سورتا الفيل وقريش

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ / أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ / وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ / تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ / فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ﴾

صدق الله العلي العظيم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ / إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ / فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ / الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ﴾

صدق الله العلي العظيم

 

هاتان السورتان المباركتان تعدّان في الفقه سورة واحدة، مرتبطة إحداهما بالأخرى. والحقيقة، أنّ بين السورتين ربطاً عميقاً يكشف عن سر تاريخي كبير.

 

أما السورة الأولى فهي تتحدث عن قصة الفيل. وقد حدثت عام مولد النبي الكريم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث حاول حاكم اليمن الذي كان مندوباً من قِبل ملك الحبشة، وقد بنى معبداً كبيراً في اليمن، وأراد أن يجذب الناس إلى معبده، ويمنعهم من زيارة الكعبة. فلما فشل في ذلك حقد وحاول هدم الكعبة. فأخذ جيشاً كبيراً مع مجموعات من الأفيال وحاول هدم الكعبة، ومكة. ولكنه فشل في ذلك، لأنّ الله (سبحانه وتعالى) أرسل إليه والى قومه، مجموعات من الطيور بصورة متقطعة، فئات فئات، أو حسب تعبير القرآن الكريم "أبابيل". وهذه الطيور، رمت الجيش بحجارة صغيرة، فجعلهم كعصف مأكول.

 

ولا حاجة بنا أن نحاول إعطاء صورة غير واضحة عن هذه الحادثة التاريخية، كما يقول بعض كبار المفسرين، بأنّ المرض الوبائي قد سيطر على الجماعة الذين هجموا على الكعبة لهدم الكعبة. الوباء تفشّى بينهم وقضى عليهم. والمقصود من كلمة طير، كلمة الجراثيم والميكروبات.

 

لا حاجة لنا بهذا التفسير، سيما وأنّ الحادثة كانت قريبة من عهد نزول هذه السورة المباركة. فحينما تُليت هذه السورة على الناس في مكة، كان هناك الكثير الكثير من الناس، كانوا يشهدون، وقد شهدوا هذه الحادثة بصورة مفصّلة. فلو كان هناك أقل مبالغة، أو أقل تأويل، أو في الحقيقة كان هناك جراثيم عبّر عنها القرآن الكريم بالطير، لَتحدَّوا النبي وكذبوه. ولكن حقيقة الأمر ووضوحه، أدى إلى قبولهم، وسكوتهم، وعدم ردّهم لهذه الآية المباركة. والحقيقة أنّ الطيور حينما تأتي بصورة هائلة، كأسراب من الجراد، تتمكن أن تقضي على جيش. خاصة إذا كانت في منطقة سابقة من الطين، في منطقة رملية رطبة، وهي منطقة قريبة من مكة، منطقة الساحل على البحر الأحمر. فمن الممكن أنّ هذه الطيور قد حطت في الأماكن الساحلية، وبالتالي التصقت الى مخالبها كميات من الحجارات الرملية الصغيرة، وحينما عبرت فوق الجيش قضت عليهم نتيجة لصبّ هذه الكميات الهائلة من الحجارات الصغيرة، بواسطة هذه الطيور الهائلة.

 

هذا بالنسبة إلى أصل الحادثة، أما لماذا حدثت؟ فتجيب على هذا السؤال السورة التي تأتي، والتي تشكّل في الفقه تتمة للسورة الأولى. إنّ هذه الحالة والقضاء على الجماعة المعتدين على مكة، حصلت لإيلاف قريش. إيلافهم، محاولة لصيانة قريش وأهل مكة، وصيانة رحلة الشتاء والصيف، والتآلف فيما بينهم، وحفظهم من جوع ومن خوف، وعدم ابتلائهم بالمستعمر. ذلك أنّ جماعة اليمن، لو كانوا يتمكنون من السيطرة على مكة وهدم الكعبة، لكانوا يستعمرون أهل مكة. والاستعمار من طبيعته إخضاع الناس، وتعويدهم على النفاق وعلى الذل. وبالتالي فقدهم للميزات التي كانت الرسالة الإلهية بحاجة إليها.

 

فإذاً، حصلت حادثة الفيل، وحادثة الطير، لكي تصون أهل مكة من الاستعمار، وتحافظ على كرامة أهل مكة، وصيانة أخلاقهم، وتمكينهم من أن يحملوا رسالة الله التي سوف تأتي بعد هذه الحادثة. والتي ولد رسولها في السنة التي حدثت فيها هذه الحادثة.

 

وعلى ذلك، فعبارة ﴿لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ﴾، التي تبدأ سورة "قريش" بها: جار ومجرور يتعلقان بالسورة السابقة، سورة الفيل. والقرآن الكريم يؤكد أنّ هذه الحادثة، حدثت لأجل المحافظة على قريش، ورحلاتهم، وإيلافهم، وحفظهم من جوع ومن خوف. وبالتالي، وقبل كل شيء، عدم ابتلائهم بمرض الاستعمار.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته