وصف مصحف علي (عليه السلام)

امتاز مصحفه (عليه السلام):

أوّلاً: بترتيبه الموضوع على ترتيب النزول، الأوّل فالأوّل في دقّة فائقة.

ثانيًا: إثبات نصوص الكتاب كما هي من غير تحوير أو تغيير أو أن تشذّ منه كلمة أو آية.

ثالثًا: إثبات قراءته كما قرأه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حرفًا بحرف.

رابعًا: اشتماله على توضيحات -على الهامش طبعًا- وبيان المناسبة التي استدعت نزول الآية، والمكان الذي نزلت فيه، والساعة التي نزلت فيها، والأشخاص الذي نزلت فيهم.

خامسًا: اشتماله على الجوانب العامّة من الآيات بحيث لا تخصّ زمانًا ولا مكانًا ولا شخصًا خاصًّا. فهي تجري كما تجري الشمس والقمر. وهذا هو المقصود من التأويل في قوله (عليه السلام): ولقد جئتهم بالكتاب مشتملا على التنزيل والتأويل(1).

فالتنزيل هي المناسبة الوقتيّة التي استدعت النزول. والتأويل هو بيان المجرى العامّ.

كان مصحف علي (عليه السلام) مشتملاً على كلّ هذه الدقائق التي أخذها على رسول الله (صلى الله عليه وآله) من غير أن ينسى منها شيئًا أو يشتبه عليه شيء.

قال (عليه السلام): ما نزلت آية على رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلاّ أقرأنيها وأملاها عليّ، فأكتبها بخطّي. وعلّمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها. ودعا الله لي أن يعلّمني فهمها وحفظها، فما نسيت آية من كتاب الله، ولا علمًا أملاه عليّ فكتبته منذ دعا لي ما دعا(2).

وعن الأصبغ بن نباتة، قال: قدم أمير المؤمنين (عليه السلام) الكوفة، صلّى بعم أربعين صباحًا يقرأ بهم سبّح اسم ربّك الأعلى، فقال المنافقون: لا والله ما يحسن ابن أبي طالب أن يقرأ القرآن، ولو أحسن أن يقرأ القرآن لقرأ بنا غير هذه السورة! قال: فبلغ ذلك عليًا (عليه السلام) فقال: ويلهم إنّي لأعرف ناسخه من منسوخه ومحكمه، من متشابهه وفصله من فصاله وحروفه من معانيه، والله ما من حرف نزل على محمد (صلى الله عليه وآله) إلاّ أنّي أعرف فيمن أُنزل وفي أي يوم وفي أيّ موضع. ويلهم أما يقرأون: ﴿إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى / صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾(3) والله عندي، ورثتُهما من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد أنهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) من إبراهيم وموسى (عليهما السلام) ويلهم والله أنا الذي أنزل الله فيّ ﴿وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾(4) فإنّما كناّ عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيخبرنا بالوحي فأعيه أنا ومن يعيه، فإذا خرجنا قالوا: ماذا قال آنفًا؟(5)

هذا .. ولليعقوبي وصف غريب عن مصحف علي (عليه السلام): يجزّؤه سبعة أجزاء كلّ جزء يحتوي على ستّ عشرة سورة، لتكون مجموع السور مائة وإحدى عشرة سورة!! وكلّ جزء لابدّ أن تبلغ آياته ثمانمائة وستًا وثمانين آية، فيكون مجموع آيات المصحف ستة آلاف واثنتين ومائتي آية!

ويجعل مبدأ الجزء الأوّل: سورة البقرة ثم سورة يوسف ثم العنكبوت، وينتهي إلى سورة الأعلى والبيّنة. ويسمّيه جزء البقرة.

ويجعل مبدأ الجزء الثالث: سورة النساء وآخره النمل. ويسمّيه جزء النساء.

ومبدأ الجزء الرابع: المائدة وآخره الكافرون. ومبدأ الجزء الخامس: الأنعام، ومنتهاه التكاثر. ومبدأ الجزء السادس: الأعراف، ومنتهاه النصر. ومبدأ الجزء السابع: الأنفال وآخره الناس.

وهكذا يوزّع السور السور الطوال على مبادئ الأجزاء السبع ويتدرّج إلى القصار ويسمى كلّ جزء بإسم السورة التي بدأ بها(6).

وهذا الوصف يخالف تمامًا وصف الآخرين: إنّه كان مرتبًا حسب النزول. قال جلال الدين: كان أوّل مصحف علي (عليه السلام) سورة اقرأ ثم سورة المدّثر ثم نون ثم المزمّل ثم تبت ثم التكوير .. وهكذا إلى آخر ترتيب السور حسب نزولها(7) ومن ثم فهذا الوصف مخالف لإجماع أرباب السير والتاريخ.

ومن الغريب أنّه جعل الم تنزيل والسجدة سورتين. وحم والمؤمن سورتين. وطس والنحل سورتين. وطسم والشعراء سورتين. في حين أنّ كلاّ منهما سورة واحدة. وعبّر عن سورة الأنبياء بسورة اقتربت، في حين أنها تبتدئ بقوله تعالى: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ﴾.

وهذه الغفلة من مثل أحمد بن الواضح الكاتب الإخباري غريبة جدًا!

المصدر:

كتاب التمهيد في علوم القرآن: سماحة الشيخ محمد هادي معرفة.


1- آلاء الرحمان ج1 / ص257.

2- تفسير البرهان ج1 / ص16 / ح14.

3- سورة الأعلى / 18-19.

4- سورة الحاقة / 12.

5- تفسير العياشي ج1 / ص14 / ح1.

6- تاريخ اليعقوبي ج2 / ص113.

7- الإتقان ج1 / ص62.