ذكر

 

الذكر: تارة يقال ويراد به هيئة للنفس بها يمكن للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة، وهو كالحفظ إلا أن الحفظ يقال اعتبارا بإحرازه، والذكر يقال اعتبارا باستحضاره، وتارة يقال لحضور الشيء القلب أو القول، ولذلك قيل: الذكر ذكران:

- ذكر بالقلب.

- وذكر باللسان.

- وكل واحد منهما ضربان:

- ذكر عن نسيان.

- وذكر لا عن نسيان بل عن إدامة الحفظ.

 

وكل قول يقال له ذكر، فمن الذكر باللسان قوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ الأنبياء/10، وقوله تعالى: ﴿وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ﴾ الأنبياء/50، وقوله: ﴿هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي﴾ الأنبياء/24، وقوله: ﴿أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا﴾ ص/8، أي: القرآن، وقوله: تعالى: ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ ص/1، وقوله: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ الزخرف/44، أي: شرف لك ولقومك، وقوله: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ﴾ النحل/43، أي: الكتب المتقدمة. وقوله: ﴿قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا، رَّسُولًا﴾ الطلاق/10 - 11، فقد قيل: الذكر هاهنا وصف للنبي صلى الله عليه وسلم (وهذا قول ابن عباس، أخرجه عنه ابن مردويه. انظر: الدر المنثور 8/209)، كما أن الكلمة وصف لعيسى عليه السلام من حيث إنه بشر به في الكتب المتقدمة، فيكون قوله: (رسولا) بدلا منه. وقيل: (رسولا) منتصب بقوله (ذكرا) (انظر: الأقوال في انتصاب (ذكرا) في إعراب القرآن للعكبري 2/228) كأنه قال: قد أنزلنا إليكم كتابا ذكرا رسولا يتلو، نحو قوله: ﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ﴾ البلد/14 - 15، ف (يتيما) نصب بقوله (إطعام). ومن الذكر عن النسيان قوله: ﴿فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ﴾ الكهف/63، ومن الذكر بالقلب واللسان معا قوله تعالى: ﴿فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ البقرة/200، وقوله: ﴿فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ﴾ البقرة/198، وقوله: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ﴾ الأنبياء/105، أي: من بعد الكتاب المتقدم.

 

وقوله: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا﴾ الدهر/1، أي: لم يكن شيئا موجودا بذاته، وإن كان موجودا في علم الله تعالى. وقوله: ﴿أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ﴾ مريم/67، أي: أولا يذكر الجاحد للبعث أول خلقه، فيستدل بذلك على إعادته، وكذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ يس/79، وقوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ الروم/27، وقوله: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ العنكبوت/45، أي: ذكر الله لعبده أكبر من ذكر العبد له، وذلك حث على الإكثار من ذكره. والذكرى: كثرة الذكر، وهو أبلغ من الذكر، قال تعالى: ﴿رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ﴾ ص/43، ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الذاريات/55، في آي كثيرة. والتذكرة: ما يتذكر به الشيء، وهو أعم من الدلالة والأمارة، قال تعالى: ﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ﴾ المدثر/49، ﴿كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ﴾ عبس/11، أي: القرآن. وذكرته كذا، قال تعالى: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ﴾ إبراهيم/5، وقوله: ﴿فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى﴾ البقرة/282، قيل: معناه تعيد ذكره، وقد قيل: تجعلها ذكرا في الحكم (راجع: المدخل لعلم تفسير كتاب الله ص 109).

 

قال بعض العلماء (نقله الرازي في تفسيره 3/33) في الفرق بين قوله: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ البقرة/152، وبين قوله: ﴿اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ﴾ البقرة/40 : إن قوله: ﴿اذْكُرُونِي﴾ مخاطبة لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين حصل لهم فضل قوة بمعرفته تعالى، فأمرهم بأن يذكروه بغير واسطة، وقوله تعالى: ﴿اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ﴾ مخاطبة لبني إسرائيل الذين لم يعرفوا الله إلا بآلائه، فأمرهم أن يتبصروا نعمته، فيتوصلوا بها إلى معرفته. والذكر: ضد الأنثى، قال تعالى: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى﴾ آل عمران/36، وقال: ﴿آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ﴾ الأنعام/144، وجمعه: ذكور وذكران، قال تعالى: ﴿ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا﴾ الشورى/50، وجعل الذكر كناية عن العضو المخصوص. والمذكر: المرأة التي ولدت ذكرا، والمذكار: التي عادتها أن تذكر، وناقة مذكرة: تشبه الذكر في عظم خلقها، وسيف ذو ذكر، ومذكر: صارم، تشبيها بالذكر، وذكور البقل: ما غلظ منه.