الحب والحبة

 

يقال في الحنطة والشعير ونحوهما من المطعومات، والحب والحبة في بزور الرياحين، قال الله تعالى: ﴿كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ﴾ البقرة/261، وقال: ﴿وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ﴾ الأنعام/59، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى﴾ الأنعام/95، وقوله تعالى: ﴿فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ﴾ ق/9، أي: الحنطة وما يجري مجراها مما يحصد، وفي الحديث: (كما تنبت الحبة في حميل السيل) (الحديث عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ثم يقول الله تعالى: أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، فيخرجون منها قد اسودوا فيلقون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في جانب السيل، أم تر أنها تخرج صفراء ملتوية؟) أخرجه البخاري في باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال 1/72؛ ومسلم في باب الإيمان رقم (299).

 

والحب: من فرط حبه، والحبب: تنضد الأسنان تشبيها بالحب، والحباب من الماء: النفاخات تشبيها به، وحبة القلب تشبيها بالحبة في الهيئة، وحببت فلانا، يقال في الأصل بمعنى: أصبت حبة قلبه، نحو: شغفته وكبدته وفأدته، وأحببت فلانا: جعلت قلبي معرضا لحبه، لكن في التعارف وضع محبوب موضع محب، واستعمل (حببت) أيضا موضع (أحببت). والمحبة: إرادة ما تراه أو تظنه خيرا، وهي على ثلاثة أوجه:

 

- محبة للذة، كمحبة الرجل المرأة، ومنه: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا﴾ الإنسان/8.

 

- ومحبة للنفع، كمحبة شيء ينتفع به، ومنه: ﴿وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾ الصف/13.

 

- ومحبة للفضل، كمحبة أهل العلم بعضهم لبعض لأجل العلم.

 

وربما فسرت المحبة بالإرادة في نحو قوله تعالى: ﴿فيه رجال يحبون أن يتطهروا﴾ التوبة/108، ليس كذلك؛ فإن المحبة أبلغ من الإرادة كما تقدم آنفا، فكل محبة إرادة، وليس كل إرادة محبة، وقوله عز وجل: ﴿إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ﴾ التوبة/23، أي: إن آثروه عليه، وحقيقة الاستحباب: أن يتحرى الإنسان في الشيء أن يحبه، واقتضى تعديته ب (على) معنى الإيثار، وعلى هذا قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ فصلت/17، وقوله تعالى: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ المائدة/54، فمحبة الله تعالى للعبد إنعامه عليهن ومحبة العبد له طلب الزلفى لديه.

 

وقوله تعالى: ﴿إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي﴾ ص/32، فمعناه: أحببت الخيل حبي للخير، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ البقرة/222، أي: يثيبهم وينعم عليهم، وقال: ﴿لا يحب كل كفار أثيم﴾ البقرة/276، وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ الحديد/23، تنبيها أنه بارتكاب الآثام يصير بحيث لا يتوب لتماديه في ذلك، وإذا لم يتب لم يحبه الله المحبة التي وعد بها التوابين والمتطهرين.

 

وحبب الله إلي كذا، قال الله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ﴾ الحجرات/7، وأحب البعير: إذا حرن ولزم مكانه، كأنه أحب المكان الذي وقف فيه، وحبابك أن تفعل كذا (انظر: مجمل اللغة 1/220)، أي: غاية محبتك ذلك.