لمن تكون الولاية بعد رسول الله؟

﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ / وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾(1).

 

 لقد كثر الكلام وطال الجدال في بيان معنى الولي من ناحية اللغة ومن ناحية المراد في السياق القرآني، وحاول البعض أن يصرف معناها إلى مصاديق خارجية تبعًا للأهواء الحاكمة.

 

فما هو المراد منها حقًا؟ لقد أشارت الآية الكريمة باستخدام أداة الحصر (إنّما) إلى مسألة مهمة، وهي مسألة القيادة والإمامة التي هي ثابتةٌ لله ولرسوله (ص) باعتباره الرسول المبلغ عن الله، وإنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فعليهم السمع والطاعة الكاملة، ثم من بعد الرسول (ص) تكون الطاعة لمن يمثله روحًا وفكرًا وإيمانًا وشجاعةً .. إذ من غير المعقول أن الذي سيقوم مقام النبي (ص) ليسد مسدَّه ويكون قيِّمًا على الأمة والشريعة أن لا تتوفر فيه هذه الصفات الكماليَّة، لذلك نجد أن الآية الكريمة قد نعتت هذا القيِّم بأنّه المؤمن، وحتى لا تبقى المسألة مفتوحة لدخول غير المراد، حصرتها الآية بوصف ذلك المؤمن، ولم تُشِرْ إلى اسمه؛ لأن الوصف هنا هو الأبلغ في إيصال الفكرة، خصوصا لأنها مرتبطة بحادثة، فنزلت الآيات الكريمة لترسخ هذه الصورة في ذهنيَّة القوم.

 

والواجب على أهل الإيمان قبول ولاية الله في السماء والأرض وفي الغيب والشهود وكذلك في كل أمور الآخرة والدنيا، لأن هذه الولاية تعني بالضرورة:

1- الإخلاص في العبودية له وحده.

2- التقيد بالمنهج الإلهي.

3- أن تكون حركة العقل والعاطفة من حب وبغض في الله وحده.

 

وهذه الولاية تتجسد في الحياة الدنيا في قيادة الرسول الأعظم (ص) وخلفائه الأئمة الطاهرين (عليهم السلام)، حيث هم السبيل المُوصل إلى الله، وقد نهى سبحانه عن اتباع السبل الأخرى باعتبارها تفرق وتبعد عن سبيله فقال تعالى: ﴿.. وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ..﴾(2)، فطريق الله واحد وصراطه مستقيم، لذلك نجد الإشارة في الآية إلى أن الذي يقبل بولاية الله ورسوله والأئمة الذين فرضت طاعتهم، فإن ذلك يمثل حزب الله الذي هو الغالب، لماذا؟ لأنَّ إرادة الله هي العليا وهي التي تثبت أقدام الذين آمنوا.

 

وقد روت كتب التفسير قصة هذه الآية، وحاول بعض الحاقدين إصراف معناها ومصداقها عن صاحبها، وذلك عن طريق طرح بعض من الإشكاليات الضعيفة ومن ذلك:

 

1- إذا كان المقصود بالآية فردًا واحدًا فلماذا جاء اللفظ بصيغة الجماعة (الذين آمنوا).

2- كيف يجوز للفرد أن يتحرك في صلاته التي يجب أن يكون فيها منقطعًا لله.

 

وقد رد الزمخشري هاتين الشبهتين بقوله:

 

1- أما مجيء اللفظ بصيغة الجمع في الوقت الذي يكون السبب فيه فرد واحد، فلأن القرآن أراد أن يرغب الناس في مثل هذا الفعل.

2- إن خلع الخاتم لا يسبب خللاً بالصلاة لأنه من الأفعال القليلة التي لا تفسد الصلاة بعملها.

 

أما قصة هذه الآية، فتشير كتب التفسير إلى أن سائلاً دخل إلى المسجد النبوي وقت صلاة الظهر فلم يعطه أحد، فرفع السائل يده نحو السماء وقال: "اللهم اشهد أني سألت في مسجد الرسول (ص) فما أعطاني أحد شيئًا، وكان علي (ع) راكعًا فأومأ إليه بخنصره اليمنى وكان فيها خاتم"، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم بمرأى من النبي (ص) فقال (ص): "اللهمَّ إنَّ أخي موسى سألك فقال ﴿قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي / وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي / وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي / يَفْقَهُوا قَوْلِي / وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي / هَارُونَ أَخِي / اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي / وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي / كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا / وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا / إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا﴾(3)، اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيرًا من أهلي عليًا اشدد به ظهري"، فنزلت هذه الآيات المباركة.

 

------------------

1- سورة المائدة / 55-56.

2- سورة الأنعام / 153.

3- سورة طه / 25-35.