المطلب الرابع: الموارد المدعى فيها النسخ على أقسام

 

الأول: ما لا يكون نسخًا في الحقيقة بل هو تخصيص أو تقييد.

مثال الأول: تحريم كل ذي ناب ومخلب، الذي ثبت بالسنة مع وجود إطلاق آية التحليل، وهي قوله تعالى: ﴿قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرمًا على طاعم يطعمه﴾(1)، حيث أن دليل حرمة السباع حاكم على عموم الآية الافرادي، وليس نسخًا للآية.

 

ومثال الثاني: اشتراط نفوذ عقد بنت الأخ على إذن عمتها، واشتراط نفوذ عقد بنت الأخت على إذن خالتها إذ توهم أن الدليل الدال على ذلك ناسخ لقوله تعالى: ﴿وأحل لكم ما وراء ذلكم﴾(2)، مع انه تقييد لا نسخ.

 

الثاني: ما ورد فيه خبران متعارضان من حيث النسخ وعدمه، فمنه قوله تعالى: ﴿وإذا حضر القسمة أولوا القربى﴾(3)، الآية، فقد ورد في تفسير العياشي من أنه نسختها آية الفرائض، فقال البحراني: تحمل رواية النسخ على نسخ وجوب الإعطاء، وتحمل رواية عدم النسخ على جواز الإعطاء واستجابه، فلا تنافي بين الروايتين.

 

وقال أبو علي الطبرسي: اختلف الناس في هذه الآية على قولين أحدهما: أنها محكمة غير منسوخة وهو المروي عن الباقر (ع)، قال مجمد الشيباني في نهج البيان: وقال قوم انها ليست منسوخة يعطي من ذكرهم الله على سبيل الندب والطعمة، قلت وهذه الرواية عن الباقر والصادق(ع) تؤيد ما ذكرناه من الحمل بأن الآية محكمة غير منسوخة يعطون على سبيل الندب والطعمة، ورواية النسخ ناسخة وجوب اعطائهم بآية الميراث، انتهى.

 

أقول: وأنت خبير بأن نفي الوجوب ليس بنسخ، مضافًا إلى ضعف السند فلنطرح الرواية على النسخ.

 

ومنه قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون﴾(4)، فعن العياشي عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبدالله (ع) عن قول الله ﴿اتقوا الله حق تقاته﴾، قال: ((منسوخة)) قلت: وما نسختها؟ قال: (قول الله: ﴿اتقوا الله ما استطعتم﴾(5))(5) وقال أبو علي الطبرسي في الآية: اختلف فيه على قولين أحدهما انه منسوخ بقوله تعالى: ﴿اتقوا الله ما استطعتم﴾ قال: وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبدالله (ع)، والآخر أنه غير منسوخ، عن إبن عباس وطاووس(6)، أقول: أضعف إلى ذلك ضعف السند.

 

ومنه قوله تعالى: ﴿وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون﴾(7)، فقال علي بن إبراهيم:... وفي حديث آخر: قال: هي منسوخة بقوله تعالى: ﴿ولا يزالون مختلفين، إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم﴾(8)، انتهى.(9)

 

أقول: لاينبغي الشك في أن خلق الناس للعبادة لا ينافي خلقهم للرحمه، والحصر في الموردين اضافي بالنسبة إلى ما يقابل الكفر وما يقابل الرحمة، فتدبر، وأضف إلى ما ذكر ضعف السند.

 

الثالث: مايكون نسخًا حقيقة، فمنه قوله تعالى: ﴿والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا وصية لأزواجهم متاعًا إلى الحول غير إخراج﴾(10)، حيث نسخ بقوله تعالى: ﴿والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير﴾(11).

 

فعن العياشي عن إبن أبي عمير عن معاوية بن عمار، قال: سألته عن قول الله: ﴿والذين يتوفون _ إلى قوله _ إلى الحول﴾، قال: (منسوخة، نسختها آية ﴿يتربصن ? إلى قوله ? عشرًا﴾....)(12).

 

وعن أبي بصير قال: سألته عن قول الله: ﴿والذين يتوفون ?إلى ? غير إخراج﴾، قال: (هي منسوخة)، قلت: وكيف كانت؟ قال: (كان الرجل إذا مات أنفق على إمرأته من صلب المال حولاً، ثم أخرجت بلا ميراث، ثم نسختها آية الربع والثمن فالمرأة ينفق عليها من نصيبها)(13).

 

ومنه قوله تعالى: ﴿واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً﴾(14)، نسخه قوله تعالى: ﴿الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة﴾(15).

ففي الكافي مرسلاً عن أبي جعفر (ع) قال: (كل سورة النور نزلت بعد سورة النساء وتصديق ذلك أن الله عزّ وجلّ أنزل عليه في سورة النساء ﴿واللاتي ? إلى ? سبيلاً﴾، والسبيل الذي قال الله عزّ وجلّ سورة ﴿أنزلناها ? إلى ? طائفة من المؤمنين﴾(16)) (17).

 

أقول: الظاهر من هذه الرواية عدم النسخ، وأن الحكم كان من الأول محدودًا فلا نسخ لأن شرط النسخ وهو ظهور الدليل في كون الحكم مستمرًا مفقود، اللهم إلا أن يقال ان إبهام السبيل يصحح اطلاق النسخ على المورد، مؤيدًا بما تفسير العياشي عن أبي جعفر(ع) مرسلاً في قول الله تعالى: ﴿وللاتي-إى-سبيلاً﴾، وقال: قلت: كيف كانت؟ قال: (كانت المرأة إذا فجرت فقام عليها أربعة شهود أدخلت بيتًا ولم تحدث ولم تكلم ولم تجالس واوتيت فيه بطعامها حتى تموت)، قلت: فقوله: ﴿أو يجعل الله لهن سبيلاً﴾؟ قال: (جعل السبيل الرحيم والجلد والامساك في البيوت)، قال: (قلت): قوله: ﴿وللذان يأتيانها منكم﴾(18)، قال: (يعني البكر إذا أتت الفاحشة التي أتتها هذه الثيب، ﴿فآذوهما﴾(19)، قال: (تحبس ﴿فإن تابا واصلحا فأعرضوا عنهما ان الله كان توابًا رحيما﴾(20))(21).

 

وقال أبو علي الطبرسي: حكم هذه الآية منسوخة عند جمهور المفسرين وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبدالله(ع)(22).

 

ومنه آية المناجاة وهي قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين نجواكم صدقة﴾(23)، فراجع البرهان ترى فيه أخبارًا مستفيضة دالة على أن الآية لم يعمل بها أحد من الصحابة غير علي(ع)، وانه بعد علمه بها نسخها قوله تعالى: ﴿أأشفقتم أن تقدموا بين يدى نجواكم صدقات﴾(24)، وأنه كان له دينار فباعه بعشرة دراهم فكان كلما ناجاه(ص) قدم درهمًا حتى ناجاه عشر مرات، ثم نسخت فلم يعمل بها أحد قبله ولا بعده، وأنه قد بخل الناس ان يتصدقوا قبل الكلام معه(25).

 

ومنه تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المكرمة، قال الله تعالى: ﴿قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام﴾(26)، وقال الله تعالى: ﴿وما جعالنا القبلة التي كنت عليها الا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وان كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله﴾(27)، فترى في الآية الثانية أنه تعالى يبين علة تشريع القبلة إلى بيت المقدس ففي تفسير البرهان عن الشيخ الطوسي في حديث قال: إن بني عبد الأشهل أتوهم وهم في الصلاة وقد صلوا ركعتين إلى بيت المقدس، فقيل لهم إن نبيكم قد صرف إلى الكعبة فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساءِ وصلوا الركعتين الباقيتين إلى الكعبة فصلوا صلاة واحدة إلى القبلتين، ولذلك سمي مسجدهم مسد القبلتين(28)، وعن علي بن إبراهيم في الحديث: (إن اليهود كانوا يعيرون على رسول الله(ص) يقولون له أنت تابع لنا تصلي إلى قبلتنا، فاغتنم رسول الله(ص) من ذلك غمًا شديدًا وخرج في جوف الليل ينظر إلى آفاق السماء ينتظر من الله في ذلك أمرًا لما أصبح وحضر وقت صلاة الظهر كان في المسجد بني سالم قد صلى من الظهر ركعتين، فنزل عليه جبرائيل وأخذ بعضديه وحوله إلى الكعبة وانزل عليه: ﴿قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام﴾(29)، وكان قد صلى ركعتين إلى بيت المقدس وركعتين إلى الكعبة فقالت اليهود والسفهاء: ﴿ما ولآهم عن قبلتهم التي كانوا عليها﴾ 29) (30)، وعن تفسير العسكري: (وجاء قوم من اليهود إلى رسول الله(ص) فقالوا: يا محمد هذه القبلة بيت المقدس قد صليت إليها أربع عشرة سنة ثم تركتها الآن أفحقًا كان ما منت عليه فقد تركته إلى باطل فإن ما يخالف الحق فهو باطل، أو باطلاً فقد كنت عليه طول هذه المدة-إلى أن قال- ثم قال: أليس الله يأتي بالشتاء في أثر الصيف والصيف في أثر الشتاء أبدا له في كل واحد منهما؟، قالوا: لا، قال: فكذلك لم يبدله في القبلة، قال، ثم قال: أليس قد ألزمكم أن تحترزوا في الشتاء من البرد بالثياب الغليظة، وألزمكم في الصيف أن تحترزوا من الحر، أفبدا له الصيف حين أمركم بخلاف ما أمركم به في الشتاء؟ قالوا: لا، فقال رسول الله(ص): فكذلك تعبدكم في وقت لصلاحكم يعلمه بشيء، ثم بعده في وقت آخر لصلاح آخر بشيء آخر-إلى أن قال-ثم قال رسول الله(ص): يا عباد الله أنتم كالمرضى والله رب العالمين كالطبيب فصلاح المرضى فيها يعلمه الطبيب ويدبره به لا فيها يشتهيه المريض ويفترحه ألا قسلموا لله أمره تكونوا من الفائزين، فقيل يا بن رسول الله: فام أمره بالقبلة الأولى؟ فقال: لما قال الله عزّ وجلَّ: ﴿وما جعلنا القبلة التي كنت عليها-وهي بيت المقدس- إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه﴾(31)، الا لنعلم ذلك منه(32) وجودًا بعد أن علمناه سيوجد وذلك أن هوى أهل مكة كان في الكعبة فأراد الله أن يبين متبع محمد من مخالفيه باتباع القبلة التي كرهها ومحمد يأمر بها، ولما كان هوى أهل المدينة في بيت المقدس أمرهم بمخالفتها والتوجه إلى الكعبة ليبيّن من يوافق محمدًا فيما يكرهه فهو مصدقه وموافقه، ثم قال: وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله، وإن كان ما كان التوجه إلى بيت المقدس في ذلك الوقت كبيرة إلا على من هدى الله، فعرف أن الله يتعبد بخلاف ما يريده المرء ليبتلى طاعته في مخالفة هواه)(33)، انتهى.

 

أقول: فقد ظهر من نصّ القرآن أن النسخ صحيح وواقع وليس من التغيير في الرأي وحدوث العلم بعد الجهل، ولا يكون جزافًا بل لا بد وأن يكون لأجل مصلحة في الجعل الأولى وإبرازه بصورة الاستمرار ثم إزالتة عن عالم الإثبات.

 

ومنه قوله تعالى: ﴿أحل لكم ليلة الصيام ارفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر﴾(34).

فقد روى محمد بن يعقوب عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان وأحمد بن ادريس عن محمد بن عبد الجبار جميعًا عن صفوان بن يحيى عن إبن مسكان عن أبي بصير عن أحدهما(ع) في قوله الله عزّ وجلَّ: ﴿أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم﴾، فقال نزلت في خوات(35) بن جبير الأنصاري وكان مع النّبي (ص) في الخندق وهو صائم فأمسى وهو على تلك الحال، وكانوا قبل أن تنزل هذه الآية إذا نام أحدهم حرم عليه الطعام والشراب، فجاء خوات إلى أهله حين أمسوا، فقال: هل عندكم طعام، فقالوا: لا تنم حتى نصلح لك طعامًا فاتكى فنام، فقالوا له: قد فعلت، قال: نعم فبات على تلك الحال فأصبح ثم غدا إلى الخندق فجعل يغشى عليه، فمرّ به رسول الله(ص) فلما رأى الذي به أخبره كيف كان أمره فأنزل الله عزّ وجلَّ الآية: ﴿كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر﴾.

 

ويظهر من هذه الرواية وما يشبهها في المضمون أن علة نسخ الحكم الأول هو الرفق والتسهيل، ونظيره آية ثبات الواحد في مقابل العشرة حيث قال الله تعالى: ﴿يا أيها النّبي حرّض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين وأن يكن منكم مئة يغلبوا ألفًا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون﴾(36)، وقد نسخ هذا الحكم- الذي يكون بصورة الأخبار ويظهر كونه حكمًا من الآية التالية، قوله تعالى: ﴿الآن خفف الله عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفًا فان يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإن الله والله مع الصابرين﴾(37)، وتظهر علة النسخ من قوله تعالى: ﴿خفف الله عنكم﴾، وأنها التخفيف وأنه أوجب وجوب ثبات الواحد في مقابل اثنين بعدما كان الواجب ثبات الواحد في مقابل العشرة.

 

ومنه قوله تعالى: ﴿وقولوا للناس حسنًا﴾(38)، نسخة قوله تعالى: ﴿قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون﴾(39)،فعن محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه وعلي بن محمد القاساني جميعًا عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داوود المنفري عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله(ع) في حديث الأسياف الذي ذكره عن أبيه قال فيه: (وأما السيوف الثلاثة المشهورة فسيف على مشركي العرب، قال الله عزّ وجلَّ: ﴿اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم وأقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا- يعني آمنوا- وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة﴾(40)﴿فإخوانكم في الدين﴾(41) فهؤلاء لا يقبل منهم أو الدخول في الإسلام وأموالهم وذرا ريهم سبي على ما سنّ رسول الله(ص) فانه سبى وعفى وقبل الفداء، والسيف الثاني على أهل لذمة، قال الله عزّ وجلَّ:) ﴿وقولوا للناس حسًنا﴾(42)، نزلت هذه الآية في أهل الذمة، ثم نسخها قوله عزّ وجلَّ: ﴿قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون﴾(43)).

 

ويؤيده ما ورد في تفسير القمي في ذيل قوله تعالى: ﴿ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله﴾(44)، قال علي بن إبراهيم: أنها نزلت بمكة قبل الهجرة فلما هاجر رسول الله (ص) إلى المدينة وكتب عليهم القتال نسخ هذا، فجزع أصحابه من هذا فأنزل الله: ﴿ألم تر إلى الذين قيل لهم _ بمكة _ كفوا أيديكم﴾،لأنهم سألوا رسول الله (ص) بمكة أن يأذن لهم في محاربتهم فأنزل الله: ﴿كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال _ بالمدينة قالوا:- ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب ? فقال الله:- قل ? لهم يا محمد ? متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا﴾(45)، الفتيل القشر الذي في النواة، ثم قال: ﴿أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة﴾(46) يعني الظلمات الثلاث التي ذكرها الله وهي المشيمة والرحم والبطن(47).

 

وهذا الأخير إنما هو كلام القمي غير المعلوم إسناده إلى المعصوم(ع) ولو مرسلاً، فلا حجية فيه ورواية حفص ضعيفة.

 

وهناك قسم آخر من النسخ، وهو نسخ الأحكام التي كانت في الشرائع السابقة كقصاص النفس بالنفس مطلقًا: وقد نسخ بقوله تعالى: ﴿الحر بالحر والعبد بالعبد﴾، وكوجود أحكام ذات مشقة نسخت بقوله تعالى: ﴿الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم﴾(48) فعن الشيخ بإسناده عن محمد بن عيسى عن يعقوب إبن يزيد عن إبن أبي عمير عن داوود بن فرقد عن أبي عبد الله(ع) قال: (كان بنو إسرائيل إذا أصاب من بدنهم بول يقطعوا لحومهم بالمقاريض وقد وسع الله عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض وجعل لكم الماء طهورًا)(49).

 

وتلخيص المقام أن النسخ وهو بيان انتهاء أمد الحكم فيما كان دليله ظاهرًا في الاستمرار بحسب الأزمنة جائز عقلاً وواقع شرعًا إلا أن كثيرًا من الموارد التي يدعى النسخ فيها ليست من النسخ في شيء وجملة منها ليس لها دليل متقن وسند صحيح، وقد عرفت منا أن تلك المسألة بطولها وتأليف جماعة من العامة كتبا عديدة فيها لا ثمرة لها فقهًا فترك الإطالة فيها أولى برعاية الوقت، نعم القول بعدم وقوع النسخ شرعًا باطل قطعًا لما عرفت من وجود جملة معتد بها من الأحكام المنسوخة في الشريعة الإسلامية.

 

المصدر:

كتاب آراء حول القرآن، لسماحة آية الله السيد علي الفاني الأصفهاني

  


1- سورة الأنعام، الآية: 145 .

2- سورة النساء، الآية: 24 .

3- سورة النساء، الآية: 8 .

4- سورة آل عمران، الآية: 102 .

5- سورة التغابن، الآية: 16 .

6- تفسير العياشي: ج1 ص194 ح121 .

7- مجمع البيان: ج2 ص157 .

8- سورة الذاريات، الآية: 56 .

9- سورة هود، الآيتان: 118و119 .

10- تفسير القمي: ج2 ص331 .

11- سورة البقرة، الآية: 240 .

12- سورة البقرة، الآية: 234 .

13- تفسير العياشي: ج1 ص129 ح426 .

14- تفسير العياشي: ج1 ص129 ح427 .

15- سورة النساء، الآية: 15 .

16- سورة النور، الآية: 2 .

17- سورة النور، الآيتان: 1 و2 .

18- الكافي: ج1 ص32 كتاب الإيمان والكفر .

19- سورة النساء، الآية: 16.

20- البرهان : ج1 ص353 وتفسير العياشي: ج1 ص227 ح61 ولكن ذكره عن أبي عبدالله(ع).

21- مجمع البيان: ج1 ص48 .

22- سورة المجادلة، الآية: 13 .

23- سورة المجادلة الآية: 13 .

24- البرهان: ج4 ص309 .

25- سورة البقرة، الآية: 144 .

26- سورة البقرة، الآية: 143 .

27- البرهان ج1 ص158 .

28- سورة البقرة، الآية: 144 .

29- سورة البقرة، الآية: 142 .

30- البرهان: ج1 ص158 وتفسير القمي: ج1 ص63 ولا حظنا ان بين البرهان وتفسير القمي النسخة التى لدينا اختلاف يسير في الحديث.

31- سورة البقرة، الآية: 143 .

32- هذا التعبير دليل على ما نقول من أن العلم الفعلي عبارة عن حضور المعلوم بوجوده الخارجي لدى العالم، فراجع رسالتنا في البداء .

33- البرهان: ج1 ص158 .

34- سورة البقرة، الآية: 187 .

35- بالخاء المعجمة والواو المشددة والتاء المنقوطة .

36- سورة الأنفال، الآية: 66 .

37- سورة الأنفال، الآيتان: 65 و66 .

38- سورة البقرة، الآية: 83 .

39- سورة التوبة، الآية: 29 .

40- سورة التوبة، الآية: 5 .

41- سورة التوبة، الآية: 11 .

42- سورة البقرة، الآية: 83 .

43- الكافي: ج5 ص10-11 باب وجوه الجهاد ج2 .

44- سورة النساء، الآية: 77 .

45- سورة النساء، الآية: 78 .

46- تفسير القمي: ج1 ص143-144 .

47- سورة البقرة، الآية: 178 .

48- سورة الأعراف، الآية: 157 .

49- البرهان: ج 2ص 40 .