أبو طالب بن عبد المطلب (عليه السلام)

هو أبو طالب (عليه السلام) عبد مناف، وقيل: عمران بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ابن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب العدناني، القرشي، الهاشمي، وقيل: اسمه كنيته، وأمه فاطمة بنت عمرو بن عائد المخزومية.

عم النبي محمد بن عبد الله (ص)، ووالد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام).

أحد أشراف وسادات العرب في الجاهلية والإسلام، وكان سيد قريش وشيخ البطحاء ورئيس مكة وأحد تجارها.

كان عالما فاضلاً، شاعرا فصيحا بليغا جيد الكلام، عرف بالحكمة والحلم وحسن التدبير، وكان وسيما، وعليه وقار الحكماء وبهاء الملوك، كان في الجاهلية من المؤمنين بالله والموحدين له، ولما بزغ نور الإسلام آمن بالنبي محمد (ص) وبرسالته الغراء.

ولد بمكة قبل مولد النبي محمد (ص) بخمس وثلاثين سنة.

بعد وفاة والد النبي (ص) عبد الله، تولى جده عبد المطلب رعايته وتربيته، فلما توفي عبد المطلب قام أبو طالب (عليه السلام) بأعباء كفالة ورعاية النبي (ص)، فلما بعث النبي (ص) للرسالة تولى نصرته والذب عنه وحمايته من الكفار والمشركين، فكان الدرع الواقي له من أعدائه، والمحامي القوي له من مناوئيه.

نصر النبي (ص) في بث الشريعة الإسلامية، فلاقى من الكفار صنوف العناء والبلاء حتى حاصروه هو وأسرته في الشعب المنسوب إليه بشعب أبي طالب.

كان يحب النبي (ص) حبا شديدا، ويقدمه على أولاده، ولا ينام إلا وهو إلى جانبه، وكان يقول للنبي (ص): انك لمبارك النقيبة ميمون الطلعة.

آمن بالنبي محمد (ص) وأسلم، وكان يكتم إيمانه خوفا على بني هاشم.

كان مستودعا للوصايا؛ فنقلها للنبي (ص)، وكان قبل إسلامه يسير على نهج أبيه عبد المطلب في اتباع ملة إبراهيم (عليه السلام).

لما بلغ النبي (ص) التاسعة من عمره وقيل: الثالثة عشر أخرجه معه في تجارة إلى بلاد الشام.

ولم يزل يحمي النبي (ص) من أعدائه، ويدفع شرورهم عنه، حتى توفي بمكة المكرمة في النصف من شهر شوال، وقيل: في السادس والعشرين من رجب أواخر السنة العاشرة من المبعث النبوي الشريف، ودفن بمكة إلى جانب أبيه في الحجون، وبكى عليه النبي (ص) بكاء شديدا، فكان موته فقدا عظيما للنبي (ص) والمسلمين.

وبعد وفاته أوحى الله إلى النبي (ص) بأن أخرج من مكة فقد مات ناصرك.

كان له من الأولاد: طالب وعقيل وجعفر والإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومن البنات أم هاني وجمانة.

له أشعار كثيرة في مدح النبي (ص) والدفاع عنه، منها:

وشق له اسمه ليجله ** فذو العرش محمود وهذا محمد

ومن قصيدة له يمدح فيها النبي (ص):

وما مثله في الناس سيد معشر ** إذ قايسوه عند وقت التحاصل

فأيده رب العباد بنوره ** وأظهر دينا حقه غير زائل

بعض أقوال العظماء فيه

1- سئل حكيم العرب أكثم بن صيفي عمن تعلمت الحكمة والرياسة والحلم والسيادة؟ قال: "من حليف الحلم والأدب، سيد العجم والعرب، أبي طالب بن عبد المطلب".

2- كان الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يعجبه أن يروي شعر أبي طالب (عليه السلام) وأن يدون، وقال (عليه السلام): "تعلموه وعلموه أولادكم، فانه كان على دين الله، وفيه علم كثير".

3- قال الإمام الصادق (عليه السلام) في حقه: "مثل أبي طالب (عليه السلام) مثل أصحاب الكهف، أسروا الإيمان وأظهروا الشرك، فأجرهم الله مرتين".

4- وقال الإمام الصادق (عليه السلام) ردا على الذين يدعون أن أبا طالب (عليه السلام) في ضحضاح من نار، وفي رجليه نعلان من نار تغلي منها أم رأسه، كذب أعداء الله، إنَّ أبا طالب (عليه السلام) من رفقاء النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

5- وقال الإمام الباقر (عليه السلام): "مات أبو طالب بن عبد المطلب (عليه السلام) مسلما مؤمنا، وشعره في ديوانه يدل على إيمانه، ثم محبته وتربيته ونصرته ومعاداة أعداء رسول الله (ص)، وموالاة أولياءه، وتصديقه إياه بما جاء به من ربه، وأمره لولديه علي عليه السلام وجعفر بأن يسلما ويؤمنا بما يدعو إليه".

6- قال الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) في حقه: "من شك في إيمان أبي طالب (عليه السلام) كان مصيره إلى النار".

7- وقال بعض العلماء في حقه: "لإيمانه أبي طالب (عليه السلام) واعتقاده بالإسلام يمنحه الله يوم القيامة نورا يغطي أنوار الخلائق إلا أنوار أصحاب الكساء الخمسة".

8- وقال الإمام الصادق (عليه السلام): "لو وضع إيمان أبي طالب (عليه السلام) في كفه ميزان وإيمان الخلائق في الكفة الأخرى من الميزان لرجح إبمانه على إيمانهم".

القرآن المجيد وأبو طالب (عليه السلام)

يقول المخالفون لله ولرسوله (ص) ولأئمة أهل البيت (عليهم السلام): إن أبا طالب (عليه السلام) كان يدافع عن النبي (ص) ولم يؤمن به، فنزلت فيه الآية 26 من سورة الأنعام: ﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ والحق والحقيقة لا يعترفان بذلك.

ولكن نزلت فيه الآية 157 من سورة الأعراف: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.

في أحد الأيام كان جالسًا عند النبي (ص) إذ انحط نجم فامتلأ حوله نارًا، ففزع من ذلك، وسأل النبي (ص) قائلا: أي شيء هذا؟ فقال (ص): هذا نجم رمى به، وهو آية من آيات الله، فتعجب أبو طالب (عليه السلام)، فنزلت:

الآية 1 من سورة الطارق: ﴿وَالسَّمَاء وَالطَّارِقِ﴾.

والآية 2 من نفس السورة ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ﴾.

والآية 3 من السورة نفسها: ﴿النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾.

وشملته الآيات 6 و7و8 من سورة الضحى: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى﴾، ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى﴾، ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى﴾.

ومع الأسف الشديد يقول بعض أصحاب الأقلام المأجورة وضعاف النفوس والإيمان: إنَّ أبا طالب (عليه السلام) مات كافرا، مع علمهم بأن سيرته تدل على إيمانه الراسخ بالله، ودخوله في الإسلام، وحث الناس على اعتناق الإسلام، ومما يؤيد ذلك أقوال النبي (ص) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في حقه، بالإضافة إلى إشعاره الدالة على إيمانه وإسلامه، ولكن لكونه والد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يجب اتهامه بالكفر، ولو كان والدا لغير الإمام (عليه السلام) لما قالوا فيه ما قالوا: ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾.