حق

 

أصل الحق: المطابقة والموافقة، كمطابقة رجل الباب في حقه (هي عقب الباب) لدورانه على استقامة.

 

والحق يقال على أوجه:

 

الأول: يقال لموجد الشيء بسبب ما تقتضيه الحكمة، ولهذا قيل في الله تعالى: هو الحق (راجع: الأسماء والصفات ص 26)، قال الله تعالى: ﴿وَرُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ﴾ (سورة يونس آية 30)، وقيل بعيد ذلك: ﴿فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ يونس/32.

 

والثاني: يقال للموجد بحسب مقتضى الحكمة، ولهذا يقال: فعل الله تعالى كله الحق، نحو قولنا: الموت حق، والبعث حق، وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا﴾ يونس/5، إلى قوله: ﴿مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ﴾ يونس/5، وقال في القيامة: ﴿وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ يونس/53، و ﴿لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ﴾ البقرة/146، وقوله عز وجل: ﴿الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ﴾ البقرة/147، ﴿وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ﴾ البقرة/149.

 

والثالث: في الاعتقاد للشيء المطابق لما عليه ذلك الشيء في نفسه، كقولنا: اعتقاد فلان في البعث والثواب والعقاب والجنة والنار حق، قال الله تعالى: ﴿فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ﴾ البقرة/213.

 

والرابع: للفعل والقول بحسب ما يجب وبقدر ما يجب، وفي الوقت الذي يجب، كقولنا: فعلك حق وقولك حق، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ﴾ يونس/33، و ﴿حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ﴾ السجدة/13، وقوله عز وجل: ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ﴾ المؤمنون/71، ويصح أن يكون المراد به الله تعالى، ويصح أن يراد به الحكم الذي هو بحسب مقتضى الحكمة. ويقال: أحققت كذا، أي: أثبته حقا، أو حكمت بكونه حقا، وقوله تعالى: ﴿لِيُحِقَّ الْحَقَّ﴾ الأنفال/8 فإحقاق الحق على ضربين:

 

أحدهما: بإظهار الأدلة والآيات، كما قال تعالى: ﴿وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا﴾ النساء/91، أي: حجة قوية.

 

والثاني: بإكمال الشريعة وبثها في الكافة، كقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ الصف/8، ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ التوبة/33، وقوله: ﴿الْحَاقَّةُ، مَا الْحَاقَّةُ﴾ الحاقة/1، إشارة إلى القيامة، كما فسره بقوله: ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ﴾ المطففين/6، لأنه يحق فيه الجزاء، ويقال: حاققته فحققته، أي خاصمته في الحق فغلبته، وقال عمر رضي الله عنه: (إذا النساء بلغن نص الحقاق فالعصبة أولى في ذلك) (المعنى أن الجارية ما دامت صغيرة فأمها أولى بها، فإذا بلغت فالعصبة أولى بأمرها. انظر النهاية 1/414؛ ونهج البلاغة 2/314؛ ونسبه لعلي بن أبي طالب).

 

وفلان نزق الحقاق: إذا خاصم في صغار الأمور (انظر: المجمل 1/215)، ويستعمل استعمال الواجب واللازم والجائز نحو: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الروم/47، ﴿كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ يونس/103، وقوله تعالى: ﴿حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ﴾ الأعراف/105، قيل معناه: جدير، وقرئ: ﴿حَقِيقٌ عَلَى﴾ (وبها قرأ نافع وحده. انظر: الإتحاف ص 217) قيل: واجب، وقوله تعالى: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ﴾ البقرة/228، والحقيقة تستعمل تارة في الشيء الذي له ثبات ووجود، كقوله تعالى صلى الله عليه وسلم لحارث: (لكل حق حقيقته، فما حقيقة إيمانك؟) (عن صالح بن مسمار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحارث بن مالك: كيف أنت؟ أو: ما أنت يا حارث؟ قال: مؤمن يا رسول الله، قال: مؤمن حقا؟ قال: مؤمن حقا. قال: لكل حق حقيقة، فما حقيقة ذلك؟ قال:عزفت نفسي عن الدنيا، فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي عز وجل، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أسمع عواء أهل النار، فقال رسول الله: (مؤمن نور الله قلبه). أخرجه ابن المبارك في الزهد ص 106 مرسلا والبزار والطبراني، وهو حديث معضل. انظر: الإصابة 1/289؛ ومجمع الزوائد 1/57)، أي: ما الذي ينبئ عن كون ما تدعيه حقا؟

 

وفلان يحمي حقيقته، أي: ما يحق عليه أن يحمى. وتارة تستعمل في الاعتقاد كما تقدم، وتارة في العمل وفي القول، فيقال: فلان لفعله حقيقة: إذا لم يكن مرائيا فيه، ولقوله حقيقة: إذا لم يكن مترخصا ومتزيدا، ويستعمل في ضده المتجوز والمتوسع والمتفسح، وقيل: الدنيا باطل، والآخرة حقيقة، تنبيها على زوال هذه وبقاء تلك، وأما في تعارف الفقهاء والمتكلمين فهي اللفظ المستعمل فيما وضع له في أصل اللغة (انظر: شرح تنقيح الفصول للقرافي ص 42). والحق من الإبل: ما استحق أن يحمل عليه، والأنثى: حقه، والجمع: حقاق، وأتت الناقة على حقها (انظر: اللسان (حقق) 10/55)، أي: على الوقت الذي ضربت فيه من العالم الماضي.