حسب

 

الحساب: استعمال العدد، يقال: حسبت (في الأفعال 1/364: حسب بفتح السين وكسرها وضمها) أحسب حسابا وحسبانا، قال تعالى: ﴿لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ يونس/5، وقال تعالى: ﴿وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا﴾ الأنعام/96، وقيل: لا يعلم حسبانه إلا الله، وقال عز وجل: ﴿وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاء﴾ الكهف/40، قيل: معناه: نارا، وعذابا (وهذا مروي عن ابن عباس. انظر: الدر المنثور 5/394)، وإنما هو في الحقيقة ما يحاسب عليه فيجازى بحسبه، وفي الحديث أنه قال صلى الله عليه وسلم في الريح: (اللهم لا تجعلها عذابا ولا حسبانا) (الحديث في النهاية من حديث يحيى بن يعمر كان إذا هبت الريح يقول: (لا تجعلها حسبانا أي: عذابا). وأخرجه الطبراني في الكبير مرفوعا: (اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا). انظر: نزل الأبرار ص 298؛ والنهاية 1/383)، قال تعالى: ﴿فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا﴾ الطلاق/8، إشارة إلى نحو ما روي: (من نوقش الحساب عذب) (الحديث صحيح، أخرجه أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك)، فقلت: يا رسول الله، أليس قد قال الله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا﴾ ؟ فقال رسول الله: (إنما ذلك العرض، وليس أحد يناقش الحساب إلا عذب). انظر: المسند 6/91؛ وفتح الباري، كتاب الرقاق 11/40، ومسلم برقم 2876)، وقال تعالى: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ﴾ الأنبياء/1، نحو: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ﴾ القمر/1، ﴿وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ الأنبياء/47، وقوله عز وجل: ﴿وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ﴾ الحاقة/26، ﴿إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ﴾ الحاقة/20، فالهاء فيها للوقف، نحو: ﴿مَالِيهْ﴾ (الآية: ﴿مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ﴾ سورة الحاقة: آية 28) و ﴿سُلْطَانِيهْ﴾ ( ﴿هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ﴾ سورة الحاقة: آية 29)، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ آل عمران/199، وقوله عز وجل: ﴿جَزَاء مِّن رَّبِّكَ عَطَاء حِسَابًا﴾ عم/36، فقد قيل: كافيا، وقيل: ذلك إشارة إلى ما قال: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ النجم/39، وقوله: ﴿يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ البقرة/212. ففيه أوجه:

 

الأول: يعطيه أكثر مما يستحقه.

 

والثاني: يعطيه ولا يأخذه منه.

 

والثالث: يعطيه عطاء لا يمكن للبشر إحصاؤه، كقول الشاعر: عطاياه يحصى قبل إحصائها القطر (الشطر نسبه المؤلف في (المحاضرات) لدعبل الخزاعي، وفيه (معاليه يحصى قبل إحصائها القطر). انظر: محاضرات الأدباء 1/298)

 

والرابع: يعطيه بلا مضايقة، من قولهم: حاسبته: إذا ضايقته.

 

والخامس: يعطيه أكثر مما يحسبه.

 

والسادس: أن يعطيه بحسب ما يعرفه من مصلحته لا على حسب حسابهم، وذلك نحو ما نبه عليه بقوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ﴾ الآية الزخرف/33.

 

والسابع: يعطي المؤمن ولا يحاسبه عليه، ووجه ذلك أن المؤمن لا يأخذ من الدنيا إلا قدر ما يجب وكما يجب، وفي وقت ما يجب، ولا ينفق إلا كذلك، ويحاسب نفسه فلا يحاسبه الله حسابا يضر، كما روي: (من حاسب نفسه في الدنيا لم يحاسبه الله يوم القيامة) (عن عمر بن الخطاب قال: إنما يخف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا. أخرجه الترمذي. انظر عارضة الأحوذي 9/282، وأحمد في الزهد ص 149).

 

والثامن: يقابل الله المؤمنين في القيامة لا بقدر استحقاقهم، بل بأكثر منه كما قال عز وجل: ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ البقرة/245.

 

وعلى هذه الأوجه قوله تعالى: ﴿فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ غافر/40، وقوله تعالى: ﴿هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ ص/39، وقد قيل: تصرف فيه تصرف من لا يحاسب، أي: تناول كما يجب وفي وقت ما يجب وعلى ما يجب، وأنفقه كذلك، والحسيب والمحاسب: من يحاسبك، ثم يعبر به عن المكافئ بالحساب.

 

و(حسب) يستعمل في معنى الكفاية، ﴿حَسْبُنَا اللّهُ﴾ آل عمران/173، أي: كافينا هو، و ﴿حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ﴾ المجادلة/8، ﴿وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا﴾ النساء/6، أي: رقيبا يحاسبهم عليه، وقوله: ﴿مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ﴾ الأنعام/52، فنحو قوله: ﴿عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ المائدة/105، ونحوه: ﴿وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ﴾ الشعراء/112 - 113، وقيل معناه: ما من كفايتهم عليك، بل الله يكفيهم وإياك، من قوله: ﴿عَطَاء حِسَابًا﴾ النبأ/36، أي: كافيا، من قولهم: حسبي كذا، وقيل: أراد منه عملهم، فسماه بالحساب الذي هو منتهى الأعمال. وقيل: احتسب ابنا له، أي: اعتد به عند الله، والحسبة: فعل ما يحتسب به عند الله تعالى. ﴿الم، أَحَسِبَ النَّاسُ﴾ العنكبوت/1 - 2، ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ﴾ العنكبوت/4، ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾ إبراهيم/42، ﴿فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ﴾ إبراهيم/47، ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ﴾ البقرة/214، فكل ذلك مصدره الحسبان، والحسبان: أن يحكم لأحد النقيضين من غير أن يخطر الآخر بباله، فيحسبه ويعقد عليه الإصبع، ويكون بعرض أن يعتريه فيه شك، ويقارب ذلك الظن، لكن الظن أن يخطر النقيضين بباله فيغلب أحدهما على الآخر.