ظلم

- الظلمة: عدم النور، وجمعها: ظلمات. قال تعالى: ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ﴾ النور/40، ﴿ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ﴾ النور/40، وقال تعالى: ﴿أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ النمل/63، ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ الأنعام/1، ويعبر بها عن الجهل والشرك والفسق، كما يعبر بالنور عن أضدادها. قال الله تعالى: ﴿يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ﴾ البقرة/257، ﴿أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ إبراهيم/5، ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ﴾ الأنبياء/87، ﴿كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ﴾ الأنعام/122، هو كقوله: ﴿كَمَنْ هُوَ أَعْمَى﴾ الرعد/19، وقوله في سورة الأنعام: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ﴾ الأنعام/39، فقوله: ﴿فِي الظُّلُمَاتِ﴾ ههنا موضوع موضع العمى في قوله: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ﴾ البقرة/18، وقوله: ﴿فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ﴾ الزمر/6، أي: البطن والرحم والمشيمة، وأظلم فلان: حصل في ظلمة. قال تعالى: ﴿فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ﴾ يس/37، والظلم عند أهل اللغة وكثير من العلماء: وضع الشيء في غير موضعه المختص به؛ إما بنقصان أو بزيادة؛ وإما بعدول عن وقته أو مكانه، ومن هذا يقال: ظلمت السقاء: إذا تناولته في غير وقته، ويسمى ذلك اللبن الظليم. وظلمت الأرض: حفرتها ولم تكن موضعا للحفر، وتلك الأرض يقال لها: المظلومة، والتراب الذي يخرج منها: ظليم. والظلم يقال في مجاوزة الحق الذي يجري مجرى نقطة الدائرة، ويقال فيما يكثر وفيما يقل من التجاوز، ولهذا يستعمل في الذنب الكبير، وفي الذنب الصغير، ولذلك قيل لآدم في تعديه ظالم (وذلك في قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ﴾ سورة البقرة: آية 35.

وقوله: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا﴾ الأعراف/23 ,لا يقال ذلك إلا مع الآية دون الإطلاق)، وفي إبليس ظالم، وإن كان بين الظلمين بون بعيد. قال بعض الحكماء: الظلم ثلاثة:

الأول: ظلم بين الإنسان وبين الله تعالى، وأعظمه: الكفر والشرك والنفاق، ولذلك قال: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ لقمان/13، وإياه قصد بقوله: ﴿أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ هود/18، ﴿وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ الإنسان /31، في آي كثيرة، وقال: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ﴾ الزمر/32، ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا﴾ الأنعام/93.

والثاني: ظلم بينه وبين الناس، وإياه قصد بقوله: ﴿وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ﴾ إلى قوله: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ (الآية: ﴿وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ الشورى: 40)، وبقوله: ﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ﴾ الشورى/42، وبقوله: ﴿وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا﴾ الإسراء/33.

والثالث: ظلم بينه وبين نفسه، وإياه قصد بقوله: ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ﴾ فاطر /32، وقوله: ﴿ظَلَمْتُ نَفْسِي﴾ النمل/44، ﴿إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ﴾ النساء/64، ﴿فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ البقرة/35، أي: من الظالمين أنفسهم، ﴿فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ البقرة/231.

وكل هذه الثلاثة في الحقيقة ظلم للنفس؛ فإن الإنسان في أول ما يهم بالظلم فقد ظلم نفسه، فإذا الظالم أبدا مبتدئ في الظلم، ولهذا قال تعالى في غير موضع: ﴿وما ظلمهم الله ولكن كانوا يظلمون﴾ النحل/33، ﴿وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ البقرة/57، وقوله: ﴿وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ﴾ الأنعام/82، فقد قيل: هو الشرك، بدلالة أنه لما نزلت هذه الآية شق ذلك على أصحاب النبي عليه السلام، وقال لهم: (ألم تروا إلى قوله: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ ) (سورة لقمان: آية 13.

أخرج أحمد والبخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود قال: لما نزلت هذه الآية: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ﴾ شق ذلك على الناس، فقالوا: يا رسول الله، وأينا لا يظلم نفسه؟! قال: (إنه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ إنما هو الشرك). انظر: الدر المنثور 3/308؛ وفتح الباري 8/294 كتاب التفسير، ومسلم برقم 124، والمسند 1/424)، وقوله: ﴿وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا﴾ الكهف/33، أي: لم تنقص، وقوله: ﴿وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ الزمر/47، فإنه يتناول الأنواع الثلاثة من الظلم، فما أحد كان منه ظلم ما في الدنيا إلا ولو حصل له ما في الأرض ومثله معه لكان يفتدي به، وقوله: ﴿هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى﴾ النجم/ 52، تنبيها أن الظلم لا يغني ولا يجدي ولا يخلص بل يردي بدلالة قوم نوح. وقوله: ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ﴾ غافر/31، وفي موضع: ﴿وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ ق/29، وتخصيص أحدهما بالإرادة مع لفظ العباد، والآخر بلفظ الظلام للعبيد يختص بما بعد هذا الكتاب (يريد كتاب تحقيق الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد). والظليم: ذكر النعام، وقيل: إنما سمي بذلك لاعتقادهم أنه مظلوم، للمعنى الذي أشار إليه الشاعر:  فصرت كالهيق عدا يبتغي * قرنا فلم يرجع بأذنين

(البيت لبشار بن برد، وقبله: طالبتها ديني فراغت به * وعلقت قلبي مع الدين، وهو في الأغاني 3/51؛ وعيون الأخبار 3/141؛ وعمدة الحفاظ: ظلم)

والظلم: ماء الأسنان. قال الخليل (انظر: العين 8/162) : لقيته أول ذي ظلم، أو ذي ظلمة، أي: أول شيء سد بصرك، قال: ولا يشتق منه فعل، ولقيته أدنى ظلم كذلك.