لماذا يُحشرُ أزواج الذين ظلموا إلى جهنَّم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وآل محمد

 

المسألة:

قوله تعالى: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ﴾([1]) لماذا يُحشرُ أزواجُ الظالمين إلى جهنَّم فقد لا يكونون مثلهم كما لو كانوا مؤمنين -كزوجة فرعون- أو مستضعفين؟! ولماذا تُحشر معبوداتهم من الأصنام والأوثان إلى جهنَّم وهي مجرَّد أحجار وأخشاب ومعادن؟!

 

الجواب:

ليس الأمر كما فهمتُم من الآية الشريفة، فإنَّ الواضح من آيات القرآن الكريم أنَّ الله تعالى لا يُؤاخذ البريء بجريرة المُسيء أيًّا كانت صلته به، وأنَّ كلَّ نفسٍ لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، ويقول تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾([2]) ويقول تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾([3]) ويقول جلَّ وعلا: ﴿الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ﴾([4]) ويقول تعالى: ﴿وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾([5]) والآيات في ذلك كثيرة، ولذلك يتعيَّن فهمُ الآية المباركة بما لا يُنافي هذه المسلَّمة القرآنيَّة، فحتى لو استظهرنا من قوله تعالى: ﴿وَأَزْوَاجَهُمْ﴾ أنَّ المراد منهم زوجات الظالمين فإنَّ المتعيَّن بقرينة الآيات الأخرى هو إرادة الزوجات اللاتي اخترنَ بمحض إرادتهنَّ طريق أزواجهنَّ الظالمين، وأمَّا المؤمنات أو المستضعفات فإنَّهنَّ لا يُؤاخذنَ قطعًا بما يجترحه أزواجُهن، ولذلك تحدَّث القرآنُ عن نجاة امرأة فرعون وضرب بها مثلًا للذين آمنوا ولم يقعوا تحت تأثير المحيط الذي اكتنفَهم قال تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾([6]).

 

وكيف كان فالمراد من قوله تعالى: ﴿وَأَزْوَاجَهُمْ﴾ يحتمل أحد معانٍ ثلاثة:

 

الأزواج هم النُظَراء والأشباه:

المعنى الأول: أنَّ المراد من الأزواج هم النُظَراء والأشباه، فأزواجُ الظالمين هم أشباهُهم وأمثالُهم، وعليه فمعنى الآية أنَّ اليهود مثلًا يُحشرون مع اليهود، والنصارى مع النصارى، ويُحشر الزناة مع الزناة، والمرابون مع المرابين، وهكذا يُحشر كلُّ صنفٍ مع مَن يماثلهم في الصنف.

 

وهذا المعنى يُناسب الاستعمال اللغوي لكلمة الزوج، فيقال لديَّ زوجان من الحمام أي ذكر وأنثى من صنفٍ واحد، وزوج من الثياب أي صنف واحد منها، ويقال: عندي من هذا أَزواج أَي أَمْثال، ويقال: زوجان من الخفاف أَي كلُّ واحدٍ نظير صاحبه، ولذلك يقال للعدد الذي ينقسم على اثنين أنَّه عددٌ زوجي لأنَّه ينقسم على عددين متماثلين.

 

وقد استعمل القرآن مادة الزوج في النظير والمماثل كقوله تعالى: ﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى﴾([7]) أي أنواعًا متماثلة من نباتٍ شتى، وكقوله تعالى: ﴿فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ﴾([8]) أي صنفان متشاكلان أو قل من كلِّ نوعٍ من الفاكهة ضربان متسانِخان أو متشابهان، وكقوله تعالى: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ﴾([9]) أي ومِن كلِّ صنفٍ أو جنسٍ خلقنا نظيرين ذكرًا وأنثى متشابهين في الخصائص.

 

وبذلك يكون المراد من الأزواج في قوله تعالى: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ﴾ هم المماثلِين للظالمين في طبيعة الظلم الذي يتَّسم به هؤلاء الظالمون.

 

إشكالٌ وجواب:

وبناءً على هذا المعنى قد يرد إشكالٌ حاصله أنَّ أزواج الذين ظلموا إذا كان المراد منهم المماثلِين للذين ظلموا فإنَّه يكفي أنْ يقال: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ دون الحاجة إلى قوله: ﴿وَأَزْوَاجَهُمْ﴾ وذلك لأنَّ المماثلين للذين ظلموا هم من الذين ظلموا حقيقة، فكأنَّ الآية أفادت بناءً على هذا المعنى: احشروا الذين ظلموا والذين ظلموا.

 

إلا أنَّه قد يُجاب عن هذا الإشكال بأنَّ المراد من الذين ظلموا هم الزعماء والقادة، والمراد من أزواجهم هم الأعوان والأتباع الذين يكونون في صراط الذين ظلموا ويقتفون أثرهم، ومنشأ التعبير عن هؤلاء بالنظراء والأشباه رغم أنَّهم مجرَّد أتباع هو بيان أنَّهم مثلهم تنزيلًا وأنَّهم سيلقون ذات المصير الذي سيلقاه زعماؤهم، فيكون مفاد الآية قريبًا من مفاد قوله تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾([10]) فالذين يخوضون في آيات الله ويكفرون ويستهزئون بها ليسوا كالذين يقعدون معهم دون أنْ يخوضوا ويستهزئوا إلا أنَّ الآية اعتبرتهم مثلهم وأفادت أنَّ الله تعالى سيجمعُهم في جهنَّم جميعا.

 

ويُمكن تأييد المعنى المذكور للآية بما ورد في الحديث النبويِّ الشريف: "إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ أينَ الظلمة وأعوانُ الظلمة وأشباهُ الظلمة حتى من برى لهم قلمًا أو لاقَ لهم دواةً، فيُجعلون في تابوت حديد ثم يُرمى بهم في نار جهنم"([11]).

 

وكذلك بما رواه الصدوقُ بسندٍ معتبر عن السكوني عن جعفر بن محمد، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وآله: "إذا كان يومُ القيامة نادى منادٍ: أين أعوانُ الظلمة ومَن لاقَ لهم دواةً، أو ربط كيسًا، أو مدَّ لهم مدةَ قلم، فاحشروهم معهم"([12]).

 

والمتحصَّل أنَّ المراد من أزواج الذين ظلموا هم أشباه الظلمة من الأعوان والأشياع والأتباع، فالمنتظَر أنَّ هؤلاء لا يكونون مثل الظلمة إلا أنَّ الآية أفادت أنَّ الله تعالى يعتبر هؤلاء مثل الذين ظلموا. فإذن قوله: ﴿وَأَزْوَاجَهُمْ﴾ أضاف معنىً زائدًا وهو تنزيل أشباه الظلمة وأعوانهم منزلة الظلمة أعني الزعماء والقادة وهذا المعنى الزائد لم يكن ليتَّضح لولا قوله تعالى: ﴿وَأَزْوَاجَهُمْ﴾.

 

الأزواج هم القُرناء من الشياطين:

المعنى الثاني: أنَّ المراد من قوله: ﴿وَأَزْوَاجَهُمْ﴾ هم قرناء الذين ظلموا من الشياطين فإنَّ الله عزَّوجلَّ يَحشرُ مع كلَّ كافرٍ شيطانًا يكون معه قرينًا في العذاب تمامًا كما كان معه في الدنيا يغويه ويستزلُّه، ويُؤيِّد هذا المعنى قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ / وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ / حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ﴾([13]) وكذلك قال تعالى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا﴾([14]).

 

وهذا المعنى يتناسب أيضًا مع الاستعمال اللغويِّ لكلمة الزوج فإنَّه يُطلق كثيرًا ويراد منه القرين، فالزوج إنَّما قيل له زوج لكونه قرينًا، ويقال لزوجة الرجل أنَّها قرينته، فمعنى قوله تعالى: ﴿وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ﴾([15]) هو أننا قرنَّاهم، ومعنى قوله تعالى: ﴿وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾([16]) هو أنَّها قُرنت، فالنفوس الخيِّرة تُقرنُ بالنفوس الخيِّرة، والنفوس الشرِّيرة تُقرنُ بما يُسانخها من النفوس الشرِّيرة، فالمؤمنون يُقرنون بالمؤمنين يكونون معهم على سُررٍ متقابلين والملائكة يدخلون عليهم من كلِّ باب، ويُقرنون بالحور العين، والذين ظلموا يُقرنون بالشياطين إمعانًا في إذلالهم وتعذيبهم لذلك يقولُ الكافر لقرينه من الشياطين: ﴿يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ﴾.

 

الأزواج هم الحلائل (الزوجات):

المعنى الثالث: أنَّ المراد من قوله: ﴿وَأَزْوَاجَهُمْ﴾ هم زوجات الذين ظلموا ممَّن كُنَّ على نهج أزواجهم واخترنَ طريق الكفر والضلال بمحضِ إرادتِهن، وهذا المعنى محتملٌ كما يُشعِر به ما ورد في المقابل من أحوال المؤمنين حيث يُلحِقُ اللهُ تعالى بهم زوجاتهم الصالحات كما قال تعالى: ﴿إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ / هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ﴾([17]) وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ﴾([18]) وقال تعالى: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ﴾([19]).

 

ترجيح المعنى الثالث:

ولعلَّ هذا المعنى -وهو أنَّ المراد من قوله: ﴿وَأَزْوَاجَهُمْ﴾ هم زوجات الذين ظلموا- هو الأقربُ لظاهر الآية، وأمَّا عدم التنصيص على أنَّ ذلك يختصُّ بالزوجات اللاتي كنَّ على نهج أزواجهنَّ الظالمين فلوضوح أنَّ الله تعالى لا يُؤاخذ البريء بجريرة المسيء كما أوضح القرآنُ ذلك في الكثير من الآيات والتي ذكرنا بعضها في صدر البحث.

 

مناقشة المعنى الأول:

وأمَّا المعنى الأول والذي مال إليه الكثيرُ من المفسِّرين فهو وإنْ كان صحيحًا في نفسه إلا أنَّه غير ظاهرٍ من الآية الشريفة، فإنَّ مقتضى المعنى الأول هو أنَّ المراد من الذين ظلموا هم جماعةٌ خاصَّة من أهل كلِّ معصية، وهو خلاف ظاهر الآية -كما أفاد صاحبُ الميزان([20])- فإنَّ المستظهَر من الذين ظلموا هم المشركون وعبَدةُ الأوثان بقرينة ذيل الآية وهي قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ﴾ أو هم مطلق العُصاة الظالمون لأنفسهم ولربِّهم بانتهاكهم لحرمته تعالى وتعدِّيهم على حدوده، فجميعُ هؤلاء يعبدون الشيطان بمعنى أنَّهم يُطيعونه، ولذلك قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾([21]).

 

مناقشة المعنى الثاني:

وأمَّا المعنى الثاني -وهو الذي رجَّحه صاحبُ الميزان([22])- فهو كذلك صحيحٌ في نفسه إلا أنَّه لا يُمكن استظهارُه من الآية، فإنَّ المستظهَر عُرفًا من كلمة أزواج هو الحلائل، وقد استعمل القرآنُ هذه الكلمة في هذا المعنى كثيرًا كما في قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾([23]) وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ / إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ﴾([24]) وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ﴾([25]) وقوله تعالى: ﴿وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ﴾([26]) وقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ﴾([27]) وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ﴾([28]) وقوله تعال: ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ﴾([29]) والآياتُ في ذلك كثيرة وهو المعنى المُنسبِق للذهن عرفًا عند إطلاق هذه الكلمة، فدعوى إرادة معنىً آخر مع إمكان إرادة هذا المعنى المتبادر يحتاجُ إلى قرينةٍ مفقودةٍ في المقام، ويتعزَّز استبعاد إرادة القرناء من الشياطين من قوله: ﴿وَأَزْوَاجَهُمْ﴾ عند البناء على دخول الشياطين في فقرة: ﴿وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ﴾.

 

لماذا تُحشرُ معبودات المضلِّين إلى جهنَّم:

وأمَّا لماذا تُحشر معبودات المشركين والمضلِّين إلى جهنَّم وهي مجرَّد أصنام مصنوعة من الأحجار أو المعادن؟

 

فجوابُه أنَّ معبودات المشركين والمضلِّين لا تنحصرُ في الأصنام والكواكب وما يُشبهها من الجمادات، فإنَّ فيهم مَن يعبدُ الجنَّ كما قال تعالى: ﴿بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ﴾([30]) وفيهم مَن يعبدُ الملائكة أو الأنبياء كالسيِّد المسيح كما قال تعالى: ﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا﴾([31])، وفيهم مَن يعبدُ الأحبار والرهبان كما قال تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾([32]) وفيهم مَن يعبدُ الشيطان كما قال تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾.

 

فمفادُ الآية وهي قوله تعالى: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ﴾ هو أنَّ كلَّ معبودات المشركين والمضلِّين يُحشرون إلى جهنَّم باستثناء الصالحين كالأنبياء والملائكة كما قال تعالى: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ / لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ﴾([33]) ثم استثنت الآيات الصالحين -كالملائكة والسيِّد المسيح- من معبودات المشركين فقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ / لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ﴾([34]).

 

وأمَّا حشر الأصنام والأوثان إلى جهنَّم رغم أنَّها مجرَّد أحجار وجمادات فهو للمزيد من التوبيخ والإذلال للمشركين حيث يجدون ما كانوا يعتقدون ربوبيَّتها محشورةً معهم في جهنَّم تُوقَد بها النيران كما قال تعالى: ﴿وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾([35]) فكان المنتَظرُ من هذه الأصنام أنْ تدفعَ عنهم العذاب فإذا بها تكون وسيلةً لاتقاد النار التي يُحرَقون بها في الجحيم. نعوذُ بالله تعالى من النار.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

1 / جمادى الآخِرة / 1442هـ

15 / يناير / 2021م


[1]- سورة الصافات / 22-23.

[2]- سورة فاطر / 18.

[3]- سورة المدثر / 38.

[4]- سورة غافر / 17.

[5]- سورة الجاثية / 22.

[6]- سورة التحريم / 11.

[7]- سورة طه / 53.

[8]- سورة الرحمن / 52.

[9]- سورة الذاريات / 49.

[10]- سورة النساء / 140.

[11]- تنبيه الخواطر -ورام ابن أبي فراس- ج1 / ص62.

[12]- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج17 / ص181.

[13]- سورة الزخرف / 36-38.

[14]- سورة مريم / 68.

[15]- سورة الطور / 20.

[16]- سورة التكوير / 7.

[17]- سورة يس / 55-56.

[18]- سورة الزخرف / 69-70.

[19]- سورة الرعد / 23.

[20]- الميزان -السيد الطباطبائي- ج17 / ص131.

[21]- يس / 60.

[22]- الميزان -السيد الطباطبائي- ج17 / ص131.

[23]- سورة النحل / 72.

[24]- سورة المؤمنون / 5-6.

[25]- سورة النور / 6.

[26]- سورة الشعراء / 166.

[27]- سورة الأحزاب / 4.

[28]- سورة الممتحنة / 11.

[29]- سورة النساء / 12.

[30]- سورة سبأ / 41.

[31]- سورة آل عمران / 80.

[32]- سورة التوبة / 31.

[33]- سورة الأنبياء / 89-99.

[34]- سورة الأنبياء / 101-102.

[35]- سورة البقرة / 24.