أمد مصحف علي (عليه السلام)

روى سليم بن قيس الهلالي عن سلمان الفارسي (رضوان اله عليه) قال: لمّا رأى أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) غدر الناس به لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلّفه ويجمعه، فلم يخرج من بيته حتى جمعه. وكان في المصحف والشظاظ والاشار والرقاع(1).

وبعث القوم إليه ليبايع فاعتذر باشتغاله بجمع القرآن، فسكتوا عنه أيامًا حتى جمعه في ثوب واحد وختمه ثم خرج إلى الناس -وفي رواية اليعقوبي: حمله على جمل وأتى به إلى القوم(2)- وهم مجتمعون حول أبي بكر في المسجد، وخاطبهم قائلاً: إنّي لم أزل منذ قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مشغولا بغسله وتجهيزه، ثم بالقرآن حتى جمعته كلّه في هذا الثوب الواحد ولم ينزل الله على نبيهّ آية من القرآن إلاّ وقد جمعتها، وليس منه آية وقد أقرأنيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلّمني تأويلها. إن تقولوا غدًا إنّا كنّا عن هذا غافلين!

فقام إليه رجل من كبار القوم -وفي رواية أبي ذر: فنظر فيه فلان وإذا فيه أشياء(3)- فقال: يا علي، اردده فلا حاجة لنا فيه، ما أغنانا بما معنا من القرآن، عمَا تدعونا إليه، فدخل علي (عليه السلام) بيته(4).

وفي رواية: قال علي (عليه السلام): "أما والله ماترونه بعد يومكم هذا أبدًا، إنّما كان عليّ أن أخبركم حين جمعته لتقرأوه"(5).

وقد تقدّم كلام ابن النديم: كان مصحف عليّ يتوارثه بنو الحسن(6) والصحيح عندنا: أنّ مصحفه (عليه السلام) يتوارثه أوصياؤه من بعده، واحدًا بعد واحد لا يرونه لأحد(7).

وفي عهد عثمان حيث اختلفت المصاحف وأثارت ضجّة بين المسلمين، سأل طلحة الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) لو يخرج للناس مصحفه الذي جمعه بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأتى به إلى القوم فرفضوه. قال: "وما يمنعك -يرحمك الله- أن تخرج كتاب الله إلى الناس؟!"، فكفّ (عليه السلام) عن الجواب أوّلا، فكرّر طلحة السؤال، فقال: "لا أراك يا أبا الحسن أجبتني عمّا سألتك من أمر القرآن ألا تظهره للناس"؟، قال (عليه السلام): "يا طلحة عمدًا كففت عن جوابك. فأخبرني عمّا كتبه القوم أقرآن كلّه أم فيه ما ليس بقرآن؟"، قال طلحة: "بل قرآن كلّه". قال (عليه السلام): "إن أخذتم بما فيه نجوتم من النار ودخلتم الجنة.."، قال طلحة: "حسبي أمّا إذا كان قرآنًا فحسبي"(8).

هكذا حرص الإمام وأوصياؤه (عليهم السلام) على حفظ وحدة الأمة فلا تختلف بعد اجتماعها على ما هو قرآن كلّه.

المصدر:

كتاب التمهيد في علوم القرآن: سماحة الشيخ محمد هادي معرفة.


1- الصحف: جمع صحيفة، وهي الورقة من كتاب أو قرطاس. والشظاظ: خشبة محدّدة، يجمع على أشظة. والأشار خشيبة أو صفحة أو عظمة مرققة مصقولة. والرقاع: جمع رقعة، وهي القطعة من الورق يكتب عليه.

2- تاريخ اليعقوبي ج2 / ص113.

3- احتجاج الطبرسي ص82.

4- كتاب سليم بن قيس ص72.

5- تفسير الصافي ج1 / ص25.

6- الفهرست ص48.

7- بحار الأنوار ج92 / ص42 / ح1.

8- سليم بن قيس ص110، وبحار الأنوار ج92 / ص42 / ح1.