بشر

 

البشرة: ظاهر الجلد، والأدمة: باطنه، كذا قال عامة الأدباء، وقال أبو زيد بعكس ذلك (ذكر قوله الأزهري في تهذيبه 11/360، والذي غلطه ثعلب)، وغلطه أبو العباس وغيره، وجمعها: بشر وأبشار، وعبر عن الإنسان بالبشر اعتبارا بظهور جلده من الشعر، بخلاف الحيوانات التي عليها الصوف أو الشعر أو الوبر، واستوى في لفظ البشر الواحد والجمع، وثني فقال تعالى: ﴿أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ﴾ المؤمنون/47.

 

وخص في القرآن كل موضع اعتبر من الإنسان جثته وظاهره بلفظ البشر، نحو: ﴿الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا﴾ الفرقان/54، وقال عز وجل: ﴿إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ﴾ ص/71، ولما أراد الكفار الغض من الأنبياء اعتبروا ذلك فقالوا: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾ المدثر/25، وقال تعالى: ﴿أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ﴾ القمر/24، ﴿مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا﴾ يس/15، ﴿أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا﴾ المؤمنون/47، ﴿فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا﴾ التغابن/6، وعلى هذا قال: ﴿إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾ الكهف/110، تنبيها أن الناس يتساوون في البشرية، وإنما يتفاضلون بما يختصون به من المعارف الجليلة والأعمال الجميلة، ولذلك قال بعده: ﴿يُوحَى إِلَيَّ﴾ الكهف/110، تنبيها أني بذلك تميزت عنكم. وقال تعالى: ﴿لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ﴾ مريم/20 فخص لفظ البشر، وقوله: ﴿فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا﴾ مريم/17 فعبارة عن الملائكة، ونبه انه تشبح لها وتراءى لها بصورة بشر، وقوله تعالى: ﴿مَا هَذَا بَشَرًا﴾ يوسف/31 فإعظام له وإجلال وأنه أشرف وأكرم من أن يكون جوهره البشر.

 

وبشرت الأديم: أصبت بشرته، نحو: أنفته ورجلته، ومنه: بشر الجراد الأرض إذا أكلته، والمباشرة: الإفضاء بالبشرتين، وكني بها عن الجماع في قوله: ﴿وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ البقرة/187، وقال تعالى: ﴿فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ﴾ البقرة/187.

 

وفلان مؤدم مبشر (قال ابن منظور: وفي الصحاح: فلان مؤدم مبشر: إذا كان كاملا من الرجال)، أصله من قولهم: أبشره الله وآدمه، أي: جعل له بشرة وأدمة محمودة، ثم عبر بذلك عن الكامل الذي يجمع بين الفضيلتين الظاهرة والباطنة.

 

وقيل معناه: جمع لين الأدمة وخشونة البشرة، وأبشرت الرجل وبشرته وبشرته: أخبرته بسار بسط بشرة وجهه، وذلك أن النفس إذا سرت انتشر الدم فيها انتشار الماء في الشجر، وبين هذه الألفاظ فروق، فإن بشرته عام، وأبشرته نحو: أحمدته، وبشرته على التكثير، وأبشر يكون لازما ومتعديا، يقال: بشرته فأبشر، أي: استبشر، وأبشرته، وقرئ: ﴿يُبَشِّرُكَ﴾ آل عمران/39 و﴿يُبَشِّرُكَ﴾ (وهي قراءة حمزة والكسائي بفتح الياء وإسكان الباء وضم الشين) و(يبشرك) (وهي قراءة شاذة؛ وانظر الحجة للقراء السبعة 3/42) قال الله عز وجل: ﴿قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ، قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ، قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ﴾ الحجر/53 - 54.

 

واستبشر: إذا وجد ما يبشره من الفرح، قال تعالى: ﴿وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ﴾ آل عمران/170، ﴿يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ﴾ آل عمران/171، وقال تعالى: ﴿وَجَاء أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ الحج/67. ويقال للخبر السار: البشارة والبشرى، قال تعالى: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾ يونس/64، وقال تعالى: ﴿لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ﴾ الفرقان/22، ﴿وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى﴾ هود/69، ﴿يَا بُشْرَى هَذَا غُلاَمٌ﴾ يوسف/19، ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى﴾ الأنفال/10.

 

والبشير: المبشر، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا﴾ يوسف/96، ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ﴾ الزمر/17، ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ﴾ الروم/46، أي: تبشر بالمطر.

 

وقال صلى الله عليه وسلم: (انقطع الوحي ولم يبق إلا المبشرات، وهي الرؤيا الصالحة، يراها المؤمن أو ترى له) (الحديث صحيح أخرجه البخاري 2/331؛ ومسلم (479) وفيه (ذهبت النبوة وبقيت المبشرات)؛ وأخرجه ابن ماجه 1/1283؛ وانظر: شرح السنة 12/204) وقال تعالى: ﴿فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ﴾ يس/11، وقال: ﴿فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ آل عمران/21، ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ﴾ النساء/138، ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ التوبة/3 فاستعارة ذلك تنبيه أن أسر ما يسمعونه الخبر بما ينالهم من العذاب، وذلك نحو قول الشاعر: تحية بينهم ضرب وجيع (هذا عجز بيت لعمرو بن معد يكرب، وصدره:

وخيل قد دلفت لها بخيل، وهو في البصائر 2/201؛ وخزانة الأدب 9/252؛ وديوانه ص 149؛ والممتع ص 260؛ والخصائص 1/368)

 

ويصح أن يكون على ذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ﴾ إبراهيم/30، وقال عز وجل: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ الزخرف/17.

 

ويقال: أبشر، أي: وجد بشارة، نحو: أبقل وأمحل، ﴿وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ فصلت/30، وأبشرت الأرض: حسن طلوع نبتها، ومنه قول ابن مسعود رضي الله عنه: (من أحب القرآن فليبشر) (أخرجه ابن أبي شيبة 6/133 وانظره: في الغريبين 1/180؛ واللسان (بشر)؛ والنهاية 1/129) أي: فليسر. قال الفراء إذا ثقل فمن البشرى، وإذا خففت فمن السرور يقال: بشرته فبشر، نحو: جبرته فجبر، وقال سيبويه (الكتاب 2/235) : فأبشر، قال ابن قتيبة (في غريب الحديث 2/234) : هو من بشرت الأديم، إذا رققت وجهه، قال: ومعناه فليضمر نفسه، كما روي: (إن وراءنا عقبة لا يقطعها إلا الضمر من الرجال) (راجع: اللسان (بشر) 4/60. الحديث أخرجه ابن مردويه والطبراني عن أبي الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أمامكم عقبة كؤدا لا يجوزها المثقلون، فأنا أريد أتخفف لتلك العقبة) وإسناده صحيح. راجع: الدر المنثور 8/523؛ والرغيب والترهيب 4/85. وأسباب ورود الحديث 2/42 وأخرجه البزار بلفظ: (إن بين أيديكم عقبة)، وعلى الأول قول الشاعر:

 

فأعنهم وابشر بما بشروا به *** وإذا هم نزلوا بضنك فانزل

 

(البيت لعبد قيس بن خفاف وهو شاعر جاهلي كان يعاصر حاتم طيئ. والبيت في المفضليات ص 384؛ والأصمعيات ص 230؛ واللسان (بشر)، وتهذيب إصلاح المنطق 1/89؛ ومعاني الفراء 1/212)

 

وتباشير الوجه وبشره: ما يبدو من سروره، وتباشير الصبح: ما يبدو من أوائله.

 

وتباشير النخيل: ما يبدو من رطبه، ويسمى ما يعطي المبشر: بشرى وبشارة.