني آدم"(18).

 

وروى الشيخ الصدوق بسنده إلى بُكير بن أَعين قال سألتُ أبا عبد الله (ع) لأيِّ علَّةٍ وضع الله الحجر في الركن الذي هو فيه ولأيِّ علَّةٍ أُخرج من الجنَّة ولأيِّ علَّةٍ وُضع فيه ميثاق العباد والعهد ..؟ فقال (ع): "وضع الحجر الأسود وهو جوهرة أُخرجت من الجنة إلى آدم فوُضعت في ذلك الركن لعلَّةِ الميثاق، وذلك انَّه لما أَخذ من بني آدم من ظهورهم ذريتهم حيث أخذ الله عليهم الميثاق في ذلك المكان"(19).

 

- آدم هو أول من بنى البيت مع جبرئيل (ع):

روى الكلينيُّ في الكافي بسنده إلى أبي عبد الله الصادق (ع) قال: ".. وبعث إليه جبرئيل .. فأخذ بيده فانطلق به إلى مكان البيت، وأنزل اللهُ غمامةً فأظلَّت مكان البيت، وكانت الغمامةُ بحيال البيت المعمور، فقال: يا آدم خطَّ برجلك حيث أظلَّت عليك هذه الغمامة فإنَّه سيخرج لك مهاة يكون قِبلتك وقِبلةَ عقبك من بعدك، ففعل آدم (ع) وأخرج اللهُ له تحت الغمامة بيتاً من مهاة وأنزل اللهُ الحجر الأسود وكان أشدَّ بياضاً من اللبن وأضوءَ من الشمس، وإنما أسّودَّ لأنَّ المشركين تمسَّحوا به"(20).

 

وروى الكلينيُّ في الكافي بسنده إلى أبي عبد الله روايةً أخرى ورد فيها: "فمكث آدمُ بذلك ما شاء الله أنْ يمكث لا يُكلِّمه الله ولا يُرسلُ إليه رسولاً، والربُّ سبحانه يُباهي بصبره الملائكة، فلمَّا بلغ الوقتُ الذي يُريد اللهُ أنْ يتوب على آدم فيه أرسلَ إليه جبرئيل (ع) .. فأخذ جبرئيل بيد آدم (ع) حتى أتى به مكانَ البيت فنزل غمامٌ من السماء فأظلَّ مكان البيت، فقال جبرئيل (ع): يا آدمُ خُطَّ برجلِك حيث أظلَّ الغمام فإنَّه قِبلةٌ لك ولآخر عقبِك من ولدك، فَخطَّ برجله حيث أظلَّ الغمام .. ومدة خطة المسجد الحرام بعد ما خطَّ مكان البيت .."(21).

 

- جبرئيل (ع) علَّم آدم (ع) مناسك الحج:

روى الكلينيُّ بسنده إلى أبي عبد الله الصادق (ع) قال: "إنَّ الله عزَّ وجل لما أصاب آدمُ وزوجتهُ الخطيئة أخرجهما من الجنَّة ..، وبعث إليه جبرئيل (ع) فقال: السلام عليك يا آدم .. إنَّ الله أرسلني إليك لأُعلِّمك المناسك التي تطهر بها فأخذ بيده فانطلق به إلى مكان البيت .. وأمره أنْ يستغفر ربَّه عند جميع المشاعر ويخبره انَّ الله قد غفر له وأمره أنْ يحمل حصيَّات الجمار من المزدلفة، فلما بلغ موضع الجمار تعرَّض له إبليس، فقال جبرئيل (ع): لا تكلِّمه وأرمه بسبع حصيات وكبِّر مع كلِّ حصاة ففعل آدم، وأمره أنْ يُقرِّب القربان وهو الهدي قبل رمي الجمار، وأمره أنْ يحلق رأسه تواضعاً لله عزَّ وجل ففعل، ثم أمره بزيارة البيت وأنْ يطوف به سبعاً ويسعى بين الصفا والمروة أسبوعاً يبدأ بالصفا ويختم بالمروة ثم يطوف بعد ذلك أسبوعاً بالبيت وهو طواف النساء ففعل، فقال له جبرئيل (ع): إنَّ الله عز وجل قد غفر ذنبك .."(22).

 

والروايات في ذلك كثيرة.

 

- نزل آدم بالوصية من الجنة وأمره ان يُوصي إلى شيث:

روى الشيخ الصدوق بسنده عن زرارة قال: سُئل أبو عبد الله الصادق (ع) عن بدء النسل قال (ع): ".. فلم يلبث آدم .. وقال يا بُنيَّ إنَّ أجلي قد حضر .. فإذا أنا متُّ فخذ الصحيفة وإيَّاك أن يطَّلع عليها أحد .. وفيها جميعُ ما تحتاج إليه من أمور دينك ودنياك، وكان آدمُ (ع) قد نزل بالصحيفةِ التي فيها الوصيَّة من الجنَّة .."(23).

 

وروى الشيخ الصدوق بسنده عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (ع) قال: "لما أوصى آدم (ع) إلى هابيل حسده قابيل فقتله فوهب الله تعالى لآدم هبة الله -شيثا- وأمره أنْ يوصي إليه وأمره ان يكتم ذلك .."(24).

 

- حضور الملائكة لآدم قُبيل وفاته:

روى الشيخ الصدوق بسنده عن فضيل بن يسار عن أبي جعفر الباقر (ع) قال: ".. وآدم لم يزل بمكَّة حتى إذا أراد أنْ يقبضه بعث إليه الملائكة .. فلمَّا رأت حواء الملائكة ذهبت لتدخل بينه وبينهم، فقال لها آدم (ع): خلِّي بيني وبين رسلِ ربِّي .."(25).

 

- هبوط الملائكة لتجهيز آدم (ع):

روى الصدوق بسنده إلى زرارة: عن أبي عبد الله الصادق (ع): ".. فمضى -شيث- حتى صعد إلى الجبل فإذا هو بجبرئيل في قبائل من الملائكة، فبدأ جبرئيل بالسلام فقال له شيث: مَن أنت يا عبد الله؟ قال: أنا الروح الأمين جبرئيل، فقال: إنَّ أبي مريض وقد أرسلني إليكم وهو يقرؤكم السلام .. قال: وعلى أبيك السلام يا شيث أما انَّه قد قُبِض وإنَّما نزلتُ لشأنه فعظَّم اللهُ على مصيبتك فيه أجرَك .. ارجع، فرجع معهم، ومعهم كلُّ ما يصلح به أمر آدم (ع) قد جاءوا به من الجنّة .. فقال جبرئيل: يا شيثُ ألم تعلم أنَّ الله تعالى لمّا خلق أباك آدم أوقفه بين الملائكة وأمرنا بالسجود له فكان إمامنا .."(26).

 

وروى الشيخ الصدوق بسنده عن السجستاني عن أبي جعفر الباقر (ع) قال: "لمّا علِم آدم بقتل هابيل .. قال: ونزل مع جبرئيل سبعون ألف ملك ليحضروا جنازة آدم (ع) .."(27).

 

- نزول كفن آدم وحنوطه من الجنّة بيد الملائكة:

روى الشيخ الصدوق بسنده عن السجستاني عن أبي جعفر الباقر (ع) قال: "فهبط ملك الموت فقال آدم (ع): أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّي عبد الله وخليفته في أرضه ابتدأني بإحسانه وأسجد لي ملائكته وعلَّمني الأسماء كلّها ثمّ أسكنني جنّته ولم يكن قد جعلها لي دار قرار، وإنَّما خلقني لأسكـ ن الأرض للذي أراد من التقدير والتدبير، وقد كان نزل جبرئيل بكفن آدم من الجنّة والحنوط والمسحاة معه .."(28). 

 

وروى الصدوق بإسناده عن فضيل بن يسار عن أبي جعفر الباقر (ع) قال: "أرسل آدم (ع) ابنه إلى جبرئيل (ع) .. فلقاه جبرئيل فقال: .. ارجع إلى أبيك فقد قُبِض وأُمرنا بإجهازه والصلاة عليه .. قال: وآدم (ع) لم يزل يعبد الله بمكّة حتى إذا أراد أن يقبضه بعث إليه الملائكة معهم سرير وحنوط وكفن من الجنّة .. فلمّا رأت حوّاء الملائكة .."(29).

 

- الملائكة تصلّي على آدم بإمامة وصيّه:

روى الشيخ الصدوق بسنده عن زرارة عن أبي عبد الله الصادق (ع): ".. ثم إنَّ جبرئيل أخذ بيد شيث فأقامه للصلاة عليه كما نقوم اليوم نحن .. وعلّمه كيف يصنع ثمّ إنَّ جبرئيل (ع) أمر الملائكة أن يصطفوا قيامًا خلف شيث .. فقال شيث (ع): يا جبرئيل ويستقيم هذا لي وأنت من الله بالمكان الذي أنت ومعك عظماء الملائكة؟ فقال جبرئيل: يا شيث ألم تعلم أنَّ الله تعالى لمّا خلق أباك آدم أوقفه بين الملائكة وأمرنا بالسجود له فكان إمامنا ليكون ذلك سنّة في ذريته، وقد قبضه اليوم وأنت وصيّه ووارث علمه وأنت تقوم مقامه فكيف نتقدمك وأنت إمامنا"(30).

 

وروى الشيخ الصدوق بسنده عن فضيل بن يسار عن أبي جعفر الباقر (ع): ".. فلقاه جبرئيل وقال ارجع إلى أبيك فقد قُبِض وأُمرنا بإجهازه والصلاة عليه فلمَّا جهّزوه قال جبرئيل: تقدّم يا هبة الله فصلِّ على أبيك فتقدم وكبّر عليه خمسًا وسبعين تكبيرة، سبعين تفضّلاً لآدم (ع)، وخمسًا للسنّة.. فلمّا رأت حوّاء الملائكة .."(31).

 

هذه مجموعة من الروايات وما أغفلناه خشية الإطالة أضعافُ ما ذكرناه، وقد لاحظتم أنَّ هذه الروايات تحدّثت عن مِنَحٍ ومواهبَ إلهيَّة أكرمَ اللهُ بها آدم الذي هبط من الجنَّة فكان مبدأً للتناسل، ومثلُ هذه الكرامات والمواهب الإلهيَّة لا تُعطى إلا لأصفياء الله تعالى ونجبائه وهو ما يُعبِّر تعبيرًا واضحًا لا تلكُّأ فيه عن أنَّ المعنيَّ بقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا ..﴾ هو عينُه آدم أبو البشر الذي خلقَه اللهُ ليكون خليفة له في الأرض فأهبطَه من الجنّة لذلك.

 

وقد ثبت من مجموع الروايات أنَّ آدم (ع) الذي كان مبدأً للتناسل كان نبيًّا وخليفة الله في أرضه وحجّتَه على عباده وحينئذٍ كيف يسوّغُ لمثير الشبهة أنْ يصفَه بالهمجيّة ويدَّعي أنّ آدم الرسول لم يكن هو آدم الذي كان أصلاً لبني الإنسان وأنَّ المفسِّرين وقد وقعوا في خلطٍ بين الآدمين.

 

فإنْ كان يعني أنَّ أئمة أهل البيت (ﻉ) هم ضمن مَن وقعوا في الخلط فتلك واللهِ هي الطامّةُ الحالقةُ للدين، وإنْ كان ذلك جهلاً بما ورد عن أهل البيت (ﻉ) فجديرٌ بالجاهل أن يثوبَ إلى ما يقتضيه الحقُّ.

 

وإن كان منشأ هذا الاعتساف هو التنظُّر في الصدور عن أهل البيت (ﻉ) فذلك شأنُ من لا حظَّ له في معرفة ضوابط التثبُّت من الصدور، فما رُوي عن أهل البيت (ﻉ) في ذلك يفوقُ مستوى التواتر الإجماليِّ.

 

فإذا كان يصحُّ الخلط على المفسِّرين من العلماء مجتمعين فإنَّ نسبة الخلط إلى أئمة أهل البيت (ﻉ) يساوقُ الجحود لعصمتِهم وانَّهم عِدلُ القرآن الذين خلَّفهم رسولُ الله (ص) في أُمَّته وأفاد أنَّهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض وإنَّ التمسُّك بهما أمانٌ من الضلال، "ما إنْ تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا"(32).

 

الأمر الثاني: القرائن قائمة على خلاف دعوى التعدد

إنَّ آدم (ع) ذُكر في القرآن الكريم قرابةَ العشرين مرّة وذُكر في الروايات الواردة عن أهل البيت (ﻉ) مئات المرَّات فلم نقف في شيءٍ من آيات القرآن أو الروايات على ما يقتضي استظهار تعدُّد هذه الشخصيَّة سوى ما يُدَّعى في آية ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا ..﴾.

 

فلو كان آدم المذكور في القرآن متعدِّدًا واقعًا لكان إغفال التصريح أو التنويه على ذلك في القرآن أو الروايات في غاية البُعد، إذ أنّه بعد ملاحظة العناية المتميّزة بهذه الشخصيَّة، والذي يُعبِّر عنها الإكثار من ذكرها في سورٍ عديدة من القرآن وفي الكثير الكثير من الروايات، وبعد ملاحظة أنَّ عدم التنويه على تعدُّد الشخصيّة يكون موجبًا للخلط بين شخصيتين إحداهما لم يكن له سوى دور التكثير للنسل والأخرى كان لها مقام الاصطفاء، وهو ما يمثّل إساءةً للشخصيَّة الثانية خصوصًا وأنَّ الشخصيّة الأولى كان قد وقع منها الزلل والمعصيّة، فالإغفالُ لبيان التمايز بين الشخصيتين بعد اقتضاء ذلك للخلط بينهما لا يصدرُ من متكلِّم عاقل حريصٍ على إيصال مقاصده، ولو وقع منه ذلك لوصمه العقلاء من أهل الخطاب والمحاورة بعدم الفصاحة، فإذا كان ذلك غير لائقٍ بالمتكلِّم العاقل الذي يصحُّ نعتُه بالفصيح فكيف يليقُ بالقرآن الكريم المشفوع بتصدّي الرسول (ص) وأهل بيته (ﻉ) لبيان آياته ومقاصده، فكيف لم تتصدَ السنّة الشريفة -رغم كثرة ما تصدّت له في هذا الشأن- لبيان تمايز الشخصيتين مع ملاحظة أنَّ عدم البيان مقتضيًا للوقوع في الخلط بين الشخصيتين.

 

على أنَّ الأمر لا ينتهي عند هذا المحذور بل يترقَّى إلى ما هو أشدّ محذورًا منه، فالرواياتُ التي تصدَّت لتشخيص آدم المصطفى صرَّحت بما لا عذر معها للبس بأنَّ آدم المصطفى هو عينُه آدم الذي ذَكَر القرآنُ أنه كان مبدأً للتناسل والذي أهبطه الله من الجنّة بعد أنْ أكلَ من الشجرة التي نهاهُ الله تعالى عن الأكل منها، كما اتَّضح ذلك ممَّا تقدّم.

 

ثم مَن هو آدم الذي اصطفاهُ اللهُ تعالى إذا لم يكن هو آدم الذي هبط من الجنّة، فليس في القرآن ذكرٌ له ولعهده وقومه كما هو لنوحٍ وإبراهيم وموسى وعيسى (ﻉ)، فإذا كان اللهُ عزَّ وجلّ قد جعله في مصافِّ نوحٍ وإبراهيم وعيسى ألم يكن من المناسب التنويه على شيءٍ ممّا وقع له أو منه كما هو الشأن في الأنبياء الذين ذكرهم في سياق ذكره له.

 

ثمَّ ما هو المنشأ لإغفال الروايات التي على كثرتها وتصدِّيها لبيان أحوال الكثير من الأنبياء، ما هو المنشأ لعدم التصدِّي لبيان أحوال هذا النبيِّ أو الصفيِّ لو كان هو غير آدم الذي تصدَّت لبيان أحواله وما وقع منه وما وقع عليه.

 

ودعوى أنَّ الروايات التي تصدَّت لبيان أحوال آدم (ع) كان المقصود منها هو آدم المصطفى دون آدم أبي البشر هذه الدعوى لا يجرؤ على ادّعائها إلا مكابر، فأكثر هذه الروايات -وقد تتبعناها- مشتملة على ما يُورث الوثوق بأنَّ المقصود منها هو آدم الذي هبط من الجنّة، فهو صاحب حوّاء وهو الذي علّمه جبرئيل مناسك الحجّ وهو الذي كان له ولدان قَتل أحدُهما الآخر، وهو الذي نزل بالوصيّة من الجنّة ودفعها عند موته إلى ابنه شيث -هبة الله- وهو الذي صلَّت عليه الملائكة بعد أن كفَّنته بكفنٍ من الجنّة وحنَّطته بحنوطٍ من الجنّة.

 

فالرواياتُ التي تصدَّت لذلك وقع أكثرها في سياقٍ واحد فهي تتحدَّث عن هبوطه أو كونه مبدأً للتناسل ثم تتصدَّى لبيان بعض ما أكرمه اللهُ به.

 

وفي المقابل لم نقف على روايةٍ واحدة يصح التمسُّك بها ولو بمستوى تمسُّك الغريقِ بالقشَّة لإثبات انَّ المعنيِّ بآدم الذي وصفت له الرواية كرامة أو قولاً مأثوراً انَّ المعني به آدم غير آدم الذي هبط من الجنة.

 

وعليه فيتمحَّض منشأ الدعوى بالتمايز في التخرُّص المعتمِد على ما عبَّر عنه مثيرُ الشبهة بالكشف الأحفوري الذي لا يُنتج عند أهله سوى الاحتمال الذي لا يُغني عن الحقِّ شيئاً خصوصاً بعد منافاته للمقطوع النقليِّ ممَّن ثبت انَّهم لا ينطقون إلا عن مأثورٍ جاء به الوحي، ولا أدري كيف يسوغُ لعاقلٍ يحترمُ عقلَه أنْ يقطع اعتماداً على وسيلةٍ لا تُنتج عند العقلاء قطعاً بل ولا ظناً يصحُّ ترتيب الأثر عليه، فالعهدُ بعيد والاحتمالاتُ مفتوحة على مصراعيها.

 

ولا سبيل للوقوف على مثل ذلك بنحو البتِّ إلا بواسطة الوحي الذي اختصَّ به أنبياءُ الله تعالى ومَن ارتضاهم لغيبه، نعم يحلو لمن تستخفُّه أوهام الفتح العلمي أنْ يخبط في قفاه.

 

الأمر الثالث: اجتباء أبي البشر آدم (ع)

إنَّ الآية ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ تلاها قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى﴾(33) والمرادُ من الاجتباء تعبير آخر عن الاختيار والاصطفاء كما هو مقتضى المدلول اللغويِّ، قال الراغب في المفردات:

 

الاجتباء هو (الجمع على طريق الاصطفاء، واجتباء اللهِ العبدَ تخصيصه إيَّاه بفيضٍ إلهيٍّ يتحصَّل له منه أنواع النعم بلا سعيٍ من العبد، وذلك للأنبياء وبعض مَن يقاربهم من الصدِّيقين والشهداء)(34)، وفي تاج العروس للزبيدي: (واجتباه لنفسه اختاره واصطفاه، قال الزجاج: مأخوذ من جبيت الشيء إذا خلصته لنفسك)(35)، وقال الخليل الفراهيدي في كتاب العين: (واجتبى الرجلُ الرجلَ إذا قرَّبه قال الله تعالى: ﴿فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ﴾)(36)، وفي لسان العرب: "وقوله ﴿وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ﴾ قال الزجاج: وكذلك يختارك ويصطفيك وهو مشتقٌ من جبيت الشيء إذا خلَّصته لنفسك"(37).

 

ثم إنَّ استعمال لفظ الاجتباء في معنى الاصطفاء هو المناسب للعديد من الآيات التي استعملت هذا اللفظ لافادة معنى الاصطفاء في أكثر من اشتقاق.

 

قال تعالى على لسان نبيِّه يعقوب (ع) مخاطباً نبيَّه يوسف (ع) حين كان في عمر الصبا بعد أنْ قصَّ عليه رؤياه: ﴿وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾(38)، فالواضحُ من مساق الآية المباركة انَّ المراد من الاجتباء هو الاصطفاء واختياره للنبوَّة.

 

وقال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ﴾(39).

 

فمفاد الآية انَّ المشركين قد كبُرَ عليهم أن يكون محمدٌ رسولاً إليهم يدعوهم إلى شريعة الدين، فكان جوابُ الله تعالى لهم انَّه يجتبى لرسالتِه من يشاء أو انَّه يختار ويصطفي لنفسه من يشاء فإرادةُ الاختيار والاصطفاء من لفظ الاجتباء واضحةٌ جداً، ويؤكِّد ذلك التذييل بالمشيئة المساوق لمعنى الاختيار ﴿مَن يَشَاء﴾.

 

ولو كان المراد من الآية هو انَّه تعالى يجتبي لدينه مَن يشاء لكان الاجتباء أيضاً بمعنى الاختيار والاصطفاء كما هو ظاهر جداً.

 

وقال تعالى: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ / وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ / وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ / وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ / وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾(40).

 

فهؤلاء الأنبياء الذين عدَّد الله تعالى أسماءهم، وفيهم من لم يذكر أسماءهم أخبر عنهم انَّه قد اجتباهم وهداهم.

 

وقال تعالى حكايةً عن نبيِّه يونس (ع): ﴿لَوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاء وَهُوَ مَذْمُومٌ / فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾(41).

 

والاجتباء هنا كما في الآيات السابقة لا معنى له سوى الاختيار والاصطفاء، ومعنى قوله: ﴿فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ أي جعله من الصالحين لتحمُّل أعباء الرسالة، إذ لم يكن -رفع الله شأنه- مُفسِداً قبل أن تلتقمه الحوت، ويُؤيِّد ذلك أيضاً توصيف الله تعالى لزكريا ويحيى وعيسى وإلياس بالصالحين في قوله تعالى: ﴿وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾، وكذلك قوله تعالى: ﴿وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ / وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾ ثم انَّه يمكن تأييد إرادة الاصطفاء والنبوَّة من قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى﴾ ببعض الروايات الواردة عن أهل البيت (ﻉ):

 

منها: ما رواه الصدوق في عيون أخبار الرضا (ع) بسنده إلى الإمام الرضا (ع): ".. فكان ذلك -أي الأكل من الشجرة- من آدم قبل النبوَّة ولم يكن ذلك بذنب كبيرٍ .. فلمَّا اجتباه اللهُ وجعله نبيَّاً كان معصوماً ولا يذنب صغيرةً ولا كبيرة، قال عزَّ وجل: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى / ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى﴾ وقال عزّ وجل: ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ .."(42).

 

ومنها: ما رواه في المستدرَك قال: قال الصادق (ع): "الحاسدُ يضرُّ بنفسِه قبل أنْ يضرَّ بالمحسود كإبليس أورثَ بحسده لنفسه اللعنة ولآدم (ع) الاجتباء والهدى والرفع إلى محلِّ حقائق العهد والاصطفاء .."(43).

 

وأمَّا ما قد يُقال من انَّه لو كان المرادُ من الاجتباء في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ﴾ هو الاصطفاء والنبوَّة لكان من غير المناسب تعقيب الاجتباء بالتوبة والهداية ﴿ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى﴾ لانَّ مقام الاصطفاء والنبوَّة أعلى من مقام التوبة والهداية.

 

فإنَّ جواب ذلك هو انَّ القرآن قد أخبر عن انَّه تاب على أنبياء وأخبر عن انَّه هداهم، قال تعالى: ﴿لَقَد تَّابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ﴾(44) وليس ثمة من نبيٍّ يفوق محمَّداً (ص) مقاماً وفضلاً ورغم ذلك أخبر القرآنُ عن انَّ الله تعالى قد تاب عليه.

 

وقال تعالى: ﴿وَنُوحًا هَدَيْنَا﴾(45)، وقال تعالى: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ / وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ﴾(46)، وقال تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ / أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾(47).

 

الأمر الرابع: أحوال آدم (ع) في القرآن

هذا مضافاً إلى انَّ ما أفاده القرآن من أحوال آدم (ع) أبي البشر لا يتَّفق وقوعُه إلا لأصفياء الله وخاصَّته، فقد أخبر انَّ الله تعالى علَّمه الأسماء كلَّها ثم باها به الملائكة ثم كلَّفه بأن يُعلِّم الملائكة ما علّمه إياه من الأسماء، وهذا معناه انَّه كان يحدِّث الملائكة وتحدِّثه.

 

قال تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ / قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ / قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ / وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾(48).

 

فهذه الآياتُ صريحةٌ في انَّ الله تعالى علّم آدم (ع) الذي كان مصدراً للتناسل، وقال له أنبئ الملائكة بما علمتُك، فكان تعليمُه لآدم بالعلم اللدنِّي، وليس بواسطة الملائكة، إذ المفترض انَّ آدم هو مَن أنبأ الملائكة بعد تعليم الله تعالى له، وتلك مرتبةٌ تفوق مرتبة الوحي بواسطة الملَك، ثم انَّ إنباء آدم أبي البشر للملائكة وتعليمه لهم الأسماء كلَّها فضيلة أُخرى لآدم (ع) لم يتحدث القرآن عن انَّها اتَّفقت لغيره من أنبياء الله ورسله، ثم إنَّ الله تعالى أخبر انَّه أمر الملائكة بالسجود له، وظاهر الآية انَّ الأمر بالسجود كان بعد تعليم آدم لهم.

 

ثم إنَّ الله تعالى أخبر عن انَّ آدم تلقَّى من ربِّه كلماتٍ قال تعالى: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ﴾(49).

 

والظاهر انَّ التلقِّيِّ كان وحياً بالمعنى الذي يكون للأنبياء، إذ انَّ ذلك هو المناسب لمتعلَّق الوحي وهو الكلمات الظاهرة في انَّها كلمات محدَّدة.

 

ويُؤيِّد ذلك رواياتٌ كثيرة، هذا وقد روى الصدوق في الخصال بسنده عن المفضَّل بن عمر عن الإمام الصادق (ع) قال: سألتُه عن قوله عزّ وجل: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ﴾، ما هذه الكلمات؟ قال (ع): "هي الكلمات التي تلقَّاها آدم من ربِّه فتاب عليه"(50).

 

فالكلمات التي ابتلي بها إبراهيمَ ربُّه هي التي أهلَّته لمقام الإمامة، قال تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾(51).

 

فهذه الرواية تُؤكِّد انَّ ما تلقَّاه آدم كان وحياً أهَّله لمقام الإمامة والاصطفاء، وهو معنى قوله تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ فخلافة آدم (ع) لله في الأرض كانت بمعنى الإمامة الإلهيَّة، ويُؤيد ذلك ما أفاده القرآن في شأن نبي الله داود (ع): ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾(52).

 

وبمجموع ما ذكرناه تبيّن انَّ المعنيَّ بقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا﴾ هو آدم أبو البشر الذي أهبطه الله إلى الأرض.

 

مناشئ توهُّم التمايز بين آدم الإنسان وآدم المصطفى:

المنشأ الأول للتوهُّم:

انَّ آدم الذي كان مبدأً للتناسل قد أخبر اللهُ عنه انَّه عصى وغوى، وهذا لا يُناسب الاصطفاء.

 

الردّ:

والجواب انَّنا لن نتصدَّى في المقام لبيان المراد من معنى المعصية وانَّ ذلك لا يُنافي العصمة، ففيما أفادَه علماؤنا الأبرار غنىً وكفاية.

 

وإنَّما سنجيب عن هذا التوهُّم بجوابٍ نقضي، وهو انَّ القرآن قد وصف مَن لا ريب في نبوَّتِهم واصطفائهم بما يُساوق التعبير بالمعصية التي وصف بها آدم (ع).

 

قال تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾(53).

 

وقال تعالى في آية أخرى: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ / لَوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاء وَهُوَ مَذْمُومٌ / فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾(54).

 

وقال تعالى: ﴿وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ / إِذْ أَبَقَ إلى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ / فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ / فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ / فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ / لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾(55).

 

فالآيةُ الثانية وصفته بالمذموم، والثالثةُ أخبرت عنه انَّه أبَق أي هرب، ومعنى ذلك بدواً انَّه تركَ الوظيفةَ الإلهيَّة المُناطة به وخرج عن ديار قومِه الذين بُعث إليهم، وكلُّ ذلك لم ينافِ كونِه من المرسلين وانَّ الله تعالى قد اجتباه وجعله من الصالحين ﴿فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾(56).

 

هذا وقد أخبر الله عن كليمِه موسى فقال جلَّ وعلا: ﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إلى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾(57).

 

وقال تعالى: ﴿قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا / أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي / قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾(58).

 

وقال تعالى: ﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ / قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾(59).

 

فمفاد الآية الأولى والثانية أنَّ موسى (ع) أمسك برأس هارون (ع) ولحيتِه على وجه التعنيف، وأخذ يجرُّهما إليه رغم انَّ هارون (ع) لم يصدرْ منه ما يستحقُّ به هذا التعنيف، واشتملتْ الآيةُ الثانية على تقريعٍ قوليٍّ لهارون (ع) من أخيه موسى (ع) واستفهامٍ على نحو التوبيخ ﴿أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي﴾ رغم انَّ هارون (ع) كان نبيًّا ولا تليقُ مخاطبتُه بذلك ولا ادانتُه بما لم يصنع .

 

واشتملت الآيةُ الثالثة على توصيف موسى (ع) لعملِه وقتلِه للرجل بأنَّه من عمل الشيطان ثم أقرَّ بأنَّه ظلَم نفسَه فاستغفر ربَّه ممَّا فعل فغفرَ اللهُ تعالى له.

 

فهذه الآيات قد يُتوهَّم منها ارتكاب موسى (ع) للخطأ ورغم ذلك لم تكن منافيةً واقعاً لعصمتِه، ولم تُوجب حرمانه من مقام الاصطفاء والرسالة.

 

وهكذا فإنَّ ثمة آياتٌ عديدة وصفت بعض أفعال الأنبياء بالذنب أو بما يوجبُ التوبة والاستغفار فلم تكن منافيةً لاصطفائهم، لانَّها واقعاً لم تكن ذنباً ومعصيةً بالمعنى المنافي للعصمة والاصطفاء بل كانت من المخالفة للأولى.

 

المنشأ الثاني للتوهُّم:

و توهُّم انَّ الاصطفاء لا يتمُّ إلا في إطار أفرادٍ متعدِّدين يصطفي أحدَهم أي يختارُه من بينهم، وحيثُ إنَّ آدم الأول لم يكن معه من احد، فاختياره لا يكون اصطفاءً، وذلك يقتضي انَّ آدم المُصطفَى لم يكن هو آدم الأول.

 

الرد:

والجواب عن هذا التوهُّم هو انَّه لو قبلنا بأنَّ الاصطفاء لا يكون إلا ضمن أفرادٍ متعدِّدين فإنَّه لا يكون مقتضياً لوجودهم الفعلي، فإنَّ الله تعالى يعلمُ منذ الأزل بمن سيخلقُهم ويعلمُ بمقدار أهليَّةِ واستعداد كلِّ واحدٍ منهم، وحينئذٍ يكون اختيارُ واحدٍ أو أكثر من بينهم في الأزل اصطفاءً.

 

فاصطفاءُ الله تعالى ليس كاصطفاءِ الناس يكون خاضعاً للتجربة والملاحظة والمعالجة فهو تعالى يعلمُ بأحوال عبادِه واستعداداتِهم منذ الأزل.

 

ولذلك ورد بطرق عديدة عن النبيِّ (ص) انَّه قال: "كنتُ نبيَّاً وآدم بين الماء والطين"(60)، فهو قد اصطفاه قبل أن يكون ثمة انسان على وجه الأرض، وقد أخبر الله تعالى نبيَّه زكريا (ع) بأنَّه سيُرزق ولداً يكون نبيَّاً وهو بعدُ لم يُخلق ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾(61).

 

وكذلك هو الشأنُ في نبيِّ الله عيسى (ع) اصطفاه واختاره نبيَّاً قبل أنْ يخلقه ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ / وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ / قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ / وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ / وَرَسُولاً إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾(62).

 

والمتحصَّل انَّ الإصطفاء هنا بمعنى الإختيار من بين أفراد البشر بلحاظ عمود الزمان.

 

المنشأ الثالث للتوهُّم:

انَّ قوله تعالى: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ﴾(63) بعد قوله ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ يقتضي أنْ يكون آدمُ ذريَّةً، وآدم الأول ليس ذريَّةً وإنَّما هو أصل التناسل، فلا يصحُّ وصفه بالذريَّة، وبذلك يتعيَّن انَّ المراد من آدم المصطفى الموصوف بالذريَّة ليس هو آدم الأول.

 

الردّ:

لفظ (الذريَّة) لا يشمل آدم (ع):

والجواب عن ذلك انَّ الآية ليست ظاهرةً في انَّ الذريَّة وصفٌ لمجموع المذكورين في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾.

 

بل الظاهرُ هو عود الذريَّة على آلِ إبراهيم وآلِ عمران، فكلمة "ذريَّة" منصوبةٌ على البدل من آل إبراهيم وآل عمران فيكون مفاد الآية إنَّ الآلين ذريَّةٌ متناسلةٌ بعضُها من بعض.

 

ويحتمل انَّ الذريَّة منصوبةٌ على الحال، فيكون مفاد الآية اصطفى آل إبراهيم وآل عمران حال كونهم ذريَّة أي بعضهم من بعض، ويُحتمل انَّها منصوبة على القطع أي إنَّ الله تعالى اصطفى آل إبراهيم واصطفى آل عمران فهو قد اصطفى ذريةً بعضها من بعض.

 

والاحتمال الثاني والثالث وإنْ كان كلٌّ منهما بعيداً وانَّ الأظهر هو الاحتمال الأول إلا انَّ الذريَّة على التقديرات الثلاثة لا صلةَ لها بآدم (ع).

 

وحتى بناءً على دعوى انَّ المقصود من آدم المصطفى هو غيرُ آدم الأول فإنَّ لفظ ذريَّة الوارد في الآية لا يعودُ إلى آدم المذكور في الآية المباركة، وذلك لانَّ الدعوى انَّ آدم المصطفى هو أصلُ هذه الذريَّة التي بعضها من بعض، فيكون آدمُ المصطفى منحدرٌ من ذريَّةٍ أخرى فهو أصل لهذه الذريَّة الممدوحة بالاصطفاء فكيف يكون مشمولاً للموصفين بالذريَّة التي هو أصلُها.

 

فلفظ ذريَّة الوارد في الآية المباركة لا يعودُ إلى آدم على أيِّ تقدير، وحينئذٍ لا يصحُّ التمسُّك بالآية لنفي إرادة آدم الأول، على انَّ من غير المتعارَف توصيف الفرد بالذريَّة، فلا يُقال زيد ذريةُ عمرو وإنَّما يُقال ابنه أو سبطه أو حفيده، نعم يصحُّ أن يُقال زيدٌ من ذريَّة عمرو أما أنْ يُقال زيد ذريَّةُ عمرو فهو غير متعارَف في كلام العرب إلا على سبيل العناية والتجوُّز.

 

المصطفَون ليسوا هم كلّ الذرية:

وأما استبعادُ إرادة آدم الأول من آدم المصطفى المذكور في الآية بدعوى انَّ آدم الأول أبٌ لكلِّ الناس الفاسق والمؤمن منهم فلا تكون ذلك مزيةً يستحقُّ النبيُّون عليها المدح فهذا الاستبعاد لو تمَّ فإنَّه منسحبٌ على نوح (ع) فإنَّه أبٌ لأكثر البشر، وقد كان في نسلِه المؤمن والكافر والفاسق، فمِن نسله ابنُه الذي أبى أنْ يركب معه في الفلك وقال: ﴿سَآوِي إلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء﴾(64).

 

فحين غرق قال عنه نوح (ع) ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ / قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾(65) بل انَّ ذرية إبراهيم كان فيها الظالمون قال تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾(66).

 

وقال تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾(67).

 

وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾(68).

 

فالمصطفَون من هذه الذريَّة ليسوا هم تمام أفراد الذريَّة، لأنَّ ذلك منافٍ للوجدان ولصريح الآياتِ والروايات، وأمَّا المصحِّح لتوصيف الذريَّة بالاصطفاء رغم انَّ المصطفى ليس هو تمام أفرادها فهو انَّ هذه السلالة اختِيرت من بين السُلالات ليكون منها المُصطفَون، فيكون مساقُ ذلك هو مساق القول اصطفى الله تعالى بني إسرائيل أو العرب للنبوَّة فإنَّ ذلك لا يعني انَّه اصطفى بني إسرائيل جميعهم للنبوَّة أو اصطفى جميع العرب للنبوَّة بل هو بمعنى انَّه اصطفاهم ليكون النبيُّ أو النبوَّة منهم وفيهم.

 

المقصود من اصطفاء الذرية:

وعليه فالمصحِّح لامتداح الذريَّة التي انحدر منها الأنبياء والأئمة (ﻉ) بالاصطفاء من لدن آدم الأول، هو انَّ الله تعالى اصطفى آدم الأول (ع) ثم اصطفى سلالةً من سلالاتِه فجعل فيها النبوَّة فانحدر منها بعدئذٍ نوحٌ ثم اصطفى اللهُ تعالى سلالةً من سلالاتِ نوحٍ فجعل فيها النبوَّة فانحدرَ منها بعدئذٍ سلالاتٌ فاختار منها سلالةً جعل فيها الأنبياء ثم انحدر من سلالةِ الأنبياء سلالاتٌ اختار منها سلالتين كان في إحداها إبراهيم (ع) وفي الأخرى عمران (ع) فانحدرَ من السُلالتين آلُ إبراهيم وآلُ عمران فكان آلُ إبراهيم سلالتين إحداهما من إسحاق والأخرى من إسماعيل فاختار من سلالة إسحاق سلالةً كان فيها الأنبياء واختار من سلالة إسماعيل سلالة كان فيها أنبياء وأئمة إلى أنْ بلغ الأمرُ إلى نبيِّنا محمَّد (ص) وذريَّتِه (ع).

 

وعليه فيصحُّ لنبيِّنا محمد (ص) ولأئمةِ أهل البيت (ﻉ) أن يفتخروا بأنَّ السُلالة التي انحدروا منها كانت هي السلالة المصطفاة من لدن آدم الأول، فهم وإنْ كانوا يشتركون مع سائر الناس انَّهم من ذريَّة آدم الأول ثم من ذريَّة نوح إلا انَّهم يمتازون عن غيرِهم انَّهم انحدروا من السُلالة المصطفاة من سلالات آدم ثم من السُلالة المصطفاة من سلالاتِ نوحٍ ثم من السُلالة المصطفاة من سلالاتِ إبراهيم (ع).

 

فآدم الأول (ع) خلَّف أولاداً كثيرين إلا انَّ الله تعالى اختار من أولاده هبةَ الله شيثاً فاصطفاه للنبوَّة، فكلُّ أولاد آدم (ع) كانوا من ذريتِه ومنهم تكاثرَ الناس إلا انَّ السُلالة المصطفاة من ذريَّة آدم هي التي انحدرت من شيث (ع) ثم انَّ شيثاً خلَّف أولاداً كثيرين فاختار اللهُ منهم واحداً جعله نبيَّاً أو وصيَّاً، فخلَّف هذا النبيُّ أو الوصيُّ أولاداً اختار اللهُ منهم واحداً جعلَه نبيَّاً أو وصيَّاً وهكذا إلى أنْ بلغ الأمرُ إلى نوحٍ (ع) فإنَّ نوحاً ينحدرُ من السُلالة التي تنتهي إلى شيث ومنه إلى آدم (ع) فنوحٌ إذن منحدر من السلالة المصطفاة ثم إنَّ نوحاً خلَّف أولاداً كثيرين فاختار اللهُ منهم واحداً جعل في سُلالته النبوَّة وهكذا إلى أن بلغ الأمرُ إلى إبراهيم (ع)، فإبراهيمُ (ع) منحدرٌ من الذريَّة التي انحدر منها الأنبياءُ والأوصياءُ إلى أنْ تنتهي إلى نوحٍ (ع) ومنه إلى شيث (ع) ومنه إلى آدم (ع).

 

وبذلك يتَّضح المرادُ من قوله تعالى: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ﴾، ويتَّضح منشأ استحقاق هذه الذريَّة للمدح بالاصطفاء.

 

هذا ويمكن استفادة هذا المعنى من روايات عديدة كالتي وردت عن الرسول (ص): "كنتُ أنا وعلي نوراً بين يدي الله عزَّ وجل قبل أنْ يخلق آدم (ع) بأربعة عشر ألف سنة فلمَّا خلق آدم قسم ذلك النور جزئين وركَّبة في صلب آدم وأهبطه إلى الأرض ثم حمله في السفينة في صلبِ نوح ثم قذفَه في النار في صُلبِ إبراهيم فجزءٌ أنا وجزءٌ عليٌّ والنور الحقُّ يزولُ معنا حيث زِلنا"(69).

 

والروايات بهذا المضمون كثيرة ورد بعضُها من طرق السنَّة.

 

وكذلك يُمكن تأييد الاستفادة لهذا المعنى ممَّا ورد في بعض الروايات التي تصدَّت لبيان وتطبيق قولِه تعالى: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ﴾ ومنها ما رواه الشيخ الصدوق في كمال الدين وتمام النعمة.

 

والحمد لله رب العالمين

 

من كتاب: شؤون قرآنية

الشيخ محمد صنقور


1- سورة طه / 121.

2- سورة آل عمران / 33.

3- الكافي -الشيخ الكليني- ج4 / ص190 باب في حجآدم (ع) / ح1.

4- علل الشرائع -الشيخ الصدوق- ج2 / ص432 / باب 165.

5- من لا يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق- ج2 / ص195 / ح2121.

6- تفسير القمي -علي بن إبراهيم القمي- ج1 / ص43.

7- سورة آل عمران / 33.

8- سورة طه / 121.

9- عيون أخبار الرضا (ع) -الشيخ الصدوق- ج2 / ص171، ورواه الشيخ الصدوق في كتاب الأمالي ص151.

10- تهذيب الأحكام -الشيخ الطوسي- ج3 / ص330 / باب الصلاة على الأموات / ح59، ورواه الشيخ الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق- ج1 / ص163 / ح465.

11- قصص الأنبياء -قطب الدين الراوندي- ص66، بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج11 / ص265.

12- الكافي -الشيخ الكليني- ج8 / ص114 / ح92، المحاسن -أحمد بن محمد البرقي- ج1 / ص235، علل الشرائع -الشيخ الصدوق- ج1 / ص195، تفسير العياشي -محمد بن مسعود العياشي- ج1 / ص310.

13- تفسير العياشي -محمد بن مسعود العياشي- ج1 / ص312.

14- قصص الأنبياء -قطب الدين الراوندي- ص58، بحار الأنوار-العلامة المجلسي- ج11 / ص262، الخرائج والجرائح -قطب الدين الراوندي- ج2 / ص922.

15- الكافي -الشيخ الكليني- ج4 / ص191 باب في حجآدم (ع) ح1 ورويت بطريق آخر ح2، ورواه الشيخ الصدوق في علل الشرائع -الشيخ الصدوق- ج2 / ص400.

16- الكافي -الشيخ الكليني- ج4 / ص196، علل الشرائع -الشيخ الصدوق- ج2 / ص422.

17- كمال الدين وتمام النعمة -الشيخ الصدوق-: ص295 / ح3، الخصال -الشيخ الصدوق- بسند آخر: ص476، عيون أخبار الرضا (ع) -الشيخ الصدوق- ج2 / ص57، كتاب الغيبة -محمد بن إبراهيم النعماني- ص99.

18- كمال الدين وتمام النعمة -الشيخ الصدوق- ص298 / ح5.

19- علل الشرائع -الشيخ الصدوق- ج2 / ص429، ورواه الكليني في الكافي ج4 / ص184 / ح3.

20- الكافي -الشيخ الكليني- ج4 / ص191، علل الشرائع -الشيخ الصدوق- ج2 / ص400.

21- الكافي -الشيخ الكليني- ج4 / ص192.

22- الكافي -الشيخ الكليني- ج4 / ص191 / ح1 وح2، علل الشرائع -الشيخ الصدوق- ج2 / ص400.

23- قصص الأنبياء -قطب الدين الراوندي- ص58، بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج11 / ص262.

24- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج11 / ص240.

25- قصص الأنبياء -قطب الدين الراوندي- ص69، بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج11 / ص267.

26- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج11 / ص263.

27- قصص الأنبياء -قطب الدين الراوندي- ص67، تفسير العياشي -محمد بن مسعود العياشي- ج1 / ص308.

28- قصص الأنبياء -قطب الدين الراوندي- ص67، بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج11 / ص265.

29- قصص الأنبياء -قطب الدين الراوندي- ص69، بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج11 / ص267.

30- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج11 / ص263، مستدرك الوسائل -الميرزا النوري- ج6 / ص510.

31- قصص الأنبياء -قطب الدين الراوندي- ص68، تفسير العياشي -محمد بن مسعود العياشي- ج1 / ص308، وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج3 / ص85.

32- مجمع الزوائد -الهيثمي- ج9 / ص163، سنن الترمذي -الترمذي- ج5 / ص328، منتخب مسند عبد بن حميد -عبد بن حميد بن نصر الكسي- ص108، المعجم الأوسط -الطبراني- ج5 / ص89، المعجم الكبير -الطبراني- ج3 / ص66، نظم درر السمطين -الزرندي الحنفي- ص232، كنز العمال -المتقي الهندي- ج1 / ص172، نيل الأوطار -الشوكاني- ج2 / ص328، تفسير القمي -علي بن إبراهيم القمي- ج1 / ص172، فقه القرآن -القطب الراوندي- ج1 / ص63، بصائر الدرجات -محمد بن الحسن الصفار- ص433، كمال الدين وتمام النعمة -الشيخ الصدوق- ص120، كفاية الأثر -الخزاز القمي- ص265، كنز الفوائد -أبو الفتح الكراجكي- ص150، مناقب آل أبي طالب -ابن شهر آشوب- ج1 / ص320.

33- سورة طه / 121-122.

34- مفردات غريب القرآن -الراغب الأصفهانى- ص87.

35- تاج العروس -الزبيدي- ج19 / ص267.

36- كتاب العين -الخليل الفراهيدي- ج6 / ص192.

37- لسان العرب -ابن منظور- ج14 / ص131.

38- سورة يوسف / 6.

39- سورة الشورى / 13.

40- سورة الأنعام / 84-87.

41- سورة القلم / 49-50.

42- عيون أخبار الرضا (ع) -الشيخ الصدوق- ج2 / ص174، الاحتجاج -الشيخ الطبرسي- ج2 / ص216.

43- مستدرك الوسائل -الميرزا النوري- ج12 / ص18، بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج70 / ص255.

44- سورة التوبة / 117.

45- سورة الأنعام / 84.

46- سورة الأنعام / 84.

47- سورة الأنعام / 89-90.

48- سورة البقرة / 31-34.

49- سورة البقرة / 37.

50- الخصال -الشيخ الصدوق- ص305، كمال الدين وتمام النعمة -الشيخ الصدوق- ص359، معاني الاخبار -الشيخ الصدوق- ص126.

51- سورة البقرة / 124.

52- سورة ص / 26.

53- سورة الأنبياء / 87.

54- سورة القلم / 48.

55- سورة الصافات / 142.

56- سورة القلم / 50.

57- سورة الأعراف / 150.

58- سورة طه / 92-94.

59- سورة القصص / 15.

60- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج16 / ص402، وقريب منه في الاحتجاج: ج2 / ص248، الفضائل -شاذان بن جبرئيل القمي- ص34.

61- سورة آل عمران / 39.

62- سورة آل عمران / 45-49.

63- سورة آل عمران / 33.

64- سورة هود / 43.

65- سورة هود / 45-46.

66- سورة البقرة / 124.

67- سورة فاطر / 32.

68- سورة فاطر / 26.

69- الخرائج والجرائح -قطب الدين الراوندي- ج2، مختصر بصائر الدرجات -الحسن بن سليمان الحلي- ص116، المسترشد -محمد بن جرير الطبري ( الشيعي)- ص630.