عطاء الله تعالى ونعمته التي لا تحصر

﴿وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾(1).

إنَّ نِعَمَ الله على الإنسان كثيرة وكبيرة ولا يمكن لهذا الإنسان أن يحصي نعم الرحمن، فلقد سخَّر له كل ما في الكون من موجودات وجعلها في خدمته وتعمل لصالحه وما عليه إلا أن يأخذ منها ما يحتاجه.

 وتشير الآية الكريمة إلى أنَّه تعالى شأنه قد أعطى الإنسان كل شيء، وعلى قولٍ في معنى ﴿مِّن كُلِّ﴾ أنه من كل شيء سألتموه بمعنى طلبتموه، وإنَّ هذا الموجود الذي أُعطيتموه ما هو إلا صنف من بعض مما هو في قدرة الله تعالى.

 وقيل إنَّ المراد من سألتموه هو الطلب لما كان حقيقًا بأن يُسأل أو يُطلب نظرًا لاحتياج النَّاس إليه وعدم استغنائهم عنه وسواء سُئِلَ أم لم يُسْأَل.

 بمعنى أنَّ الله تعالى شأنه قد تفضل على الإنسان بأن أعطاه كل ما تستقيم به حياته وهيأ له أجواء المعيشة ومستلزماتها سواء التي طلبها الإنسان وسأل الله تعالى أن يمنحه إياها أم إنَّه لم يسألها ولم يطلبها ومع ذلك أعطاها الله إليه ليسد حاجته حين الطلب وذلك تفضلاً منه سبحانه.

 وإنَّ هذا الإنسان القاصر لا يتمكن مهما كانت وسائله وأساليبه أن يعدَّ أو يحصي نعم الله عليه، فهذه النعم خارجة عن نطاق العد والإحصاء، فكل ما في هذا الوجود وما وراءَه هو من نِعَمِه سبحانه وتعالى.

 وبالرغم من التفضل الإلهي على هذا الإنسان وإتيانه كل ما يحتاجه في حياته ومعاشه وتطوره ونمائه، فإنه لم يشكر النعمة الإلهية حق شكرها بل كان كثير الكفران وظلم النفس، وإن هذا الكفران يؤدي به إلى الخسارة.

 والآية الكريمة تحمل ردًا صريحًا على من ادَّعوا نقص الثروات والموارد عن حاجة الناس في هذه الحياة وأشاعوا أن المجتمع البشري يعاني من مشكلة اقتصادية تتمثل في النقص الظاهر في الموارد وهو ما أطلقوا عليه (ندرة الموارد الاقتصادية)، وبذلك فإنهم يعزون كل مشاكل الفقر والحرمان والكوارث الأخرى الناتجة عنها إلى النقص الحاصل في الموارد.

 ولكن الآية الكريمة قد ردت هذه الدعوى ردًا قاطعًا، وأشارت إلى أن الموارد موجودة بما يكفي حاجة الناس، وأنه تعالى قد أفاض بكرمه وعطائه على عباده بكل ما يحتاجونه في معاشهم ومعيشتهم، بل إنه لم يقتصر عطاؤه على الأشياء التي طلبها الإنسان، بل إنه أعطاه الذي لم يسأله مما هو محتاج إليه، إنَّما المشكلة بنظر القرآن الكريم تتمثل في الإنسان نفسه، فهو الذي يتصرف في هذه الموارد توزيعًا وإنتاجا واستهلاكًا واستثمارًا أو اكتنازًا، وهو الذي ربط نفسه بقوانين هو وضعها وقيد نفسه بها وكانت حاكية عن النزعة الأنانية المفرطة وموجهة بوسوسة شيطانية، وهذا هو ما عبرت عنه الآية الكريمة بتأكيدها ﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ فإن ظلم وكفران الإنسان يتمثل في عدم شكره للنعمة عمليًا، فقد ضيع الموارد وأساء التصرف وكتب على نفسه التعب والشقاء، كما أن هذه الدعوى لا يمكن قبولها لما تنطوي عليه من توجيه اتهام للخالق سبحانه وتعالى بأنه خلق الخلق للعناء والشقاء أو كيف أمّن حياتهم ولم يؤمن لهم احتياجهم، ولكن الله يقول إنه سخر كل شيء للإنسان وأعطاه كل ما يضمن حياته وسعادته.

 إنّما السر في هذا الحرمان كما عبر عنه المولى أمير المؤمنين (ع) بقوله: "ما رأيت من نعمة موفورة إلا وبجانبها حق مضيَّع وما جاع فقيرٌ إلا بما مُتِّعَ به غني".

--------------

1- سورة إبراهيم / 34.