الآية الثالثة:

قوله تعالى ﴿فما استمعتم به منهن فآتوهن اجورهن فريضة﴾ النساء: 24.

ولا بد من معرفة مفاد الآية الكريمة قبل البحث عن كونها آية منسوخة الحكم. وبهذا الشأن فقد جاءت الروايات الكثيرة في طريق السنة والامامية تذكر ان المقصود من الآية الكريمة نكاح المتعة (الزواج الموقت).

ولذلك اشتهر بين علماء العامة ان الآية منسوخة.. حيث ذهب هؤلاء الى أن حلية نكاح المتعة قد نسخت بعد تشريعه لمدة من الزمان في الشريعة المقدسة وقد وقع الاختلاف بين الباحثين في امر الناسخ لهذه الآية الكريمة وبهذا الصدد ذكرت أقوال أربعة:

الاول: ان الناسخ لها قوله تعالى: ﴿يا أيها النبي اذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن﴾ على اساس ان نكاح المتعة لا طلاق فيه وانما تنفسخ عقدة النكاح فيه بانتهاء المدة المضروبة في النكاح أو هبة الباقي منها. كما ان عدته تختلف عن عدة الطلاق في النكاح الدائم ولما كانت هذه الآية تذكر الطلاق كطريق لانفصال الزوجية كانت ناسخة للنكاح الذي يكون انفصال الزوجية فيه عن طريق آخر.. في الوقت الذي تختلف عدته عن عدة النكاح الذي يقع فيه الطلاق.

وهذا القول يكاد ان يكون أوهن الاقوال وابعدها عن الفهم القرآني الصحيح لان الآية الثانية لا تشير - لا من قريب ولا من بعيد - الى موارد الطلاق.

وانه لابد في كل زواج أن يقع الانفصال فيه بالطلاق وانما هي بصدد بيان ضرورة العدة في حالة وقوع الطلاق على ان نكاح المتعة تجب العدة فيه ولا تعرض في الآية الى مقدار العدة ومدتها. فهي بعيدة عن النسخ كل البعد وليس لها علاقة بآية نكاح المتعة.

الثاني: ان الناسخ هو قوله تعالى ﴿ولكم نصف ما ترك ازواجكم﴾ على اساس ان نكاح المتعة لا توارث فيه وهذه الآية تقرر باطلاقها وراثة الزوج لكل زوجة فيدور الامر بين القول بوراثة الزوج للزوجة في نكاح المتعة وقد ثبت عدمه وبين القول بنسخ نكاح المتعة ليبقى اطلاق الآية على حاله وهو المطلوب من دعوى النسخ.

وهذا القول كسابقه من حيث مجافاته للواقع والفهم العرفي. لانه يمكن الالتزام بان الدليل الذي دل على عدم التوارث بين الزوجين في نكاح المتعة يكون مخصصًا لمفاد الآية الكريمة دون اللجوء الى القول بنسخ آية المتعة. كما يلتزم بذلك المسلمون في بعض الموارد الاخرى من الارث فان الزوجة اذا كانت كافرة لا ترث زوجها أو اذا كان أحد الزوجين قاتلاً للآخر فانه لا ارث بينهما أيضًا.

الثالث: ان الناسخ هو النصوص التي تدل على ان نكاح المتعة قد نسخ بعد تشريعه في الاسلام. وقد رويت هذه النصوص بطرق مختلفة كان ينتهي بعضها الى الامام علي (ع) وبعضها الى الربيع بن سبرة وبعضها الى سلمة وغير ذلك.

ولكن تناقش هذه النصوص بالوجوه الثلاثة التالية:

اولاً - ان النسخ لا يثبت بخبر الواحد لما أشرنا اليه سابقًا من الاجماع على ذلك وان طبيعة النسخ تقتضي شيوع النسخ واشتهاره بين المسلمين.

ثانيًا - ان هناك نصوصًا كثيرة متواترة مروية عن طريق أهل البيت تعارض بمضمونها هذه النصوص وتكذبها الامر الذي يفرض علينا الاخذ بنصوص أهل البيت خاصة لانهم الثقل الثاني للكتاب الذي ثبت عن النبي (ص) انهم لا يفترقون عنه.

ثالثًا - النصوص الكثيرة التي وردت في الصحاح التي تؤكد بقاء حلية هذا النكاح حتى وفاة النبي (ص) والنسخ لا يجوز من غير النبي. وقد ذكر السيد الخوئي بعض هذه النصوص مع مناقشته للنصوص الاخرى الدالة على النسخ في كتابه (البيان).

الرابع - ان الناسخ هو اجماع الامة على حرمة نكاح المتعة.

المصدر:

كتاب علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم.